بريطانيا تراهن على التكنولوجيا لمواجهة التهديدات

تسعى بريطانيا إلى تكييف استراتيجيتها الدفاعية والاستباقية في مواجهة الأعداء والمتطرفين مع التطور التكنولوجي الذي بات السمة الأساسية والنوعية لتطور المنظومات الأمنية والعسكرية، إلا أن ذلك يصطدم بتحديات أهمها الأموال الكبيرة التي يجب رصدها في وقت تعيش فيه الحكومة البريطانية ضائقة مالية.
لندن - حضّ رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني ريتشارد مور خلال ظهوره العلني النادر الثلاثاء، وكالات التجسس الوطنية على تغيير نهج السرية المتّبع منذ زمن وتنسيق الجهود مع شركات التكنولوجيا لمكافحة الدول المعادية والمتطرفين.
وفي كلمة ألقاها في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن قال رئيس جهاز “أم.آي.6” البريطاني إن أعداء البلاد يغدقون “المال ويبذلون جهودا كبرى لإتقان قطاع الذكاء الاصطناعي، والحوسبة الكمومية والبيولوجيا التركيبية”.
وتابع “لا يمكننا أن نعقد الآمال على إعادة إنتاج قطاع التكنولوجيا العالمي، لذا علينا أن نستفيد منه”، مشددا على أهمية هذا التغيير في نهج “أم.آي.6” وأسلوب عملها بما أن الوكالة تعتمد بشكل أساسي على قدراتها الذاتية.
ويؤكد خبراء أن إعادة الهيكلة باتت ضرورة تفرضها التحولات الجيوسياسية المتسارعة، التي يشهدها العالم وما تفرضه من تحديات أمنية وتكنولوجية تستدعي القيام بإدخال مفهوم تشغيل جديد من أجل تحول أساسي في عمل المؤسسة العسكرية لمواجهة الخصوم.
ويعمل قادة الجيش البريطاني على إقناع صناع القرار السياسي إلى الإسراع في إحداث تغيير جذري على الطريقة التي تواجه بها المملكة المتحدة الطموحات السياسية والعسكرية للمنافسين “الاستبدادين” عبر التفكير في مفهوم شامل يستند على تطوير معدات فائقة التكنولوجيا للقوات العسكرية.
وحذّر مور الذي تولى رئاسة وكالة “أم.آي.6” العام الماضي من أن التهديدات السيبرانية التي يشكّلها المجرمون والمتطرفون والدول المعادية تتزايد بشكل “سريع جدا”.
وقال “قد نشهد في السنوات العشر المقبلة تقدّما تكنولوجيا أكبر مقارنة بما شهدناه في القرن الماضي”، معتبرا أن أنشطة الصين وروسيا تشكل مصدرا رئيسيا للقلق.
وشدد على أن “جهاز الاستخبارات الصيني يمتلك قدرات كبيرة ويواصل عمليات التجسس واسعة النطاق ضد المملكة المتحدة وحلفائنا”.
وحذّر من مخاطر إساءة الجانب الصيني تقدير الأمور بسبب ثقته المفرطة بقدراته، كما أشار إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يشكل “تهديدا كبيرا” بسبب ممارساته عند الحدود مع أوكرانيا.
وشدد على أن بريطانيا “لا نية لديها لمعاداة روسيا أو تقويضها أو محاصرتها”، وأضاف “لكننا سنفعل كل ما يقتضيه الأمر لإبقاء بلادنا آمنة وردع كل المخاطر التي تشكّلها موسكو والتصدي لها”.
ويقول محللون إنه في عصر المنافسة المستمرة، يحتاج موقف بريطانيا الرادع إلى إدارة وتعديل أكثر ديناميكية ومن ثم فإن هذا المفهوم يقدم مبدأ المنافسة لنموذج الردع التقليدي المتمثل في الفهم والمصداقية والقدرة والتواصل.
ويشير هؤلاء إلى أن بريطانيا تعترف بالحاجة إلى التنافس دون عتبة الحرب لردع الحرب، ومنع الخصوم من تحقيق أهدافهم في استراتيجيات الأمر الواقع، كما حصل في شبه جزيرة القرم وأوكرانيا وأماكن أخرى، إذ تتضمن المنافسة وضعا للحملة يتضمن العمل المستمر وفقا لشروط الجيش البريطاني وفي الأماكن التي يختارها.
وتأتي دعوات مور تزامنا مع مراجعة الدفاع المتكاملة للحكومة البريطانية، والتي من المقرر أن تجمع المراجعة بين التفكير في السياسة البريطانية عبر الدفاع والأمن والسياسة الخارجية والإنفاق التنموي الخارجي.
وأشارت الحكومة البريطانية في السابق إلى أن المراجعة ستشهد تحول الجهود العسكرية بعيدا عن القدرات العسكرية التقليدية، وتتجه نحو تركيز أكبر على الفضاء والفضاء الإلكتروني والذكاء الاصطناعي.
ويقول قائد الجيش البريطاني الجنرال نك كارتر إنه يجب على المملكة المتحدة رسم اتجاه السفر من العصر الصناعي للمنصات إلى عصر المعلومات للأنظمة و”سيتعين على بعض قدرات العصر الصناعي مواجهة غروب الشمس بشكل متزايد لخلق مساحة للقدرات اللازمة لشروق الشمس… الحيلة هي كيف تجد طريقا خلال الليل. نحن نعلم أن هذا سيتطلب منا تبني مجموعات من التقنيات المتمحورة حول المعلومات. لكن توقع هذه المجموعات سيكون صعبا”.
ويحدد مفهوم كارتر بعض القدرات التي يتوقع أن تكون مطلوبة في المستقبل، بما في ذلك قدرات أصغر وأسرع لتجنب انخفاض الحماية المادية لزيادة التنقل والاعتماد المتزايد على الحرب الإلكترونية وتكنولوجيا التخفي وشبكات أنظمة متطورة للغاية.
ولا يزال غير معروف كيف ستعثر الحكومة البريطانية التي تعاني من ضائقة مالية على الموارد اللازمة لإعادة التفكير في استراتيجية تتطلب إنفاقا كبيرا في قطاعات مثل الفضاء والفضاء الإلكتروني. غير أن محللين يعتقدون أن الإهمال المبكر للقدرات التقليدية، مثل الكثير من قوة دبابات القتال الرئيسية، قد يكون إحدى طرق موازنة تلك الاتجاهات.