إسرائيل واليونان تسهمان في تحول مصر إلى مركز إقليمي لتصدير الغاز

تكثف السلطات المصرية إجراءات تنفيذ استراتيجية تحويل البلاد إلى مركز إقليمي لتجارة وتداول الغاز عبر توقيع اتفاقيات مع الدول الأعضاء في منتدى غاز شرق المتوسط لزيادة الصادرات، ويأتي ذلك في ظل توترات بين روسيا وأوروبا دفعت الأخيرة إلى التفكير والبحث عن مصادر بديلة لأكبر مزود لها للغاز.
القاهرة - قال خبراء مصريون إن مساعي القاهرة لتوسيع حصتها في سوق الغاز الإقليمية والعالمية سوف تكلل بالنجاح إثر تعزيز العلاقات مع كل من إسرائيل واليونان، وهو ما يمثل دافعا قويا إلى نمو صادرات الغاز عقب انخفاض المعروض منه على المستوى العالمي.
ووقعت وزارة البترول المصرية قبل أيام اتفاقيات مع كل من اليونان وإسرائيل، تمكّن القاهرة من استيراد المزيد من كميات الغاز الطبيعي الإسرائيلي لإعادة تسييلها ثم تصديرها، فضلا عن زيادة الشحنات إلى اليونان.
وحسب تصريحات وزارة الطاقة الإسرائيلية فإن الشحنات الجديدة ترسل عبر خط أنابيب بري جديد تدرس الدولتان إنشاءه بقيمة 200 مليون دولار ويمر عبر شمال سيناء ويسمح لمصر باستيراد نحو 5 مليارات متر مكعب إضافية من الغاز سنويًا.
ولا تزال اتفاقية مصر مع إسرائيل الموقعة منذ 2018 بنحو 15 مليار دولار سارية المفعول، إذ تستورد القاهرة 2.1 مليار متر مكعب من الغاز سنويا، سترتفع إلى 6.7 مليار متر مكعب خلال الفترة بين عامي 2023 و2034.
ويكشف الاتفاق الثلاثي الأخير رهان القاهرة على أثينا لزيادة صادراتها من الغاز، لكن نجاح ذلك يرتبط بانتهاج اليونان نفس الأسلوب القبرصي في استيراد الغاز من مصر لتصديره إلى أوروبا.
واتفقت مصر وقبرص على تدشين خط أنابيب بحري بين حقل أفروديت للغاز الطبيعي القبرصي ومحطات الإسالة في شمال مصر وإعادة تصدير الغاز إلى الأسواق المختلفة، ما يعد نافذة لتصدير الغاز المصري، ومن المتوقع بدء عمل الخط في غضون أربعة أعوام.

وتحاول القاهرة إنعاش صادراتها من الغاز إلى اليونان، حيث تستورد الثانية أساسا من الجزائر وأذربيجان وروسيا وتركيا، ولم تستلم سوى شحنة واحدة من الغاز المصري العام الجاري، رغم إعادة تشغيل مصنع دمياط للإسالة بداية العام.
وقال جمال القليوبي، عضو مجلس إدارة جمعية البترول المصرية، إن “اليونان لديها اكتشافات جديدة لحقول الغاز لم تقم بتطويرها وتنميتها حتى الآن، ومن شأن الاتفاق الجديد مع القاهرة تعزيز التعاون عبر نقل التكنولوجيا وتجربة مصر الناجحة في حقل ظُهر بشرق المتوسط إليها لتسريع بدء الإنتاج من الحقول”.
وتمثل تلك الخطوة دعما حقيقيا من مصر، ما يقوي شوكتها في استقبال واستيراد الغاز اليوناني مستقبلاً لإسالته في المصانع المصرية التي لديها البنية التحتية الجاهزة ومن ثم إعادة تصديره بالموانئ في البحرين الأبيض أو الأحمر.
وتعد الاتفاقيات التي وقعتها مصر أخيرًا من خلال منتدى غاز شرق المتوسط إحدى الآليات الداعمة لزيادة صادراتها من الغاز بشرائه من مختلف البلدان وإعادة تسييله أو باتفاقيات تعاون يتم إبرامها مع أعضاء المنتدى لتسييل الغاز بمصر ومنها ينطلق إلى الأسواق الخارجية.
وأوضح القليوبي لـ”العرب” أن “اليونان تعتمد على أوروبا في استيراد الكهرباء، لكن ارتفاع أسعارها مع موجة التضخم العالمية دفع أثينا إلى البحث عن بدائل أخرى، على رأسها استيراد الكهرباء المصرية، وبناء محطات كهرباء تعمل بالغاز الطبيعي، ولذلك يزداد طلبها على الغاز المصري، ما يعزز صادراته”.
ووقعت مصر واليونان اتفاقية لإنشاء كابل بحري تصدّر مصر من خلاله فائض الكهرباء إلى اليونان، ضمن مشروع “يورو أفريكا” الذي تبلغ استثماراته 4 مليارات دولار، إذ يربط بين شبكات الكهرباء في مصر واليونان وقبرص، كما يمثل جزءاً من طموحات القاهرة لتصبح مركزًا إقليميًا للطاقة.
وكشفت وزارة الطاقة اليونانية أن الفترة المقبلة ستشهد تعميقا للتعاون مع السلطات المصرية في مجالات تسويق الغاز الطبيعي المسال وأنشطة الاستكشاف والإنتاج بمنطقة شرق البحر المتوسط.
كما أعلنت وزارة البترول المصرية أخيرا أن ثمة تعاونا مستقبليًا مع السلطات اليونانية في تجارة الغاز الطبيعي المسال مع الربط الفعلي لشبكات خطي أنابيب نقل الغاز بالبلدين.
وإلى جانب ذلك أبرما اتفاقية أخرى لوضع الإطار الذي يشجع شركات ومؤسسات الطاقة من الدولتين على التعاون وبدء تنفيذ المشروعات علي أرض الواقع.
وأكد محمد سعدالدين، رئيس جمعية مستثمري الغاز المسال في مصر، أن الاتفاقيات التي وقعتها القاهرة تأتي في توقيت مثالي في ظل الأوضاع العالمية التي تشهد ارتفاعًا في سعر الغاز، ما يشجع على تصديره وزيادة حصة مصر الإقليمية والعالمية.

وأصبحت مصر مُصدرا للغاز الطبيعي والغاز المسال في عام 2018 بعد اكتشاف حقل ظُهر، وهو الأكبر في البحر المتوسط، ما ساعدها على إيقاف نزيف الواردات من هذه المادة، ثم زادت الصادرات بعد إعادة تشغيل مصنع دمياط للإسالة في فبراير الماضي إثر توقف دام ثماني سنوات.
وكشفت بيانات منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك) ارتفاع صادرات مصر من الغاز الطبيعي المسال منذ بداية هذا العام حتى نهاية شهر سبتمبر الماضي بمعدل 780 في المئة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.
وتصدرت مصر الحصة العربية الأكبر بحجم صادرات بلغ نحو 4.4 مليون طن مقابل نحو 500 ألف طن خلال نفس الفترة من السنة الماضية.
وتبحث القاهرة عن سبل عديدة لزيادة صادراتها من الغاز بفضل امتلاكها إمكانات الإسالة ومقومات التصدير، إذ يمثل ذلك استغلالاً أمثل للبنية الأساسية التي أنشأتها البلاد، ولذلك توقع اتفاقيات مع القوى الإقليمية المؤثرة في منتدى غاز شرق المتوسط.
وذكر سعدالدين لـ”العرب” أن “تركيز الجانب المصري على رفع الحصة من استيراد الغاز الإسرائيلي يعود إلى سهولة نقله لتوافر خطوط الأنابيب، فضلاً عن عدم وجود عوائق تصديرية، ومن ثم سهولة إعادة إسالته، وهو ما يسرّع تحول مصر إلى مركز إقليمي لتداول وتجارة الغاز وتعضيد دورها الريادي في ذلك المجال بالمنطقة”.
وزاد ارتفاع سعر الغاز عالميا خلال الفترة الأخيرة من المردود الاقتصادي لعمليات التصدير المصرية، ما يرفع من تدفقات النقد الأجنبي الناشئة عنه وخفض الديون وعدم الحاجة إلى الاستدانة بمختلف أنواعها من الأسواق الدولية، فضلاً عن جذب استثمارات جديدة في ذلك القطاع، ما يزيد من فرص تشغيل الشباب.