تبون أمام ثالث امتحان لكسر العزوف الشعبي عن الانتخابات المحلية

الرئيس الجزائري يتطلع إلى ارتفاع نسبة المشاركة في الاقتراع لتجديد المجالس البلدية والولائية، بعد أن اتسمت الحملة الانتخابية بالفتور.
السبت 2021/11/27
شعار "ابصم وأتمم البناء المؤسساتي" لحضّ الجزائريين على التصويت

الجزائر- بدأ الناخبون الجزائريون السبت التصويت في انتخابات محلية لتجديد المجالس البلدية والولائية، وهو ثالث استحقاق ينظمه الرئيس عبدالمجيد تبون منذ وصوله إلى السلطة في ديسمبر 2019، بعد استفتاء على الدستور وانتخابات تشريعية شهدت مقاطعة كثيفة.

واتسمت الحملة الانتخابية التي دامت ثلاثة أسابيع بالفتور في العاصمة كما في المناطق الأخرى. وعلقت بعض الملصقات وعقدت تجمعات داخل قاعات مغلقة، ولم ينشط كثيرا المترشحون لشغل مناصب في مجالس 1541 بلدية و58 ولاية (محافظة).

وفتحت مكاتب الاقتراع في الساعة الثامنة (07:00 ت غ) كما في متوسطة باستور بوسط العاصمة الجزائرية، على أن تغلق في الساعة 19.00 (18:00 ت غ) مع إمكانية التمديد بقرار من السلطة المستقلة للانتخابات لساعة واحدة.

وأظهرت صور للتلفزيون الجزائري الرسمي فتح مكاتب التصويت في عدة ولايات بشرق ووسط وغرب وجنوبي البلاد.

وتبقى مشاركة الناخبين في الاستحقاق الانتخابي هاجسا ورهانا صعبيْن أمام السلطات الجزائرية والمترشحين من الأحزاب والمستقلين، خصوصا بعد أن سجلت الانتخابات التشريعية أدنى نسبة مشاركة في تاريخ البلاد.

وعبر الرئيس تبون في تصريحات لوسائل إعلام محلية مساء الجمعة، عن تفاؤله بارتفاع نسبة المشاركة مقارنة بالانتخابات النيابية. وقال "نتمنى أن تكون مشاركة" كبيرة. وأضاف "ربما المجلس الشعبي الوطني لا يهم الناس كثيرا (...) لكن الانتخابات المحلية تخص اختيار من يسير يوميات المواطن".

وانطلقت عملية التصويت الأربعاء في المناطق النائية في أكبر بلد في القارة الأفريقية، غداة نهاية الحملة الانتخابية، كما ينص القانون.

وتقدم لانتخابات مجالس البلديات 115230 مترشحا، بمعدل أربعة مترشحين عن كل مقعد، بينما ترشح للمجالس الولائية 18910 أشخاص، أي ثمانية مترشحين عن كل مقعد. ولا تمثل النساء سوى 15 في المئة من المترشحين، بحسب إحصاءات السلطة الوطنية للانتخابات.

ويبلغ عدد من لهم حق التصويت، وفق سلطة الانتخابات الجزائرية 23 مليونا و717 ألفا و479 ناخبا، موزعين على 13 ألفا و326 مركز اقتراع، و61 ألفا و676 مكتبا.

وتعتبر هذه الانتخابات ثاني موعد في الجزائر يعتمد نظام القائمة المفتوحة المقصود بها السماح للناخب باختيار المترشحين داخل القائمة الواحدة حسب رغبته، بخلاف المغلقة التي كانت تفرض عليه اختيار القائمة كما هي وفق ترتيب الحزب دون إمكانية التصرف فيها.

وقامت السلطات بحملة دعائية واسعة عبر المساحات الإعلانية في المدن ووسائل الإعلام تحت شعار "تريد التغيير، ابصم وأتمم البناء المؤسساتي" لحضّ الجزائريين على التصويت.

وينتقد المحلل السياسي محمد هنّاد هذا الشعار و"الثقافة السياسية" التي يحملها، موضحا "هذه ليست من قبيل المعاملة الشريفة المستندة إلى قيم المواطنة. بلغ عناد السلطة مستوى مرَضيا حقيقة بحيث صارت أكثر تماديا في فرض إرادتها على الرغم من النتائج غير المشرفة المسجلة في المواعيد الانتخابية الثلاثة السابقة".

وهذه ثالث انتخابات تجري في عهد الرئيس تبون الذي تعهد بتغيير كل المؤسسات الدستورية الموروثة عن عشرين سنة من حكم بوتفليقة الذي دفعه حراك شعبي بدأ في فبراير 2019 إلى الاستقالة. وتوفي في السابع عشر من سبتمبر 2021 بعد مرض طويل أقعده لسنوات.

وانتخب تبون في ديسمبر 2019 بنسبة 58 في المئة من أصوات الناخبين، وبمشاركة لم تتعد 40 في المئة.

وفي مرحلة أولى، أجرى استفتاء على تعديل الدستور في نوفمبر 2020 صوت عليه فقط 23.7 في المئة من الناخبين من أكثر من 23 مليون ناخب.

في الثاني عشر من يونيو، جرت انتخابات تشريعية مبكرة شهدت نسبة امتناع عن التصويت هي الأكبر في تاريخ الانتخابات الجزائرية، إذ لم ينتخب سوى 23 في المئة. لكن يتوقع أن تجذب المحطة الانتخابية الثالثة عددا أكبر من الناخبين.

وشدد تبون على أهمية مصداقية الانتخابات ونزاهتها، واستجابتها للتغيير الذي طالب به الحراك الشعبي.

وبعد تنحي بوتفليقة، واصل الجزائريون التظاهر بشكل كثيف رافضين وجود كل رموز نظام الرئيس السابق في السلطة، وبينهم تبون نفسه. لكن مع تفشي فايروس كورونا وتوسع حملة القمع التي استهدفت الحراك، تراجع زخم الاحتجاجات.

وتقول أستاذة العلوم السياسية نبيلة بن يحيى "تتميز هذه الانتخابات عن التشريعية بالعلاقة المباشرة مع المواطن وانشغالاته". وتضيف "أعتقد أن الانتخابات المحلية هي التي تُقَيِّم أداء بناء الثقة بين المواطن والسلطات".

وبرأي هنّاد "تدَّعي السلطة أنها تريد التغيير استجابة للحراك، لكنها لم تأخذ من هذا الأخير إلا كلمة 'التغيير' من دون مدلول وراحت تفرض أجندتها السياسية في جو من المونولوغ السياسي، فلم تشرك القوى السياسية في مشروع الإصلاح السياسي إلا شكليا".

ولعل مشاركة منطقة القبائل التي قاطعت الانتخابات الرئاسية ثم الاستفتاء والانتخابات التشريعية، في الانتخابات المحلية، قد يرفع نسبة التصويت.

وقرّر حزب جبهة القوى الاشتراكية، وهو أقدم حزب معارض، تقديم مترشحين عنه في هذه المنطقة للدفاع عن الأغلبية التي يملكها في المجالس المحلية في ولايتي تيزي وزو وبجاية، أكبر مدينتين في المنطقة الواقعة في شمال شرق البلاد.

كما يشارك مترشحون أحرار، بعضهم قياديون سابقون في حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (علماني ليبرالي)، ثاني أكبر حزب في المنطقة، وقد قاطع كل الاقتراعات منذ بداية الحراك.

لكن رهان المشاركة القوية ليس الرهان الحقيقي بالنسبة إلى أستاذ الإعلام بجامعة الجزائر رضوان بوجمعة، خصوصا بعد أن قررت الحكومة التراجع عن الدعم المباشر والعام للمواد الاستهلاكية الأساسية وتحويله إلى إعانات نقدية لصالح المحتاجين فقط.

ويقول بوجمعة "الرهانات الحقيقية تتعلق بالتحديات الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة العام القادم، وانهيار القدرة الشرائية التي تنذر باتساع الاحتجاجات النقابية، خصوصا أن مؤشرات عديدة تدل على أن السلطة لا تملك لا الرؤية ولا الاستراتيجية لإيجاد إجابات لعمق الأزمة".