انفصال أميركي عن الواقع: أفريقيا تعاني أزمات أمنية وواشنطن تطالبها بالديمقراطية

بلينكن: يجب منع أطراف مسيئة من تهديد المؤسسات الديمقراطية في القارة.
الخميس 2021/11/18
تجاهل المشاكل الحقيقية للقارة

إثارة الولايات المتحدة مجددا لمسألة الديمقراطية والتهديدات التي تواجهها في القارة الأفريقية تُسلط الضوء على الانفصال الأميركي عن الواقع، حيث تتجاهل واشنطن الأزمات الأمنية الخطرة التي تواجهها القارة وتعود إلى اجترار التحذيرات بشأن مستقبل الديمقراطية.

نيروبي - تعكس المخاوف التي أثارها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال زيارته الأولى إلى أفريقيا بشأن الديمقراطية في القارة، انفصالا أميركيا تاما عن الواقع حيث تتجاهل واشنطن التحديات الأمنية التي تواجهها المنطقة وتركز على الديمقراطية.

وتسعى الولايات المتحدة إلى قطع الطريق أمام تنامي النفوذ الصيني في أفريقيا.

ويقول مراقبون إنه عوض أن تقدم الولايات المتحدة الدعم للدول الأفريقية لتتجاوز الأزمات الأمنية الخطيرة التي تواجهها بما يسمح بتكريس الاستقرار داخلها تصر على اجترار نفس الخطابات التي تشدد على ضرورة احترام الديمقراطية.

ودعا بلينكن الأربعاء الأفارقة إلى البقاء متيقظين أمام التهديدات المتزايدة للديمقراطية، وذلك في محطته الأولى في كينيا حيث يفترض أن يبحث أيضا في النزاع الذي تشهده إثيوبيا المجاورة ضمن جولته في القارة.

ويزور بلينكن في جولته التي تستمر حتى السبت ثلاث دول تُعدّ أساسية في الاستراتيجية الأفريقية للرئيس جو بايدن، بدءا من كينيا الحليفة التقليدية لواشنطن في منطقة باتت تشهد حضورا صينيا متزايدا، وبعدها نيجيريا أكبر دول القارة من حيث عدد السكان، وانتهاء بالسنغال التي تعد مثالا لديمقراطية مستقرة في قارة غالبا ما شهدت نزاعات دامية سواء بسبب أنشطة الجماعات الجهادية أو غيرها.

واشنطن عوض أن تقدم الدعم للأفارقة لتجاوز التحديات الأمنية، تصرّ على اجترار نفس الخطابات بشأن الديمقراطية

وقبل اجتماع مقرر مع الرئيس الكيني أوهورو كينياتا، التقى بلينكن الأربعاء قادة من المجتمع المدني الكيني وطلب منهم خصوصا أفكارا حول طريقة منع “أطراف مسيئة” من تهديد المؤسسات الديمقراطية.

وقال خلال هذا اللقاء الذي شارك فيه خصوصا مدافعون عن حقوق الإنسان ومراقب للانتخابات ومسؤول نقابي “شهدنا خلال العقد الماضي ما يسميه البعض ركودا ديمقراطيا”، وأضاف “حتى الديمقراطيات الديناميكية مثل كينيا تتعرض لضغوط خصوصا في وقت الانتخابات”.

وتابع “رأينا هنا التحديات نفسها التي نراها في أجزاء كثيرة من العالم: التضليل والعنف السياسي وترهيب الناخبين وفساد الناخبين”.

وفي تكرار لمواضيع تتطرق إليها إدارة جو بايدن باستمرار، شدد بلينكن على التهديدات لحرية الصحافة والفساد التي “تقوّض” الديمقراطية.

وستكون هذه الرحلة أيضا فرصة للبحث في محاولات التوصل إلى حل سلمي للنزاع الذي تشهده إثيوبيا منذ أكثر من عام. وفي الأسابيع الأخيرة، وفي مواجهة التصعيد الأخير في الصراع بين الجيش الفيدرالي والمتمردين في منطقة تيغراي، ضاعفت الولايات المتحدة الدعوات إلى وقف الأعمال العدائية وإجراء مناقشات.

وانتقدت الولايات المتحدة إثيوبيا وفرضت عقوبات ضد هذا البلد الحليف منذ فترة طويلة مُدينة انتهاكات حقوق الإنسان وعرقلة إيصال المواد الغذائية إلى تيغراي حيث تهدد المجاعة مئات الآلاف من الأشخاص.

وأقر وزير الخارجية بأن التهديدات للديمقراطية لم تستثن الولايات المتحدة أيضا حيث اقتحم حشد من أنصار دونالد ترامب الرئيس المنتهية ولايته آنذاك، مبنى الكابيتول في واشنطن في السادس من يناير بهدف قلب نتيجة الانتخابات التي أوصلت بايدن إلى البيت الأبيض.

وقال وزير الخارجية الأميركي إن “الولايات المتحدة ليست محصنة ضد هذا التحدي”، مضيفا “لقد رأينا إلى أي حد يمكن أن تكون ديمقراطيتنا هشة”.

وكينيا أحد أقرب حلفاء الولايات المتحدة في أفريقيا، هي محاور مميز لإدارة بايدن. وكان الرئيس كينياتا أول قائد أفريقي يدعوه الرئيس بايدن إلى البيت الأبيض.

والانتخابات في كينيا حيث ينظم الاقتراع الرئاسي المقبل في 2022، غالبا ما تشهد أعمال عنف دامية تسلط الضوء على التحديات الأمنية التي تواجهها القارة.

وفي إطار جولته سيزور بلينكن أيضا نيجيريا التي تواجه سلطاتها انتقادات من واشنطن بسبب موقفها من ملف حقوق الإنسان لاسيما خلال قيام الشرطة بقمع حركة احتجاج كبرى أكتوبر 2020، ويزور بعدها السنغال.

وتشهد نيجيريا بدورها هجمات متصاعدة لجهاديين ولتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.

وستكون دول أفريقيا جنوب الصحراء الأحدث في جدول زيارات بلينكن الذي عرقلته بعد الأشهر الأولى من توليه منصبه جائحة كوفيد – 19 وإجراءاتها الوقائية، والأحداث التي رافقت الانسحاب الأميركي من أفغانستان.

وفي غياب زيارات مباشرة أبقى بلينكن على تواصل افتراضي مع مسؤولين أفارقة، كما زار الرئيس الكيني أوهور كينياتا البيت الأبيض حيث التقى بايدن.

ويأمل بلينكن في أن يخطّ في إدارة بايدن مسارا مغايرا للرئيس السابق ترامب الذي لم يخفِ ضعف اهتمامه بأفريقيا، وكان أول رئيس أميركي منذ عقود لا يقوم بأي زيارة إلى القارة.

ووعد بايدن بإيلاء اهتمام أكبر لأفريقيا وبالقيام بجهد عالمي لتشجيع القيم الأميركية في مواجهة تصاعد نفوذ الصين التي تقوم باستثمارات في أفريقيا دون أي مطالب في مجال الديمقراطية.

وتأتي زيارة الوزير الأميركي قبل أسابيع من استضافة بايدن قمة للدول الديمقراطية في واشنطن.

5