حميدتي داعم للبرهان أم قائد احتياط

حميدتي تقبل تفوق البرهان عليه على أمل أن تواتيه فرصة لينقض على الحكم بنعومة فعندما فقدت الكثير من القوى المدنية جزءا من ثقتها في البرهان تصور حميدتي أنه بديل أكثر جاهزية.
الجمعة 2021/11/12
تصدر البرهان للمشهد حاليا أن دور حميدتي قد انتهى

بعد نحو أسبوعين على الانقلاب الذي قاده قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان، تحدث نائبه في مجلس السيادة المنحل الفريق أول محمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي، لأول مرة مؤيدا ومثمنا ما اتخذ من إجراءات ضد القوى المدنية، واعتبرها ضرورية ومن قبيل تصحيح مسار الثورة.

فُسر تعليق حميدتي على أنه تأكيد لوحدة المؤسسة العسكرية بكافة فروعها ووقوفها خلف قرارات البرهان إلى أقصى مدى، في محاولة لنفي ما تردد حول وجود انقسامات داخلها، وأن الجيش غير راض عنها وربما على وشك الانفجار.

قرأ آخرون حديثه على أنه تأكيد لأهميته في أي معادلة للحكم، ولا يعني تصدر البرهان للمشهد حاليا أن دور حميدتي قد انتهى، فلا يزال على رأس قوات الدعم السريع التي تلعب دورا مهما في ضبط البوصلة الأمنية في الشارع خلال تظاهرات لم تتوقف تماما منذ الانقلاب العسكري في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي.

يبدو الفريقان، البرهان وحميدتي، على درجة عالية من التوافق بحكم المصالح المشتركة بينهما، حيث قام الثاني بدور معتبر في تفويت الفرصة على من حاولوا توظيف التباين الظاهر بين أبناء الجيش الحقيقيين وقادته مثل البرهان ورفاقه، وبين من انتسبوا إليه في ظروف حاول فيها نظام الرئيس السابق عمر البشير خلق توازنات عسكرية معينة تمكنه من إحكام القبضة الأمنية على مفاصل السلطة وتوابعها، وتحُول دون تدبير مؤامرات خفية ضده.

يعد حميدتي وقوات الدعم السريع من النوع الثاني الذي يوصف في بعض الأدبيات السودانية بـ”الدخلاء على الجيش” لأنهم لم ينخرطوا في صفوفه بصورة نظامية مبكرا، بدءا من الدراسة المعروفة وحتى وضع سقف للترقي والهيراركية العسكرية، وتم تكوين هذه الوحدة المسلحة في ظروف الحرب الأهلية في إقليم دارفور.

سطع نجم حميدتي عند إزاحة نظام البشير وتحول من ميليشياوي إلى قائد منضبط عندما وجد جميع الكُرات العسكرية والسياسية تتدحرج بعيدا ففضل الانحياز إلى قوافل الثورة وقفز على موجتها الأولى، وأسهم في توجيه معاول الهدم ضد البشير ونظامه، وهو ما جعله رقما رئيسيا في منظومة المرحلة الانتقالية بالتساوي أو تاليا مباشرة للبرهان، واختير نائبا له في مجلس السيادة السابق.

أفضت أحلام حميدتي الواسعة إلى مناوشات من حين إلى آخر بينه وبين البرهان، وهي الثغرة التي حاولت قوى مدنية الاستفادة منها لمنع تغول الجيش، غير أن تحالف الضرورة بين الرجلين فرض عليهما تفويت الفرصة على تخريب العلاقة بينهما، والتي حتى الآن تعاني من رواسب، حيث عمد كلاهما إلى تكتيل أوراقه في الجيش والشارع ونسج علاقات مع قوى إقليمية ودولية.

تقبل حميدتي تفوق البرهان عليه كرئيس لمجلس السيادة السابق على أمل أن تواتيه فرصة لينقض على الحكم بنعومة، فعندما فقدت الكثير من القوى المدنية جزءا من ثقتها في البرهان تصور حميدتي أنه بديل أكثر جاهزية، وألمح إلى إمكانية التفاهم معه حول ترتيبات المرحلة الانتقالية وما بعدها.

مع كل خلاف بين المكونين المدني والعسكري كان حميدتي يعتقد أنه يصب في صالحه، حتى تضخم معنويا، وحرص على أن يبدو مارشالا عتيدا لمجرد أنه يقبض في يده على عصا ويحاول أن يخطو خطوات العسكريين الكبار أثناء المشي.

يفتقر حميدتي لمجموعة من الخصال الرئيسية تقلل من حظوظه كبديل للبرهان، وتجعله مضطرا ليكون داعما له، لأن الخيارات المتاحة أمامه شبه معدومة، فلم يتخرج في الكلية الحربية التي تعد مصنع العسكريين، ما يجعل الكثير من القادة ينظرون إليه وكل من تدرجوا مثله في القوات المسلحة على أنهم فرز ثان أو صف ثان.

Thumbnail

تكفي هذه الإشارة لتوحي بانعدام كفاءته وعدم قدرته على السيطرة على وحدات الجيش المختلفة، فقد يفضي صعوده إلى فتنة في صفوفه السودان في غنى عنها في هذه الأجواء الملتبسة، ويحتاج إلى المزيد من الوقت لاختراق المؤسسة النظامية وتشكيل جبهات قوية موالية له، وهو ما كان البرهان منتبها له وعمل على حصر دوره في قوات الدعم السريع وترك مساحة هامشية خارجها بلا تأثير على القوة الصلبة للجيش.

لن تسعف الصورة الذهنية المنطبعة عن الرجل في الشارع عملية هضمه كوجه بديل للبرهان، فالرجل متهم بفض اعتصام مركز القيادة بعد أشهر قليلة من سقوط البشير بالقوة، ما أدى إلى وقوع ضحايا لا تزال قضيتهم تثير الوجع لدى بعض المدنيين.

ناهيك عن تاريخه القاتم في حرب دارفور التي تجعله غير مرغوب فيه من قبل شريحة واسعة من أبناء الإقليم ودخل في خلافات مع أبناء عمومته ما يقلل من أهميته كرقم على الصعيد القبلي، بجانب أهميته المنخفضة كرقم على الصعيد العسكري.

يضاف إلى هذه العيوب عيب آخر يتعلق باتهامات كبيرة حول تجارته غير المشروعة في الذهب، ويردد سودانيون كلاما مذهلا حولها وصل إلى حد سيطرته على مناجم بكاملها وأسرته بعيدا عن أعين الدولة، وحصد أموال باهظة، وهذه تكفي لعدم الوثوق فيه من شعب تئن شريحة كبيرة فيه من كثافة التدهور الاقتصادي والاجتماعي.

لن تسعفه مؤهلاته العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ليكون بديلا للبرهان، وليس أمامه سوى دعمه بكل ما أوتي من بقايا حنكة ودهاء، فقد ارتبط مصيرهما معا، وأي هزة تحدث للأول ستكون عواقبها وخيمة على الثاني.

من توقعوا أن يصبح الرجل جاهزا ليكون خليفة للبرهان لا يدركون الخطورة الكبيرة، بمعناها السلبي وليس الإيجابي، التي يمثلها على المدنيين والعسكريين، والتي تجعل قائد الجيش الحالي أكثر انضباطا وأقل بطشا وأقدر على التفاهم مع الآخر في الداخل أو الخارج، فإن لم يكن البرهان قائدا فلن يصبح حميدتي القائد الاحتياط.

قد يكون ما وصل إليه حميدتي أقل من تطلعاته وطموحاته وأمنياته الشخصية، لأنه صعد إلى أعلى السلم الذي يمكن أن يصل إليه من في مثل ظروفه، وأي تقدم بعده ربما يؤدي إلى احتراقه، وإذا تمكن من الحفاظ على قيادته لقوات الدعم السريع بلا منغصات سيكون ذكيا لأن وجود هذه القوات في نظر قادة الجيش أمر شاذ.

وفي نظر المدنيين الذين يريدون حكم البلاد ويسعون لتأسيس نظام ديمقراطي مسألة يجب بترها فورا، لأنها تدعم فكرة الجيوش الموازية التي يعمل السودان الجديد على التخلص منها، إذاً كيف سيتم إنهاء ظاهرة الحركات المسلحة المتعددة وهناك ما يشبه الميليشيا يقودها رجل محسوب على المؤسسة العسكرية النظامية؟

8