مخاوف من عودة ليبيا إلى الانقسام في غياب شخصية جامعة

فتحت ليبيا بداية من الاثنين، أبواب الترشح للانتخابات الرئاسية التي ستنتظم في الرابع والعشرين من ديسمبر القادم، والانتخابات التشريعية التي يرجح أن تنتظم بالتزامن مع الجولة الثانية من الرئاسيات أي بعد 52 يوما من الجولة الأولى، وتزامنا مع ذلك تعالت الأصوات الرافضة لترشح أسماء محسوبة عن النظام السابق وسارع أنصار جماعة الإخوان للتلويح بالعودة إلى مربع العنف في حال ترشح المشير خليفة حفتر وأصبح رئيسا للبلاد.
تونس - تتجه ليبيا إلى أول انتخابات رئاسية منذ قيام الدولة وإعلان استقلالها في الرابع والعشرين من ديسمبر 1951، أي قبل 70 عاما، حيث خضعت للنظام الملكي الدستوري بزعامة الملك إدريس السنوسي حتى العام 1969 تاريخ استيلاء ضباط عسكريين بقيادة معمر القذافي على الحكم، وتعطيل آلية الانتخابات إلى حين الإطاحة بالنظام في العام 2011، وتم الالتجاء في ديسمبر 2015 بالصخيرات المغربية، ثم من خلال ملتقى الحوار السياسي بجنيف في فبراير الماضي، إلى اختيار المجلس الرئاسي في نسخة أولى برئاسة فايز السراج ونسخة ثانية برئاسة محمد يونس المنفي.
وسيستمر قبول طلبات الترشح لانتخاب رئيس الدولة الليبية المرتقب إلى غاية الثاني والعشرين من نوفمبر الجاري، بينما يستمر استقبال ملفات الترشح لانتخاب أعضاء مجلس النواب إلى السابع من ديسمبر القادم.
وسيقتصر قبول الترشح للرئاسيات على فروع المفوضية بطرابلس (غرب) وبنغازي (شرق) وسبها (جنوب) وذلك لحساسية الموقف إزاءها، في حين سيتم قبول طلبات الترشح للانتخابات البرلمانية في كافة فروع مكاتب الإدارات الانتخابية التابعة للمفوضية.
الوضع في غرب ليبيا قد يتحول إلى حالة من الاحتقان الحاد في ظل التحريض الذي يستهدف مفوضية الانتخابات
ويشترط في المرشح للمنافسة على منصب الرئيس أن يكون مسلما ومن أبوين مسلمين، وأن يثبت عدم حمله لجنسية دولة أخرى عند ترشحه، وكذلك الأمر بالنسبة إلى والديه وزوجته، وألا يقل سنه عن 35 عاما عند ترشحه، وأن يكون المرشح حاصلا على مؤهل جامعي على الأقل، أو ما يعادله من جامعة معتمدة، وأن يقدم تقريرا بحالته الصحية الجيدة معتمدا من السلطات الصحية في البلاد، وأن يكون متمتعا بكامل حقوقه المدنية غير صادر بحقه حكم نهائي في جناية أو جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة، ويقدم إقرارا بذلك مرفقا بشهادة الحالة الجنائية، ولا يحق الترشح لمن صدر بحقه قرار بالعزل التأديبي من قبل.
وتتضمن الشروط ضرورة أن يقدم المرشح إقرارا بممتلكاته الثابتة والمنقولة داخل البلاد وخارجها، وهو الأمر ذاته لزوجته وأولاده القصّر، وأن يُزكى من قبل 5 آلاف ناخب على الأقل مسجلين بسجل الناخبين، وأن يودع بحساب المفوضية مبلغ 10 آلاف دينار ليبي، وأن يوكل من يفوضه باستكمال إجراءات الترشح وإجراءات العملية الانتخابية التي تقرها لوائح وإجراءات المفوضية.
وفي حال كان المرشح يشغل وظيفة قيادية عامة، ينبغي عليه التوقف رسميا عن ممارسة عمله قبل ثلاثة أشهر من موعد الانتخابات المقرر في الرابع والعشرين من ديسمبر وتقديم الوثائق التي تثبت ذلك.
ومن المنتظر أن يعلن في الرابع والعشرين من نوفمبر الجاري عن قائمة المرشحين رسميا للرئاسيات، أي بعد يومين من إغلاق باب قبول الملفات، فيما أكد رئيس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات عماد السايح أن جميع الطعون بخصوص ترشح بعض الشخصيات ستعرض على القضاء لاتخاذ قراره المناسب.
انقسام حاد
يرى مراقبون محليون أن طريق الانتخابات الرئاسية الليبية ستكون مفروشة بالأشواك، بسبب الخلافات الحادة بين الفرقاء السياسيين والفعاليات الاجتماعية، ولاسيما بين أنصار الجيش وأنصار النظام السابق وأنصار الـ17 من فبراير، مشيرين إلى أن الاتجاه نحو انتخاب رئيس للبلاد قبل تحقيق المصالحة الوطنية يعتبر تحديا غير مأمون العواقب، لاسيما أن أغلب المرشحين غير قادرين على زيارة كل المناطق الليبية، بسبب الانقسام الحاد في المواقف منهم.
وحول ترشح سيف الإسلام القذافي للرئاسة، قال السايح إن شروط القانون الانتخابي والتشريعات المرتبطة بالانتخابات، تعدّ المعيار في ترشحه أسوة بغيره من المرشحين، مبينا أن الشروط تُشير قطعا إلى ألا يكون المرشح محكوما قضائيا، وأن القضاء الليبي يفصل في ترشحه إذا قدم المواطنون طعونا لاستبعاده من السباق الانتخابي.
واستبعدت مصادر مطلعة لـ”العرب” أن يتقدم سيف الإسلام القذافي بترشحه للرئاسيات، نظرا لعجزه على التحرك للقيام بالإجراءات القانونية التي تتطلب حضوره الشخصي، لكنها رجحت أن يدعم ترشح شخصية أخرى محسوبة على النظام السابق، ويخرج بكلمة مسجلة إلى الشعب في هذا السياق، علما وأن مجلس الأمن سيتناول موضوع سيف الإسلام في جلسة خاصة خلال الأيام القادمة.
وأكد رئيس مفوضية الانتخابات نية رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة الترشح، في تراجع واضح لتعهده بالبقاء على الحياد عندما تولى منصبه في مارس بموجب عملية سلام تدعمها الأمم المتحدة، ورغم مخالفة ذلك الفقرة 12 من شروط الترشح، عدم مسؤولية المفوضية في التحقق من مستندات المرشحين باستثناء الإجراءات الخاصة بها، وأن المفوضية ملزمة باستقبال طلبات المرشحين حال توفر تلك المستندات.
وخلال الأشهر الماضية، كسب الدبيبة دعما شعبيا قويا نتيجة الحملة الدعائية القوية التي نظمها لنفسه بالاعتماد على مقدرات الدولة لاسيما في فئات الشباب والموظفين والمتقاعدين والفقراء والأقليات والراغبين في الحصول على الجنسية وغيرهم.
والأسبوع الماضي، تم نشر شروط الترشح لانتخابات الرئيس وقد تضمنت تعديلا للمادة 12 يسمح للمسؤولين الحاليين بالترشح شريطة التقدم باستقالة من وظائفهم قبل الرابع والعشرين من ديسمبر، ولكن بعد ساعة واحدة تم سحب ذلك المنشور من موقع المفوضية، ليعود إلى الظهور الأحد دون تعديل، وهو ما ردته مصادر مطلعة إلى فشل الضغوط التي مورست على مستويات إقليمية ودولية على مجلس النواب لتعديل المادة التي تنص على أنه “ينبغي على المرشح التوقف رسميا عن ممارسة عمله قبل ثلاثة أشهر من موعد الانتخابات المقرر في الرابع والعشرين من ديسمبر وتقديم ما يثبت ذلك من وثائق”.
ويشير المحللون إلى أنه من الصعب أن يقتنع الدبيبة بالخروج من المشهد السياسي بهذه السهولة، مرجحين أن يتقدم بترشحه ليضع القضاء أمام تحدّ كبير، فالموافقة على ترشحه تمثل خرقا للقانون، بينما منعه يعطيه نزعة المظلومية التي سيسعى إلى استغلالها في حشد أنصاره وراء شخصية أخرى تكون محسوبة على اللوبي الذي يتزعمه.
وفيما يمثل المشير خليفة حفتر الذي توقف مؤقتا عن تولي منصب القائد العام للجيش الليبي منذ سبتمبر الماضي للتفرغ لخوض غمار المنافسة على رئاسة البلاد، رقما صعبا في المعادلة، ويحظى بدعم شعبي كبير وخاصة في شرق البلاد، باتت هناك تهديدات معلنة من جماعة الإخوان بالدفع نحو حرب جديدة في حالة فوزه بكرسي الرئاسة.
وزعم القيادي الإخواني ورئيس مجلس الدولة الاستشاري خالد المشري أن إجراء الانتخابات بالطريقة التي خطط لها مجلس النواب وفي هذه الظروف الخاصة من تاريخ ليبيا قد تؤدي إلى حرب أهلية، وأضاف أن “مجموع النتائج المترتبة تشكل خطرا حقيقيا على واقع الشعب الليبي ومستقبله، فأي نتائج تترتب عن هذه الانتخابات لن يتم الاعتراف بها؛ لأنها تفتقد للمصداقية والقبول من طرف عموم أبناء الشعب الليبي”.
وادعى المشري أن “استقرار ليبيا يتوقف على درجة الالتزام بمقررات الأمم المتحدة”، وحاول تبرير تهديدات الإخوان وحلفائهم بأن “مجموعة القوانين المتعلقة بانتخاب الرئيس وقانون الانتخابات البرلمانية تضمنت عن قصد مجموعة من المغالطات والمخالفات، وأقرت من المجلس دون أن تعرض على أعضاء مجلس النواب لمناقشتها والتصويت عليها، وفق المقتضيات القانونية المنظمة لسير العمل في المجلس”، مضيفا أنه “تم الطعن في هذه القوانين لدى الدائرة الدستورية ولن يتم الاعتراف بالنتائج المتربة عليها”.
وتابع “أن حفتر لن يكون رئيسا لليبيا ولو على جثث الليبيين، وإذا حدث وأصبح رئيسا لليبيا فإن أبناء ليبيا في مدن ومحافظات المنطقة الغربية سيقاومون بالسلاح، مما سيدخل البلاد في حرب أهلية”.
وكان إخوان ليبيا يراهنون على الدعاوى القضائية التي رفعوها في الولايات المتحدة ضد حفتر، وعلى أن يصدر حكم ضده قد يتم اعتماده في منعه من الترشح باعتباره ملاحقا قضائيا، لكن المحكمة الفيدرالية لشرق فرجينيا، قضت الخميس الماضي بتعليق جلسات مساءلته، في قرار اعتبره الإخوان مفاجئا وصادما ومخيبا للآمال، وسط اتهامات بالأخطاء الإدارية والقانونية لممثلي حكومة الوحدة الوطنية.
معركة حياة أو موت
مثلت تهديدات المشري انعكاسا لموقف الميليشيات المسلحة المرتبطة بمحور الإسلام السياسي وبما يصف نفسه بتيار ثورة 17 فبراير إلى جانب اللوبي التركي بأبعاده المالية والاقتصادية والسياسية والثقافية الذي ينظر إلى حفتر كعدو، وإلى المواجهة معه باعتبارها معركة حياة أو موت.
وقالت أم العز الفارسي عضو ملتقى الحوار السياسي، إن “استعداد خالد المشري رئيس مجلس الدولة الاستشاري، إعلان الحرب إذا لم ترضه نتائج الانتخابات الرئاسية، هو وثيقة كاملة وقانونية تجره للمحاكمة باعتباره معرقلا لاستقرار ليبيا”.
وأضافت أن “على منظمات المجتمع المدني ومفوضية الانتخابات والمراصد المعنية بضمان قبول النتائج أن تنتبه في هذه المرحلة للتصريحات والتهديدات وكل ما من شأنه تهديد العملية الانتخابية أو التأثير على سلامتها وكشفهم للرأي العام ليحسن شعبنا اختيار شخصيات تحملنا إلى بر الأمان بالانتخابات المباشرة”.

طريق الانتخابات الليبية ستكون مفروشة بالأشواك، بسبب الخلافات الحادة بين الفرقاء السياسيين
كما اعتبر حسن الصغير وكيل وزارة الخارجية الأسبق، أن البعثة الأممية وأقطاب مؤتمر برلين 1 و2 وقرارات مجلس الأمن أمام تحدّ حقيقي للجدية والفاعلية، فتصريح خالد المشري رئيس مجلس الدولة الاستشاري، يشكل انتهاكا صريحا ومباشرا وموثقا وجديا للشرعية الدولية، مضيفا أنه “إذا لم يسبق اجتماع باريس خطوة تجاه ما صرح به المشري ويعمل عليه هو وجماعته، فلا معنى لانعقاد مؤتمر باريس ولا للسير في الانتخابات من الأساس، بل يجب الاستعداد لاستكمال الحرب”.
وتستعد باريس لاحتضان المؤتمر الخاص بليبيا الجمعة القادم، فيما قالت وزارة الخارجية الفرنسية، إن تنظيم الانتخابات المقرر إجراؤها في ليبيا في ديسمبر المقبل، ضروري لإخراج البلاد من الأزمة السياسية والأمنية التي تمر بها منذ سنوات.
ووفق مصادر مطلعة، فإن مستشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لشؤون شمال أفريقيا والشرق الأوسط باتريك دوريل، أدى خلال الأيام الماضية زيارة غير معلنة إلى طرابلس وبنغازي للإعداد للمؤتمر، ولجسّ نبض الفرقاء الليبيين، وذلك بالتزامن مع بوادر حملة تتجه بعض الأطراف الليبية وعلى رأسها جماعة الإخوان،لإطلاقها بهدف التشكيك في أهداف المؤتمر والدور الفرنسي، ولاسيما أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نأى بنفسه عن المؤتمر وأعلم نظيره الفرنسي بأنه لن يحضر فعالياته.
وترجح أوساط ليبية أن يتجه الوضع في غرب ليبيا إلى حالة من الاحتقان الحاد في ظل التحريض الذي يستهدف مفوضية الانتخابات، فقد هدد المحلل السياسي المحسوب على الإخوان أحمد السويحلي، وهو نجل الرئيس السابق لمجلس الدولة عبدالرحمان السويحلي، بالهجوم على مفوضية الانتخابات في حالة قبولها ترشح المشير حفتر، واعتقال رئيسها عماد السايح، مؤكدا أن قبول ترشح حفتر يكفي لتوجيه تهمة الخيانة العظمى لهيئة المفوضية.
الدبيبة يكسب دعما شعبيا قويا نتيجة الحملة الدعائية القوية التي نظمها لنفسه بالاعتماد على مقدرات الدولة لاسيما في فئات الشباب والموظفين والمتقاعدين
وقد رد عليه جبريل أوحيدة عضو مجلس النواب بالدعوة إلى تقديم بلاغ للنائب العام المستشار صديق الصور، معتبرا أن “النيابة العامة من واجبها القانوني التحرك لمنع الجريمة قبل وقوعها، فهذا الشخص يهدد سلامة رئيس وأعضاء المفوضية العليا للانتخابات وتعطيل الاستحقاق الانتخابي الذي ينتظره الليبيون”.
ووفق مختلف المؤشرات، فإن رئاسيات ليبيا 2021 لن تنهي الأزمة، وإنما قد تعود بها إلى المربع الأول من الفوضى والانقسام، فميليشيات الغرب غير قابلة لفكرة نجاح حفتر أو أحد رموز النظام السابق، والقوى المؤثرة في شرق البلاد، ستبقى تنظر إلى المشير حفتر كقائد عسكري وسياسي وإن لم يفز في الانتخابات ولن تسلم قيادتها إلى رئيس منتخب قد يكون معاديا لمؤسسة الجيش، كما أن أغلب القبائل الليبية لن تقبل برئيس يكون تابعا لتركيا أو خاضعا لسيطرة الإخوان أو متورطا في جرائم ضدها، وذلك بسبب غياب التوافق على شخصية وطنية قادرة على نيل ثقة الجميع دون استثناء، وتجميع كل الليبيين حول هدف واحد، ليس لأنها غير موجودة، ولكن لأن الهدف الواحد هو غير الموجود نتيجة تشتت المصالح وتعدد المرجعيات وانقسام الصفوف بسبب الخرق الذي ضرب النسيج الاجتماعي وحول البلاد والمجتمع إلى جزر للمصالح الفردية والفئوية الضيقة.وأضاف أوحيدة أن “قوانين الانتخابات واضحة ولا تقصي أي مواطن ليبي من حقه الترشح وفق ما نص عليه القانون والشعب الليبي وحده صاحب القرار.. نحمل هذا الإرهابي وتياره ومن يتهاون معه مسؤولية أي عمل إرهابي ضد المفوضية أو أي مؤسسة ليبية أو مواطن ليبي. لغرض إفساد الاستحقاق الانتخابي القادم”.