الشارع من يقرر مصير السلطة الانتقالية في السودان

المدنيون يستفيدون من الحشود والجيش مستعد لفرض الطوارئ.
الجمعة 2021/10/22
من سيدوس من؟

يبدو المشهد السوداني شديد التعقيد في ظل انقسام حاد وخلافات عميقة بين المكون المدني الذي يطالب بتسليم السلطة الانتقالية للمدنيين وبين مؤيدين للعسكريين يرون أن الحكومة العسكرية هي وحدها القادرة على إخراج البلاد من أزماتها. ومع استمرار التحشيد الجماهيري تفاقمت المخاوف من انجرار البلاد نحو العنف، ما يمثل انتكاسة للانتقال الديمقراطي في البلاد.

الخرطوم – نزل الآلاف من أنصار الحكم المدني في السودان الخميس وسط أجواء متوترة إلى شوارع الخرطوم حيث يعتصم منذ ستة أيام مؤيدون لحكومة عسكرية يقولون إنها وحدها القادرة على إخراج البلاد من أزمتين اقتصادية وسياسية متفاقمتين، وسط تساؤلات بشأن قدرة الشارع على تقرير مصير السلطة الانتقالية.

واكتظت شوارع وميادين في السودان بالمتظاهرين، استجابة لدعوات قوى سياسية تطالب بتسليم السلطة إلى المدنيين، بعد أن تفاقمت الخلافات بين المدنيين الموجودين في السلطة والعسكريين، ما أضعف الدعم الذي يحظى به رئيس الوزراء عبدالله حمدوك. وبدأت تعلو أصوات تطالب بحكومة عسكرية.

محمد تورشين: الأوضاع في السودان باتت قابلة للانفجار في أي لحظة
محمد تورشين: الأوضاع في السودان باتت قابلة للانفجار في أي لحظة

وجاءت الحشود في وقت تواصل فيه حركات مسلحة وقوى منشقة عن تحالف الحرية والتغيير وأخرى محسوبة على نظام الرئيس السابق عمر البشير اعتصامها أمام القصر الجمهوري وعدد من المرافق الحيوية والوزارات السيادية.

وتخشى دوائر سودانية أن تتحول المسيرات السلمية إلى أعمال عنف مع انتشار الحركات المسلحة في عدة مواقع بالخرطوم والتي شهدت مؤخرا تمدداً داخل اعتصام القوى الداعمة للجيش وسط شعور قوى ثورية بأن العسكريين تخلوا عن حياد حاولوا التظاهر به في تأمين المسيرات السابقة بعد أن أضحى هناك طرف محسوب عليهم يتواجد في الشارع.

وأغلقت قوات الجيش الطرق الرئيسية والفرعية المؤدية إلى مقر قيادته وسط الخرطوم، وانتشرت عناصر ترتدي زيا عسكريا في شوارع وميادين العاصمة.

وشكل النائب العام المكلف مبارك محمود عثمان غرفة مركزية برئاسته لحماية المواكب ومتابعة سيرها، وبدا القرار رسالة للقوى المختلفة يفيد مضمونها بأن هناك رقابة قضائية على أي محاولة تُفرغ المظاهرات من سلميتها.

وشاركت تنسيقيات لجان المقاومة وتجمعات المهنيين السودانيين بفاعلية في المظاهرات لأول مرة منذ توقيع الوثيقة الدستورية قبل نحو عامين، وهو ما أشعل زخم متظاهرين لهم تحفظات عديدة على أداء القوى المدنية والعسكرية.

وأصبحت الحالة الثورية مسيطرة على المتظاهرين الذين أجمعوا على رفع شعار “ثوار أحرار سنكمل المشوار” الذي جرى ترديده على نطاق واسع.

وكشفت مظاهرات الخميس وجود طرفين أساسيين في الصراع القائم بعد أن انصهرت قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) -وتضم أحزاب: الأمة القومي والتجمع الاتحادي والمؤتمر السوداني والبعث القومي، إلى جانب الحركات المسلحة غير الموقعة على اتفاق سلام جوبا، مثل الحركة الشعبية شمال، وجناح عبدالعزيز الحلو، وحركة جيش تحرير السودان، وجناح عبدالواحد النور- في تكتل القوى الثورية التي قادتها لجان المقاومة وتجمع المهنيين والحزب الشيوعي.

وظلت الحركات المسلحة الفاعلة في دارفور والموقعة على اتفاق السلام في جوبا -وعلى رأسها: حركة العدل والمساواة، وحركة جيش تحرير السودان (جناح مني أركو مناوي) إلى جانب حركة “تمازج”- ضمن معسكر القوى المناوئة للمكون المدني والداعمة للعسكريين ومعهم عناصر من فلول النظام السابق وجدوا في اعتصام القصر فرصة مواتية لترسيخ حضورهم في الشارع.

وقال عضو المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير أحمد شاكر لـ”العرب” إن “استجابة المواطنين لدعوات التظاهر تفوق توقعات القوى المدنية والثورية، ما يخدم الضغط باتجاه تنفيذ مطالب المكون المدني، ومن المتوقع أن تشهد الأيام المقبلة مفاوضات سياسية سيكون من المقبول فيها أن يشارك المكون العسكري والفصائل المسلحة الموقعة على اتفاق السلام دون السماح لحضور قوى محسوبة على نظام البشير”.

وتركزت مطالب القوى المدنية على إصلاح مجلس السيادة وانتقال رئاسته إلى المكون المدني وإصلاح الحكومة والقطاع الأمني والعسكري وتنفيذ الترتيبات الأمنية، وصولاً إلى إنشاء جيش قومي واحد وإصلاح الأجهزة العدلية وحل قضية شرق السودان وتكوين المجلس التشريعي الانتقالي.

وأضاف شاكر في تصريح لـ”العرب” أن “المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير والقوى المدنية والثورية الأخرى يقفان على أرضية مشتركة ولديهما رغبة في تحريك مبادرات الحل التي أطلقها رئيس الحكومة عبدالله حمدوك، ونحن نتفق أيضًا على رفض أي اعتصامات من شأنها عرقلة تسليم السلطة للمدنيين”.

وأشار إلى أن “خطوات قوات الجيش لإغلاق الشوارع أمام القوى السياسية تقابل بغضب جماهيري دون أن يكون هناك خروج عن الطابع السلمي، ونحاول قدر الإمكان تلافي محاولات دفع المواطنين نحو الفوضى والابتعاد عن أماكن اعتصام القوى المنافسة، ونمضي في خطواتنا نحو تمرير المرحلة الانتقالية بالطرق السلمية”.

وتخشى بعض القوى السياسية الزج بها في مخطط الفوضى بما يقود إلى المزيد من التدابير الأمنية والعسكرية التي تخدم المعسكر المناوئ لها، لكنها تريد التأكيد على أنها مازالت تحظى برضاء شعبي يدعم مواقفها السياسية، وهو ما نجحت فيه خلال المظاهرات التي أعادت للأذهان مشاهد الثورة السودانية التي أطاحت بنظام البشير.

وهناك عوامل تجعل هواجس العنف حاضرة لأن تجمع المهنيين والحزب الشيوعي وتنسيقيات لجان المقاومة لديها رغبة جامحة في فض الشراكة مع المكون العسكري، وهو أمر لن يسمح به العسكريون، ومطلب لا تتفق حوله جهات رئيسية في قوى الحرية والتغيير تصر على استمرار الشراكة لحين الوصول إلى الانتخابات.

ويتسبب تسلل عناصر الحركة الإسلامية وفلول البشير إلى اعتصامات القوى المطالبة بإقالة الحكومة في جعلها أكثر قدرة على تمرير مخططات فوضوية ظهرت على استحياء في عدد من الولايات وفي الخرطوم.

وتبدو البيئة ممهدة للدخول في صراع يسهم في زيادة تعقيد المشهد السياسي، وهو سيناريو تتخوف منه قوى مدنية تدرك أن بإمكان فلول البشير التحرك نحو العنف.

ولا تغيب عن أذهان كثيرين خطورة وجود وحدات مسلحة تتبع بعض الحركات الموقعة على اتفاق السلام داخل الخرطوم، وتزايدت تلك المخاوف بعد إطلاق حراس تابعين لحركة تحرير السودان -التي يتزعمها مني أركو مناوي- الرصاص في الهواء لتفريق محتجين طالبوا بمدنية الدولة عند اقترابهم من مقر الحركة وسط مدينة أم درمان غربي الخرطوم الثلاثاء الماضي.

وأوضح الباحث السوداني محمد تورشين لـ”العرب” أن “البلاد تعيش حالة من التصعيد والتصعيد المضاد دون وجود أمد معلوم للتوافق، وبالتالي فإن الأوضاع في أي لحظة قد تكون قابلة للانفجار في ظل عدم الاستجابة لجميع مبادرات الحوار والتهدئة التي طرحت من الداخل والخارج”.

وتحاول القوى المتنافرة التمسك بمواقفها كي لا تظهر كطرف مهزوم، ولتثبت أن المظاهرات الحاشدة أرسلت رسائل قوية للمكون العسكري وأطراف “الميثاق الوطني” المنشقة عن قوى الحرية والتغيير يفيد فحواها بأنه لا مجال لتجاوز القوى المدنية، ما يدفع قوى مختلفة إلى الانصياع لمبادرة رئيس الوزراء التي تهدف إلى حل الأزمة الراهنة.

وقال تورشين، لـ”العرب”، “في حال تعنت المكون العسكري ستكون فرص التسوية شبه معدومة، ما ينعكس على الشارع الذي سيكون قابلاً لانفجار عنف وفوضى يدفع الجيش إلى فرض حالة الطوارئ وإحكام السيطرة على السلطة بشكل مطلق، وهو مخطط مرسوم بعناية بمساعدة أطراف داخلية وخارجية”، لم يحددها.

2