معركة النفوذ تتعقّد بين الميليشيات الإيرانية بعد الانتخابات العراقية

بغداد ـ فجرّت نتائج أولية للانتخابات البرلمانية المبكرة في العراق توترا شديدا، ما أثار مخاوف من احتمال اندلاع حرب أهلية بين فصائل شيعية ترفض التخلي بسهولة عن النفوذ الكبير الذي اكتسبته خلال السنوات الماضية.
وكان تحالف الفتح أبرز الخاسرين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في العاشر من أكتوبر الماضي.
ووفق نتائج أولية، فإن الفتح فاز بـ14 مقعدا فقط (من أصل 329)، بعد أن حلّ في المرتبة الثانية برصيد 48 مقعدا في انتخابات 2018.
ويضم تحالف الفتح، بزعامة هادي العامري، أذرعا سياسية لفصائل شيعية متنفذة مرتبطة بإيران، من بينها: عصائب أهل الحق وحزب الله العراقي وحركة النجباء، وزاد نفوذها بصورة كبيرة منذ الحرب ضد تنظيم داعش (2014 - 2017).
ورغم أن هذه الفصائل تابعة رسميا للقوات المسلحة، وتتلقى رواتبها وأسلحتها من الدولة ضمن إطار الحشد الشعبي، إلا أنها خاضعة فعليا لأوامر قادتها المرتبطين بإيران، وفق مراقبين.
ويرى متابعون للشأن العراقي، أن تلك الفصائل تحولت إلى ما يشبه دولة داخل دولة، حتى أن نفوذها يفوق سلطة الحكومة وقواتها المسلحة.
وسيضع أي نزاع مسلح محتمل هذه الفصائل في مواجهة مباشرة مع الجيش، وكذلك سرايا السلام، وهي الجناح العسكري للتيار الصدري، بزعامة مقتدى الصدر، الذي تصدر الانتخابات برصيد 73 مقعدا، استنادا إلى النتائج الأولية التي نشرتها وكالة الأنباء الرسمية.
بين الفوضى والهدوء
رأى المراقب السياسي سعد الزبيدي أن المصادقة على النتائج الأولية، وجعلها نهائية، من شأنها الذهاب بالبلاد نحو الفوضى.
وقال الزبيدي في تصريحات صحافية إن "النتائج جاءت عكس التوقعات، ومعظم الأطراف الخاسرة لديها أجنحة مسلحة، وتفاجأت بخسارة فادحة، بعد أن كانت متصدرة في انتخابات 2018 وقبلها".
وأشار إلى أن الكثير من قادة الفصائل شككوا في نزاهة مفوضية الانتخابات (رسمية)، والنتائج التي أعلنتها، ولوحوا باستخدام السلاح.
لكنه يعتقد أن الأمور قد تهدأ قريبا عند فرز الصناديق المختلف عليها يدويا، وحصول تلك الفصائل على المزيد من المقاعد على حساب الكتلة الصدرية.
وأضاف الزبيدي "قد تكون هناك مشاورات وتوافقات في الدهاليز المظلمة، من أجل عدم تعقيد الموقف واللجوء إلى منطق الحكمة والعقل، وقد تكون هناك تنازلات من بعض الجهات للحفاظ على أمن البلاد".
وكانت مفوضية الانتخابات أعلنت النتائج الأولية بعد أقل من 24 ساعة من إغلاق صناديق الاقتراع.
وقالت المفوضية إنها لم تتلق أي شكاوى حمراء خلال عملية الاقتراع، في إشارة إلى الشكاوى المتعلقة بالتزوير والتلاعب.
كما لم يرصد الآلاف من المراقبين المحليين والدوليين خروقات "كبيرة" في الانتخابات، التي نالت إشادة من الأمم المتحدة.
وتجري مفوضية الانتخابات عملية عد وفرز يدوية لـ6 في المئة من أصوات الناخبين في المحطات التي قالت المفوضية إن الأجهزة الإلكترونية تعطلت فيها، وتعذر الحصول على نتائجها على الفور.
وقلل رئيس مركز الرفد للإعلام والدراسات الاستراتيجية (مقره بغداد) عباس الجبوري، من مخاوف احتمال اندلاع حرب أهلية في البلاد.
وقال الجبوري إن "من يتصور بأنه ستكون هناك حرب، فهذا الشيء بعيد عن الواقع. أنا الآن في العاصمة بغداد وليس هناك أي شيء يشير إلى ذلك، وضبط النفس موجود".
واعتبر أن "هناك الكثير من العقلاء المتفهمين للوضع، رغم وجود معترضين".
وأشار الجبوري إلى أن "القضاء سيبت في الطعون وينتهي الأمر".
التلويح بالعنف

خلال الساعات القليلة الماضية، تصاعدت نبرة التصعيد من الفصائل الشيعية التي خسرت الكثير من مقاعدها في الانتخابات.
ومساء الأربعاء، قال الإطار التنسيقي، الذي يضم معظم القوى السياسية والفصائل الشيعية، في بيان، إن المضي بالنتائج المعلنة "يهدد بتعريض السلم الأهلي للخطر".
ودعا مقتدى الصدر في تغريدة على تويتر إلى "ضبط النفس وتغليب المصلحة العامة على الخاصة"، كما شدد على أن السلم الأهلي "لن يتزعزع في العراق".
وقال الباحث في الشأن السياسي جليل اللامي إن "الوضع بدأ يثور كالبركان".
وأوضح اللامي أن التوتر يسود بين مفوضية الانتخابات وهيئة "الحشد الشعبي" حتى قبل عملية الاقتراع، بعد استبعاد مقاتلي "الحشد" عن التصويت الخاص بقوات الأمن، والذي جرى قبل يومين من التصويت العام، وذلك بسبب تأخر تسليم قوائم أسماء عناصر الحشد.
ووفق اللامي، فإن "هيئة الحشد الشعبي تحججت بأن المفوضية طلبت بيانات منتسبيها قبل فترة وجيزة من الانتخابات، ما لم يُتح لها إنجاز ذلك. وقالت المفوضية في المقابل إن هيئة الحشد لم تقبل تزويدها بقاعدة بيانات الأسماء لدواع أمنية".
وأردف أن "التوتر زادت وتيرته بين الحشد والمفوضية عقب عملية الاقتراع وإعلان النتائج الأولية، بعد عدم حصول الأذرع السياسية للحشد الشعبي على النتائج المرجوة".
وقال اللامي "إذا لم تتخذ المفوضية إجراء سريعا، فإن هذا الأمر قد يتسبب في أزمة لا تحمد عقباها، بعد أن هددت بعض الفصائل باللجوء إلى مختلف الوسائل للبقاء في الساحة السياسية".
وبعض الفصائل الشيعية كانت موجودة بالفعل حتى قبل سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين، من أبرزها "منظمة بدر"، بزعامة هادي العامري، والتي كانت تحظى بدعم وتمويل إيران ضد نظام صدام.
لكن معظم الفصائل تشكلت لاحقا بعد سقوط نظام صدام، وكانت تعمل في الخفاء إبان احتلال الولايات المتحدة للعراق (2003 - 2011) لمحاربة الاحتلال، وكذلك انخرط الكثير منها في النزاع الطائفي العنيف بين عامي 2006 و2008 بين السنة والشيعة.
وعند اجتياح داعش لشمالي وغربي البلاد، انضمت الفصائل إلى القوات الرسمية في محاربة التنظيم تحت مسمى "الحشد الشعبي"، وجرى الاعتراف بها رسميا كأحد تشكيلات القوات المسلحة، وهو ما منحها الكثير من النفوذ عبر الانتشار في أرجاء البلاد، باستثناء إقليم كردستان العراق (شمال).
وكانت الفصائل تروّج لنفسها على أنها حامية الشيعة ضد "الإرهابيين السنة" من قبل تنظيمي القاعدة وداعش، إلا أن قاعدتها الشيعية اهتزت خلال العامين الأخيرين بعد اتهامها بقمع الاحتجاجات الشعبية في وسط وجنوبي البلاد ذات الأكثرية الشيعية، والتي خرجت للمطالبة بالإصلاح ومحاربة الفساد المنتشر على نطاق واسع.
وينفي قادة الفصائل ضلوعها في أي أعمال قمع، ورغم ذلك فإن الشعارات التي رفعها المتظاهرون والهتافات التي رددوها نددت بتلك الفصائل، ولاسيما المرتبطة منها بإيران.
وعلى مدى أشهر طويلة كانت مقرات تلك الفصائل في مرمى الاحتجاجات، وتم إضرام النيران فيها مرارا وتكرارا.