صبر الغرب بدأ ينفد إزاء مماطلة إيران في الملف النووي

صعّدت الولايات المتحدة نبرة الخطاب ضد إيران ولوّحت باللجوء إلى الخيار العسكري ضدها في حالة فشل الدبلوماسية لمنعها من تطوير أسلحة ذرية، في خطوة تهدّد بالعودة إلى جهود إحياء الاتفاق النووي إلى مربع الصفر.
طهران - التقى دبلوماسيون إيرانيون وأوروبيون الخميس في طهران للبحث في المفاوضات الهادفة إلى إحياء الاتفاق النووي الإيراني، وسط تشدد في اللهجة الأميركية وتلويح بـ”خيارات أخرى” في حال عدم عودة الجمهورية الإسلامية سريعا إلى طاولة المباحثات واستمرارها في سياسة المماطلة.
وتحضّ دول غربية أبرزها الولايات المتحدة، إيران على استئناف المباحثات المعلّقة منذ يونيو، وتهدف إلى إحياء الاتفاق المبرم بين طهران والقوى الكبرى في العام 2015، وانسحبت منه واشنطن أحاديا قبل ثلاثة أعوام، إلا أن التعنّت الإيراني يهدّد فرص إنقاذ الاتفاق.
والتقى الدبلوماسي إنريكي مورا منسق الاتحاد الأوروبي لمباحثات فيينا، في طهران مساعد وزير الخارجية الإيرانية للشؤون السياسية علي باقري، المتوقع أن يشرف على فريق التفاوض لدى استئناف المباحثات في العاصمة النمسوية.
وأشارت وزارة الخارجية الإيرانية إلى أن اللقاء يبحث “القضايا الثنائية والإقليمية والدولية، من بينها العلاقات الإيرانية الأوروبية وموضوع إلغاء الحظر الظالم عن إيران والأوضاع في أفغانستان”.
وكان مورا أكد في تغريدة عبر تويتر الأربعاء، أنه سيشدد في مباحثاته في طهران على “الضرورة الملحّة لاستئناف المفاوضات”، معتبرا أن زيارته تأتي في توقيت “دقيق”.
وسيدعو وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إلى اجتماع للمفاوضين بشأن الاتفاق النووي الإيراني بمجرد أن تتفق جميع الأطراف، وهو في انتظار رد من واشنطن وطهران، وفق ما أعلن المتحدث باسم المسؤول الأوروبي الخميس.
وتوصلت إيران وست قوى كبرى: الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، روسيا، الصين، وألمانيا، إلى اتفاق العام 2015 بشأن برنامج طهران النووي، الذي أتاح رفع الكثير من العقوبات المفروضة على الجمهورية الإسلامية، في مقابل تقييد أنشطتها النووية وضمان سلمية برنامجها.
إلا أن مفاعيل الاتفاق باتت في حكم اللاغية منذ قررت الولايات المتحدة الانسحاب أحاديا منه العام 2018 في عهد رئيسها السابق دونالد ترامب الذي أعاد فرض عقوبات قاسية على طهران. من جهتها، قامت إيران بعد نحو عام من الانسحاب الأميركي، بالتراجع تدريجيا عن تنفيذ غالبية التزاماتها الأساسية بموجبه.
وبدأت القوى التي لا تزال منضوية في الاتفاق، وبمشاركة أميركية غير مباشرة، مباحثات في فيينا هذا العام في محاولة لإحيائه بعد إبداء الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن استعداده لإعادة بلاده إليه، بشرط عودة إيران لتنفيذ تعهداتها.
وأجريت ست جولات من المباحثات بين أبريل ويونيو، من دون أن يُحدد بعد موعد جديد لاستئنافها.
ولم تحدد حكومة رئيسي موعدا لاستئناف المفاوضات، مما دفع الأميركيين والأوروبيين إلى التحذير من أن صبرهم بدأ ينفد.
وحضّت دول غربية إيران في الآونة الأخيرة على استئناف المباحثات. وأكدت طهران قرب حصول ذلك، لكن من دون تحديد موعد، مشددة على أنه سيكون رهن إنجاز حكومة الرئيس المحافظ المتشدد إبراهيم رئيسي الذي تولى مهامه في أغسطس، مراجعة ملف الجولات التي أجريت في عهد سلفه المعتدل حسن روحاني.
وتأتي زيارة مورا غداة تحذير أميركي لإيران من اعتماد مقاربة مختلفة في حال تعثّر المسار الدبلوماسي للتعامل مع برنامجها النووي، الذي سبق وأن أثار توترات لأعوام مع الدول الغربية.
ولوّحت واشنطن الأربعاء باللجوء إلى الخيار العسكري ضد إيران إذا فشل المسار الدبلوماسي في منع طهران من حيازة سلاح نووي، في تهديد يستعيد بوضوح غير مسبوق التحذيرات الإسرائيلية على هذا الصعيد.

أنتوني بلينكن: واشنطن لن تنتظر فترة طويلة لاستئناف المباحثات المعلّقة
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الإسرائيلي يائير لبيد، إن الولايات المتحدة تعتبر أن “الحل الدبلوماسي هو السبيل الأفضل”.
لكنّه أشار بحزم أكبر من السابق إلى أن واشنطن لن تنتظر فترة طويلة لاستئناف المباحثات المعلّقة، معتبرا أن “الحوار يتطلّب طرفين ولم نلمس في هذه المرحلة نية لدى إيران”.
وأضاف “نحن جاهزون للجوء إلى خيارات أخرى إن لم تغيّر إيران مسارها”.
وتعني عبارة “جميع الخيارات” احتمال اللجوء للعمل العسكري، وإن كان ذلك عن بعد.
غير أن محللين يرون هذه التعليقات انعكاسا لحالة عدم اليقين بشأن ما إذا كانت حكومة رئيسي ستعود إلى المحادثات، وما إذا كانت ستوافق على إحياء الاتفاق لو عادت، أكثر من كونها تشير إلى نهج متشدد إزاء إيران.
من جهته، لوّح لبيد باستخدام القوة حيال الجمهورية الإسلامية، العدو اللدود لإسرائيل في المنطقة. وقال “تحتفظ إسرائيل بحق التحرّك في أي وقت وبأي طريقة”. ويتهم مسؤولون إسرائيليون إيران بشكل متكرر، بالسعي لتطوير سلاح ذرّي، ويلفتون إلى أن تل أبيب لن تسمح بذلك.
وتنفي طهران سعيها لتطوير سلاح كهذا، وتؤكد سلمية برنامجها النووي. وسبق للجمهورية الإسلامية أن اتهمت إسرائيل بالوقوف خلف اعتداءات طالت منشآتها النووية واغتيال علماء في هذا المجال.
والأربعاء، تحدث مبعوث إدارة بايدن بشأن إيران روبرت مالي، عن إمكانية أن تختار طهران مسارا مغايرا للعودة الكاملة إلى الاتفاق النووي.
وقال “إننا واقعيون. نحن ندرك أن هناك على الأقل احتمالا كبيرا بأن تختار طهران مسارا مغايرا، وعلينا أن ننسّق مع إسرائيل ومع حلفائنا في المنطقة” في حال حصول ذلك.
وأشار مالي إلى أنه سيزور قريبا السعودية وقطر والإمارات لبحث “الجهود المبذولة لإحياء الاتفاق النووي” و”الخيارات المتاحة لضبط البرنامج النووي الإيراني في حال فشل تلك الجهود”.
وحذّرت إيران عبر مندوبها إلى الأمم المتحدة، من أي “مغامرة” عسكرية قد تطال برنامجها، خصوصا من إسرائيل.
ونبّه السفير مجيد تخت روانجي إسرائيل من “أي خطأ في الحسابات ومغامرة محتملة ضد إيران ومن ضمن ذلك برنامجها النووي السلمي”، في رسالة إلى رئيس مجلس الأمن الدولي نشرتها وكالة “إرنا” الرسمية.