المال القطري لا يكفي كصمام أمان لمنع الانفجار في الصومال

مقديشو – تغرق قطر في الأزمة الدائرة في الصومال، حيث لم تفلح جهودها ولا الأموال التي تقدمها لتسوية الخلافات بين الرئيس محمد عبدالله فرماجو ورئيس وزرائه محمد حسين روبلي في تحقيق أيّ تقدم على الأرض.
ووصلت الجهود التي تبذلها قطر إلى طريق مسدود بسبب استمرار القطيعة بين الرئيس ورئيس وزرائه، وشكوك المعارضة الصومالية في أن الرئيس الذي مدد سلطته لعامين ما يزال يعرقل إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية.
وكان أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أجرى محادثات مع محمد حسين روبلي في الدوحة الاثنين، وسبق له أن أجرى محادثات في الرابع من مايو الماضي مع الرئيس عبدالله فرماجو حول سبل تحقيق المصالحة الوطنية، إلا أنها لم تسفر عن نتيجة تعيد عجلة العلاقات بين الطرفين إلى الدوران، بينما ظلت قطر تقدم التمويلات لتيسير عمل الحكومة ودفع رواتب موظفيها.
ورفضت المعارضة أيّ وساطة تنتهي بالقبول ببقاء فرماجو، خاصة من قطر التي تبدو أقرب إلى الرئيس الصومالي، وقد دعتها المعارضة للضغط عليه ودفعه لتقديم تعهدات بإتاحة الفرصة أمام انتخاب رئيس جديد.
قطر تحث الطرفين على عدم اللجوء إلى السلاح والبحث عن سبيل لتسوية الخلاف حول القانون الانتخابي وموعد الانتخابات
وتحاول قطر التوسط بين الطرفين لعدم اللجوء إلى السلاح والبحث عن سبيل لتسوية الخلاف حول القانون الانتخابي، وموعد إجراء الانتخابات. إلا أن التوترات في مقديشو، والمخاوف من الاغتيالات، ما يزال بوسعها أن تتحول إلى نزاع مسلح، لاسيما وأن الرئيس الصومالي يريد أن تجري الانتخابات الرئاسية على أساس مباشر، وفقا لقاعدة صوت واحد لكل ناخب، في حين يريد رئيس الوزراء الإبقاء على نظام التصويت غير المباشر الذي يمنح القبائل دورا أكبر.
ولا تملك الدوحة من خيارات سوى أن تواصل تقديم الدعم المادي لطرفي النزاع، وذلك في إطار التزامات تم إقرارها في المؤتمر الدولي الذي استضافته لندن في مايو 2018، وتعهدت الدوحة فيه بتقديم مساعدات مالية تبلغ 385 مليون دولار.
ونشبت الأزمة عندما تعثرت الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي كانت مقررة في فبراير الماضي، وتفاقمت بأعمال تصفيات سياسية كان من أبرز ضحاياها مديرة الأمن السيبراني في الاستخبارات إكرام تهليل فارح التي اغتيلت في يونيو الماضي وهو ما دفع روبلي إلى إقالة فهد ياسين رئيس جهاز الاستخبارات المقرب من فرماجو.
وتحول الأمر إلى حرب إقالات عندما رد الرئيس على إقالة ياسين بأن عيّنه في منصب المستشار الأمني للرئاسة، ليرد روبلي عليه بإقالة وزير الأمن حسن حندوبي جمعالي، وعين مكانه عبدالله محمد نور المعارض للرئيس، وهو ما رفضه فرماجو، معتبراً أنه “باطل” دستورياً.
وأعقب الرئيس فرماجو ذلك بأن اتخذ قراراً في السادس عشر من سبتمبر الماضي بتعطيل سلطات روبلي، بشأن تعيين كبار المسؤولين وإقالتهم إلى حين الانتهاء من إعداد الظروف للانتخابات، واتهمه باتخاذ إجراءات “غير مدروسة تهدد أمن البلاد واستقرارها”. وكان ياسين اتهم حركة الشباب بالتورط في مقتل فارح، إلا أن الحركة قالت إنها فوجئت بالاتهام.
ووجدت قطر نفسها على الخط، عندما قال السفير الأميركي السابق في الصومال ستيفن شوارتز إن الدوحة مولت ياسين، وهو أمر اعتبرته أطراف المعارضة الصومالية دعما للرئيس والموالين له في قضية تدور حولها شبهات تصفيات سياسية.

ويتولى فرماجو رئاسة الصومال منذ 2017، فيما يتولى روبلي منصبه منذ سبتمبر 2020، بعد أن عينه الرئيس تمهيدا لإجراء انتخابات. ولكن سرعان ما تحولت العلاقة بين الطرفين إلى صراع أسفر عن اشتباكات عنيفة نشبت في مقديشو بين قوات الرئيس وقوات المعارضة الموالية لرئيس الوزراء؛ بعد تمديد الرئيس الصومالي ولايته الرئاسية عامين في أبريل الماضي.
وانتهزت حركة الشباب الإرهابية الفرصة لتصعيد عملياتها في شهر سبتمبر الماضي، كان منها الانفجار الذي دمر المباني الجديدة في مطار مدينة بولوبردي، وانفجار لغم وسط مجموعة من الجنود في العاصمة أودى بحياة عدد منهم، وانفجار لغم آخر في مدينة “مركا” قرب العاصمة، وهجوم مُسلحي الحركة على القوات الكينية الموجودة كجزء من بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال في ولاية جوبالاند في الجنوب، وتفجير انتحاري نفسه في منطقة يسكنها كبار ضباط الشرطة، والهجوم على قوات بوروندية تابعة لبعثة الاتحاد الأفريقي، وانفجار عبوة ناسفة قرب مقر رئاسة الجمهورية.
وكانت مجموعة الأزمات الدولية التي تتخذ من بروكسل مقرا لها دعت في الخامس عشر من سبتمبر الماضي المجتمع الدولي إلى فرض عقوبات على القادة الصوماليين الذين يعطِّلون الانتخابات.
واكتفى مجلس الأمن في بيان أصدره يوم التاسع عشر من سبتمبر الماضي بالتعبير عن “قلقه العميق” تجاه ما يحدث في الصومال وتأثيره على إتمام الانتخابات البرلمانية هناك، وحث الفرقاء على حل خلافاتهم من خلال الحوار والعمل من أجل إجراء انتخابات نزيهة وشفافة.
وأدى انسحاب القوات الأميركية من الصومال إلى ترك فراغ أمني، تتنازع القوات الموالية للرئيس والقوات الموالية لرئيس الوزراء وحركة الشباب على ملئه.
ويقول مراقبون إن فشل الوساطات المحلية والأفريقية وإحجام الدول الكبرى عن التدخل لحل الأزمة يضعان الدوحة في موقف حرج، لاسيما وأن استخدام المال كصمام أمان لا يكفي لطمأنة أيّ من الطرفين على مستقبله السياسي، في وضع هش وقابل للانفجار في أيّ وقت ولأي سبب.