هل يكرر التنافس بين واشنطن وبكين سيناريو الحرب الباردة

واشنطن - دفع تنامي النفوذ والتأثير الصينيين على الاقتصاد العالمي، الولايات المتحدة إلى خوض حرب تجارية صريحة مع منافستها القوية، وفيما تحاول واشنطن ممارسة ضغوطها القصوى لمنع بكين من إثبات نفسها كقوة عالمية، يحذّر محللون من أن الوضع يسير نحو حرب باردة قد يشتعل فتيلها في أي لحظة.
وسوف يكون ذلك في حالة حدوثه تكرارا للحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي كسباق للتفوق العالمي من شأنه أن يلزم الدول الأخرى بالاختيار بين الديمقراطية والاستبداد.
لكن المحلل الأميركي بول هير يقول في تقرير نشرته مجلة ناشيونال انتريست الأميركية، إن الحرب ستظل “باردة” لأن أيا من الجانبين لا يسعى إلى المواجهة العسكرية المباشرة أو الغزو. والواقع أن الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والصين سوف تشن في المقام الأول في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية والسياسية.
ومع ذلك، يرى محللون آخرون أنه لن تكون هناك حرب باردة بين الولايات المتحدة والصين لأن واشنطن وبكين لا تخوضان في الواقع صراعا أيديولوجيا من أجل التفوق العالمي. فالصين لا تسعى للهيمنة العالمية أو تدمير الرأسمالية وأسلوب الحياة الأميركي. كما أن بقية العالم لن يقسم نفسه إلى معسكرات أميركية وصينية.
ويعتبر السفير الأميركي السابق لدى روسيا مايكل ماكفول أن مقارنة المنافسة بين الولايات المتحدة والصين بالحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي تخاطر بسوء تشخيص طبيعة التهديد وسوء فهم لطبيعة المنافسة.
ورغم أن بكين لا تسعى للهيمنة العالمية، أو القضاء على الديمقراطية، أو تدمير الرأسمالية، التي تبنتها إلى حد كبير، فإنها تسعى للحصول على الشرعية العالمية لنموذجها الحاكم المتمثل في “الاشتراكية ذات الخصائص الصينية”.
وتسعى الصين أيضا لتعظيم ثروتها وقوتها ونفوذها، خاصة بالمقارنة مع الولايات المتحدة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن الولايات المتحدة كانت لفترة طويلة المعيار العالمي للثروة والسلطة والنفوذ.

بول هير: الحرب ستشن في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية
وتبنت واشنطن سياسة احتواء فعلية لمقاومة زيادة النفوذ الصيني. وهذا يدفع القادة الصينيين إلى إضعاف قدرة الولايات المتحدة على عرقلة الطموحات الصينية. وفي المقابل يسعى القادة الصينيون لاستغلال خطوط الصدع بين الولايات المتحدة والدول الأخرى التي قد تتعاون بطريقة أخرى مع جهود واشنطن للقيام بذلك.
ويرى هير أن كل ذلك يشكل منافسة أيديولوجية منهجية وهيكلية بين قوتين عالميتين على النفوذ الدولي، حتى لو لم يكن من الضروري أن تكون مجالات نفوذهما متعارضة. وفي حين أن هذه المنافسة لا تحتاج أيضا إلى أن تكون صفرية، فإن كلا الجانبين يقتربان منها على نحو متزايد ويلقيان باللوم على بعضهما البعض لجعلها كذلك. فهما يصعدان منافساتهما الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية لاعتقادهما الواضح بأن امتلاك ريادة العالم في كلا المجالين أمر حيوي لأمنهما القومي، وأن الاعتماد المتبادل غير مقبول.
ويقول إن بكين وواشنطن غير قادرتين على ما يبدو على فهم وجهة نظر كل منهما للأخرى أو الاعتراف بالعنصر التفاعلي لسلوك كل منهما بشكل كامل، أو غير مستعدتين لتقدير وجهة نظر كل منهما. وهذا الافتقار إلى الفهم المتبادل والثقة يغذيان المعضلة الأمنية الكامنة وسوء توزيع الطرفين للدوافع والنوايا الاستراتيجية للطرف الآخر.
ويضيف أن الوضع السياسي الداخلي في كل من الولايات المتحدة والصين يدفعهما نحو نهج تصادمي صفري تجاه بعضهما البعض.
وعلى الجانب الأميركي، فإن الاعتقاد بأن الصين تشكل تهديدا على الطريقة السوفيتية للولايات المتحدة هو جزئيا نتيجة ثانوية للخلل السياسي والاستقطاب والضائقة الاقتصادية، التي تتطور منذ أكثر من عقد، لكنها تفاقمت بسبب تأثير رئاسة دونالد ترامب وجائحة فايروس كورونا، حسب رأي هير.
وبالإضافة إلى إلقاء اللوم على الممارسات التجارية الصينية في النكسات أو نقاط الضعف في الاقتصاد الأميركي، ينظر إلى عمليات النفوذ الخارجي للصين على أنها تهديد للديمقراطية الأميركية، كما ينظر إلى قدراتها الفضائية والسيبرانية على أنها تهديد للأمن الداخلي الأميركي. وتمثل كل هذه التكتيكات والأدوات الصينية تحديات حقيقية وكبيرة للولايات المتحدة، ولكن الخطر الذي تشكله على أسلوب الحياة الأميركي كان مبالغا فيه إلى حد كبير.

أما على الجانب الصيني، فيستند الاعتقاد بأن الولايات المتحدة تشكل تهديدا وجوديا للصين جزئيا إلى بيانات السياسة الأميركية على مر السنين التي دعت ضمنا أو صراحة إلى تغيير النظام في بكين. وقد أثبتت هذه التصريحات مخاوف قادة الحزب الشيوعي الصيني من الاضطرابات الداخلية، وإمكانية مساعدتها وتحريضها من قبل “التخريب الأجنبي”.
ولكن الآراء السلبية للولايات المتحدة بين الشعب الصيني يغذيها أيضا تاريخ من الانتهاكات الأجنبية للسيادة الصينية التي لعبت فيها الولايات المتحدة دورا حتى قبل حكم الحزب الشيوعي الصيني. وهذه التصورات تغذيها باستمرار دعاية الحزب الشيوعي الصيني، ولكن هناك حقيقة تاريخية وافرة فيها.
ويتساءل هير إلى أين سيقودنا هذا الوضع؟ ويقول إن النتيجة هي منافسة صفرية ظاهريا على الثروة والسلطة والنفوذ بين أكبر قوتين في العالم، واللتان لديهما بشكل أساسي نظامان سياسيان واقتصاديان متعارضان، وكلاهما يسعى للحصول على الدعم الدولي لهذين النظامين.
وعلاوة على ذلك، فإن الديناميكية السياسية الداخلية من كلا الجانبين تضمن عدم سعي بكين أو واشنطن لاتباع نهج أكثر معقولية.
ويرى هير في ختام تقريره أن التوصل إلى حل وسط أمر محفوف بالمخاطر ولا يمكن الدفاع عنه سياسيا، كما يرى أن التفاهم والثقة المتبادلين عقيمان أو هزليان. وبدلا من ذلك، سيركز كلا الجانبين في المقام الأول على السعي للحصول على مزايا استراتيجية وهيكلية وتنافسية على حساب الطرف الآخر، لكنهما على الأقل سيبذلان الجهود لتجنب نشوب صراع عسكري صريح، لأن كلا الجانبين يدركان التكاليف الكارثية المحتملة لذلك، ولا يثق أي منهما تماما بقدرته على الانتصار.