عثرات تعرقل مشروع التحوّل إلى الطاقة النظيفة في تونس

تونس- يواجه مشروع التحول إلى الطاقة المستدامة في تونس الكثير من العثرات والتي يرى خبراء أنها ستكون تحديا كبيرا في ظل الضغوط المالية وعدم توسيع الاستثمارات واعتماد حوافز لإقناع المواطنين باستخدامها.
ورغم اختيار تونس الاستثمار في الطاقات المتجددة ودعمها له منذ 2010 تعتمد 43 ألف أسرة فقط على الطاقة الشمسية كما تشير إلى ذلك إحصاءات الشركة التونسيّة للكهرباء والغاز (ستاغ) في نهاية أغسطس الماضي.
وركزت السلطات على الطاقة الشمسية من خلال الدعم، الذي يقدمه صندوق الانتقال الطاقي للشركات وكذلك للأسر عن طريق الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة.
مخطط تونس يبقى مجرد بيان لكن الواقع لا يبدو ملائما لهذا الطموح والدليل أن البلاد لم تحقق إلى حد الآن سوى نسبة 6 في المئة من الطاقات المتجددة
ولا يبدو أن البلاد تسير في النهج الصحيح لتحقيق هدفها المنشود في هذا المجال وهو بلوغ نسبة 30 في المئة من الطاقات المتجددة ضمن المزيج الطاقي بحلول سنة 2030.
ويتوقع أن تصطدم طموحات البلاد بالمزيد من العراقيل في تحقيق أهدافها بخصوص الزيادة من حصّة الطاقة المتجددة بعد أن أبطأت الجائحة من وتيرة إنجاز المشاريع، وكذلك بعد قرار الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة خفض نسبة الدعم للكيلواط الواحد من 1.2 ألف دينار (427 دولار) إلى 500 دينار (178 دولار) فقط حاليا.
ويقول حسام الخلفاوي، وهو صاحب شركة خاصة لتركيب الألواح الشمسيّة، فإن من شأن هذا الخفض أن ينعكس سلبا على الشركات العاملة في تركيب الألواح الشمسية وكذلك المستهلكين.
فقد اتخذ حجم مبيعات الشركة، ما قبل سنة 2021، منحى تصاعديا طيلة السنوات العشر الأخيرة لكنّ هذا المنحى اتخذ اتجاها معاكسا بعد إقرار التقليص في الدعم.
ولا يمثّل خفض الدعم السبب الوحيد في تراجع نشاط الشركات، بل ساهم ارتفاع كلفة هذه الألواح، أيضا، خلال هذا العام بنسبة 17 في المئة بسبب الجائحة، في تراجع حجم مبيعات المؤسّسات الناشطة في مجال الطاقات المتجددة.
ونسبت وكالة الأنباء التونسية الرسمية إلى الخلفاوي صاحب شركة للألواح الشمية تعمل منذ 10 سنوات في القطاع قوله “لم يتجاوز حجم مبيعات شركته هذه السنة 60 كيلوواط مقابل 300 كيلوواط العام الماضي”.

سامي بن حميد: فاتورة الاستهلاك يمكن أن تنخفض إلى حدود 70 في المئة
وكانت الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة قد أكدت أنها أبقت على قيمة المنحة بالنسبة للأنظمة العاملة بالطاقة المستدامة ذات قدرة مركبة تقل أو تعادل 1.5 كيلوواط في مستوى 1.5 ألف دينار (534 دولار) لكل كيلوواط.
وتسند الوكالة منحا للشركات الناشطة في مجال تركيز الألواح الشمسية للأسر وفق عقود برامج.
وفي الواقع، يفسر حسام قائلا “لفهم ما يحدث بشكل أفضل، يجب أن نعلم أن الدولة، في إطار تعزيز الطاقات المتجددة في القطاع السكني، تقدم للمواطنين دعما على كل طاقة مركزة من الألواح الشمسية”.
ولا تقوم الدولة بتوفير هذا الدعم بشكل مباشر لفائدة الأسر، بل تطلب من شركات الطاقة خصم مبلغ الدعم من فاتورة المستهلك وتتعهد الوكالة بتعويض الخصم لفائدة هذه الشركات بمجرد تشغيل النظام والحصول على “وصل استلام النظام” من قبل شركة الكهرباء وهي ممارسة أشبه بتلك المعتمدة بين الصيدليات وشركة التأمين على المرض، التي تمكن المواطنين من شراء الأدوية بأسعار أقل.
غير أنه منذ سبتمبر 2020 لم تتحصل أي شركة على هذه المنحة رغم أن الوكالة أكدت أنه تم حل كافة المشكلات الفنية والمالية والتعاقدية وسيتم الانطلاق في صرف جميع المستحقات العالقة.
وحسب الخلفاوي ضاعفت هذه الوضعية صعوبات الشركات الناشطة في القطاع “وجعلتها عاجزة عن الإيفاء بتعهداتها إزاء المزودين وموظفيها”.
ولطالما تم الترويج للطاقات المتجددة كأولوية في تونس نظرا للعجز الطاقي الذي تشهده البلاد، والذي بلغ 55 في المئة مع استمرار استيراد المحروقات.
لكن السلطات لا تفعل ما يكفي لتهيئة المناخ الملائم لتنمية الاستثمارات في الطاقة المتجددة، لاسيما من خلال إبطاء أنشطة الشركات العاملة في المجال وعدم التنفيذ السريع للبرامج وصرف المنح في آجالها لمساعدة الشركات على مواجهة أعبائها الإدارية والمالية.
ويؤكد الخلفاوي، أن الدولة مقصّرة من ناحية الدعاية لهذه المنظومة وحث الناس على الإقبال عليها لتحقيق التوسع المطلوب والإقناع بأن الطاقة الشمسية هي الحل الوحيد لنشر الطاقة النظيفة.
ولم ينف المدير التجاري والتسويق بـشركة الكهرباء سامي بن حميدة، وجود إشكال آخر وهو تأخر توفير العدادات التي تتولى الشركة تركيزها لدى المستهلكين خاصة منذ مارس الماضي.
وأرجع هذا التأخير إلى أن عملية شراء العدادات التي تخضع لقانون الصفقات العمومية، رغم أنه أكد توفر مخزون من العدادات منذ يونيو الماضي يقدر بنحو 5 آلاف عداد.
كما تعتزم الشركة شراء 25 ألف عداد إضافي، وسيتم في هذا الصدد، إطلاق طلب عروض موفى سنة 2021.
وتمكن هذه العدادات من إعادة الفائض من الطاقة إلى الشبكة الرئيسية لشركة الكهرباء وفي حالة عدم قيام المستهلك بتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية فإنه يحصل على الكهرباء بصورة مباشرة من الشبكة.
ويقول بن حميدة إن فاتورة الاستهلاك يمكن أن تنخفض لحدود 70 في المئة عن الفاتورة العادية في صورة حفاظ المستهلك على المستوى الاستهلاكي، الذي اعتاد عليه، قبل اعتماد الطاقة الشمسية.
ركزت السلطات على الطاقة الشمسية من خلال الدعم، الذي يقدمه صندوق الانتقال الطاقي للشركات وكذلك للأسر عن طريق الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة
وكانت شركة الكهرباء قد أنشأت بمدينة توزر محطتين للطاقة الشمسية بقدرة 10 ميغاواط لكل واحدة، لكن مساهمة الشركة تبقى ضعيفة فهي لا تتجاوز 1 في المئة من إجمالي موارد الطاقة وفق ما كشفه المرصد الوطني للطاقة والمناجم في نشريته الأخيرة.
ورغم أن المسؤولين عن مجال الطاقات المتجددة عموما والطاقة الشمسية بالخصوص، ما انفكوا يرددون أن الهدف المنشود هو “ألواح شمسية فوق كل سطح”، فإن الأسر التونسية لا تبدي، إلى اليوم، إقبالا واسعا على هذه الطاقة النظيفة إما بسبب تعقّد الإجراءات وإما بسبب نقص التحسيس بأهميتها وبما توفره الدولة من منح وبما تتيحه الطاقات البديلة من امتيازات.
وفي ضوء ذلك، يبقى مخطط تونس مجرد بيان تعاد تلاوته خلال التظاهرات والمواعيد، لكن الواقع لا يبدو ملائما لهذا الطموح والدليل أن البلاد لم تحقق إلى حد الآن سوى نسبة 6 في المئة من الطاقات المتجددة في المزيج الطاقي وهو رقم قد يكون مضخما.