مغناطيس عملاق يقرّب حلم المفاعل الاندماجي من التحقيق

مشروع "إيتير" يهدف إلى إنتاج الطاقة الكهربائية الخالية من الغازات والنفايات المشعة.
الأحد 2021/09/12
مصدر طاقة رئيسي لمكافحة تغير المناخ

قامت واشنطن مؤخرا بشحن الجزء الأول من أقوى مغناطيس معروف في التاريخ إلى فرنسا سيتم استخدامه لتشغيل مفاعل “إيتير” النووي قيد الإنشاء وسينتج مجالاً مغناطيسياً أقوى بـ280 ألف مرة من المجال المغناطيسي للأرض، ويرمي المشروع إلى إنتاج الطاقة الكهربائية الخالية من الغازات والنفايات المشعة أملا في مكافحة التغيرات المناخية.

باريس – حددت الفرق العاملة في قارتين معالم مماثلة في جهودهما للاستفادة من مصدر طاقة رئيسي لمكافحة تغير المناخ: فقد أنتج كل منهما مغناطيسا عملاقا مثيرا للإعجاب هدفه إنتاج طاقة كهربائية خالية من الغازات والنفايات المشعة.

وتسلم علماء في المفاعل النووي الحراري التجريبي الدولي (إيتير) في جنوب فرنسا، الخميس الماضي، الجزء الأول من مغناطيس هائل قوي لدرجة أن الشركة المصنعة الأميركية تدعي أن بإمكانه رفع حاملة طائرات، حسب ما ذكرته وكالة الأسوشيتد برس.

ويبلغ ارتفاع المغناطيس حوالي 60 قدما (ما يقرب من 20 مترا) وقطره 14 قدما (أكثر من أربعة أمتار) عند تجميعه بالكامل، وهو عنصر حاسم في محاولة 35 دولة لتحقيق الاندماج النووي.

فريدريك بوردري: الطاقة النووية أفضل فرصة لخفض الغازات المسببة للاحتباس الحراري
فريدريك بوردري: الطاقة النووية أفضل فرصة لخفض الغازات المسببة للاحتباس الحراري

كما أعلن علماء معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وشركة خاصة بشكل منفصل هذا الأسبوع أنهما حققا علامة فارقة من خلال الاختبار الناجح لأقوى مغناطيس فائق التوصيل بدرجة حرارة عالية في العالم والذي قد يسمح للفريق بالقفز على المفاعل النووي الحراري التجريبي الدوليفي السباق لبناء “شمس على الأرض”.

وعلى عكس مفاعلات الانشطار الحالية التي تنتج نفايات مشعة وتسبب حالات انصهار كارثية في بعض الأحيان، يقول مؤيدو الاندماج إنه يوفر إمدادا نظيفا وغير محدود من الطاقة. وهذا إذا كان بإمكان العلماء والمهندسين اكتشاف كيفية تسخيرها، فقد عملوا على حل هذه المعضلة منذ ما يقرب من قرن.

وبدلا من تقسيم الذرات، يحاكي الاندماج عملية تحدث في النجوم بشكل طبيعي. وتشمل دمج ذرتين من الهيدروجين معا وإنتاج ذرة هيليوم بالإضافة إلى كم من الطاقة.

ويتطلب تحقيق الاندماج كميات لا يمكن تصورها من الحرارة والضغط. وتتمثل إحدى الطرق لتحقيق ذلك في تحويل الهيدروجين إلى غاز مشحون كهربائيا، أو بلازما يتم التحكم فيها بعد ذلك في غرفة مفرغة في شكل حلقة دائرية. ويحدث ذلك بمساعدة مغناطيس قوي فائق التوصيل مثل الذي بدأت شركة جنرال أتوميكس في شحنه من سان دييغو إلى فرنسا هذا الصيف.

ويقول العلماء إن إيتير اكتمل الآن بنسبة 75 في المئة ويهدفون إلى تشغيل المفاعل بحلول سنة 2026.

وقال المتحدث باسم إيتير، لابان كوبلنتز، إن “كل إنجاز لمكون رئيسي يعدّ الأول من نوعه يزيد من ثقتنا في أنه يمكننا إكمال الهندسة المعقدة للآلة الكاملة”.

ويكمن الهدف النهائي في إنتاج طاقة أكثر بعشر مرات بحلول سنة 2035 مما هو مطلوب لتسخين البلازما، وبالتالي إثبات أن تقنية الاندماج قابلة للتطبيق. ومن بين أولئك الذين يأملون الوصول إلى الجائزة، نذكر الفريق الموجود في ماساتشوستس، الذي قال إنه تمكن من إنشاء مجال مغناطيسي ضعفي المجال المغناطيسي لإيتير بمغناطيس أصغر بحوالي 40 مرة.

وكشفت علماء من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وكومنولث فيوجن سيستمز إنهم قد ينتهون من جهاز للاستخدام اليومي في أوائل العقد الثالث من القرن الحالي.

وقالت الفيزيائية البارزة ماريا زوبر، وهي نائبة مدير معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا “صُمّم هذا ليكون تجاريا، لا ليكون تجربة علمية”.

وعلى الرغم من عدم تصميمه لإنتاج الكهرباء بنفسه، إلا أن إيتير سيكون بمثابة مخطط لمفاعلات مماثلة ولكن أكثر تطورا إذا نجح. ويؤكّد مؤيدو المشروع أنه حتى لو فشل، فسوف تتقن البلدان المعنية المهارات التقنية التي يمكن استخدامها في مجالات أخرى، من فيزياء الجسيمات إلى تصميم مواد متقدمة تتحمّل حرارة الشمس.

ارتفاع المغناطيس يبلغ حوالي 60 قدما
ارتفاع المغناطيس يبلغ حوالي 60 قدما

وتشترك جميع الدول المساهمة في المشروع بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا والصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية وجزء كبير من أوروبا في تغطية تكلفته البالغة 20 مليار دولار وتستفيد بشكل مشترك من النتائج العلمية والملكية الفكرية المتولدة عنه. ويبقى المغناطيس واحدا من 12 مساهمة أميركية كبيرة في إيتير، مع إشراف شركات الولايات المتحدة على كل منها، وتخصيص الكونغرس الأموال للوظائف الأميركية.

وقال جون سميث، وهو مدير الهندسة والمشاريع في جنرال أتوميكس “إن تسليم الوحدة الأولى بأمان إلى منشأة إيتير يعدّ انتصارا، لأن تصميم كل جزء من عملية التصنيع يجب أن يتم من البداية إلى النهاية”.

وأمضت الشركة سنوات في تطوير تقنيات وطرق جديدة لصنع أجزاء المغناطيس ونقلها عبر منشآتها ثم في جميع أنحاء العالم، ويزن بعضها 250 ألف رطل.

وقال سميث إن “المعرفة الهندسية التي بُنيت خلال هذه الفترة لن تقدر بثمن بالنسبة إلى المشاريع المستقبلية التي ستكون بهذا الحجم”.

وأضاف أن هدف إيتير هو إثبات أن الاندماج يمكن أن يكون مصدرا عمليا للطاقة وقابلا للحياة من الناحية الاقتصادية. وأكد تطلعه إلى ما سيأتي بعد ذلك. واعتبر هذه الخطوة أساسية لتحقيق نجاح الاندماج تجاريا. وتابع “لدينا الآن فكرة جيدة عما يجب أن يحدث للوصول إلى هناك”.

وأوضح فريدريك بوردري، الذي أشرف على تصميم آلة أخرى معقدة (مصادم الهادرونات الكبير في سيرن) وبنائها، إن المراهنة على الطاقة النووية (الانشطار ثم الاندماج) لا تزال أفضل فرصة في العالم لخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بشكل كبير إلى الصفر بحلول سنة 2050. وأكّد أن تكلفة مشروع إيتير تعدّ زهيدة مقارنة بتأثير تغير المناخ.

وكان مشروع “إيتيْر” قد انطلق قبل نحو 15 سنة على ضفاف نهر دورانس على بعد حوالي أربعين كيلومترًا من إيكس أون بروفنس، ويهدف إلى إعادة إنتاج الطاقة غير المحدودة التي تنتجها الشمس والنجوم عبر اندماج الهيدروجين أملاً في إيجاد بديل للوقود الأحفوري.

وعوضاً عن الوقود الأحفوري، مثل النفط أو الغاز أو الفحم، الذي يبعث ثاني أكسيد الكربون، يمكن أن يحل اندماج الهيدروجين أيضاً محل الطاقة النووية. وإن كان انشطار الذرة ينتج نفايات مشعة لعشرات الآلاف من السنين، فإن انصهار الهيدروجين لا يولد نفايات طويلة العمر. أما الميزة الأخرى فهي أن الوقود اللازم لهذا الانصهار والمستخرج من الماء والليثيوم متاح، وقادر على ضمان توريد أسطول من المفاعلات لملايين السنين، أي أن كل غرام من هذا الوقود يطلق كمية من الطاقة تعادل ما يمكن الحصول عليه من ثمانية أطنان من النفط، حسب المشرفين على المشروع.

Thumbnail
17