قيس سعيد يرفض أي تدخل من الوفود الأجنبية في سيادة الدولة

تونس - أكد الرئيس التونسي قيس سعيد مساء الجمعة رفض بلاده لأي تدخل أجنبي، وذلك في ظل مواجهته ضغوطا متزايدة من حكومات غربية لرفع التجميد عن البرلمان وإعادة النظام الدستوري بما يعني العودة إلى ما قبل 25 يوليو.
وقالت الرئاسة التونسية في بيان لها إنه "دحضا لكل الافتراءات وتفنيدا لكل الادعاءات يوضح رئيس الجمهورية أنه أثناء لقاءاته مع سائر الوفود الأجنبية تم التأكيد على أن تونس دولة ذات سيادة والسيادة فيها للشعب، ولا مجال للتدخل في اختياراتها التي تنبع من الإرادة الشعبية".
كما لا تقبل تونس، حسب البيان، أن تكون في مقعد التلميذ الذي يتلقى دروسا ثم ينتظر بعد ذلك العدد الذي سيتم إسناده إليه أو الملاحظة التي ستدوّن في بطاقة أعداده.
وأكد الرئيس في بيانه أن سيادة الدولة التونسية واختيارات شعبها لم تطرح أصلا في النقاش ولن تكون موضوع مفاوضات مع أي جهة كانت.
وفي 25 يوليو الماضي جمّد الرئيس سعيد، المنتخب في عام 2019، نشاط البرلمان ورفع الحصانة عن جميع النواب، وأقال رئيس الحكومة هشام المشيشي، وتولى السلطة التنفيذية، وذلك استجابة لمطالب المحتجين بإسقاط كل المنظومة الحاكمة التي شاركت حركة النهضة الإسلامية في جميع الائتلافات الحكومية منذ 2011، وتحميلها مسؤولية الوضع المأزوم في البلاد.
ويبدو أن هذا البيان جاء ردا على التعليقات المتواترة لحركة النهضة وحلفائها خلال الأيام الماضية، بخصوص حرص الرئيس سعيد على توضيح الأسباب التي دفعته إلى اتخاذ الإجراءات الاستثنائية للوفود الغربية، التي زارت تونس مؤخرا.
وتعتبر حركة النهضة الإسلامية أن تلك التوضيحات من قبيل التدخل الأجنبي في الشأن الداخلي التونسي، جاءت في وقت تعمل بكل قواها على الاستقواء بالأجنبي.
ويرى مراقبون أن تواتر زيارات الوفود الأجنبية إلى تونس جاء أغلبه استجابة لحركة النهضة الإسلامية وحلفائها، الذين ما انفكوا طيلة الفترة الماضية يستنجدون بالقوى الدولية على غرار الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للتدخل في تونس والضغط على الرئيس سعيد لدفعه إلى التراجع عن قراراته.
وكان آخر التحركات للاستقواء بالأجنبي دعوة النائب أسامة الخليفي عن قلب تونس لدى مشاركته بمعية النائب فتحي العيادي عن حركة النهضة خلال أعمال المؤتمر العالمي الخامس لرؤساء البرلمان المنعقد في النمسا الثلاثاء الماضي، بتكليف من راشد الغنوشي رئيس البرلمان المجمد، إلى التدخل العاجل لمساعدة تونس على العودة إلى مسارها الدستوري.
ويأتي هذا البيان بعد لقاء جمع الرئيس سعيد عشية الجمعة، مع جوزيب بوريل الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية بالاتحاد الأوروبي، الذي دعا إلى عودة النشاط البرلماني في تونس.
وشدّد الرئيس التونسي على أن هذه الزيارة تُترجم علاقات الصداقة والتعاون القائمة بين تونس والاتحاد الأوروبي، وتقيم الدليل، مرّة أخرى، على الرغبة المتبادلة في تكريس مفاهيم الحوار والتشاور بشأن بعض المسائل المشتركة.
وأكّد سعيد في هذا الصدد، على تمسّك تونس القوي بمواصلة تدعيم شراكتها الإستراتيجية مع الفضاء الأوروبي، وإيمانها الراسخ بقيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ودولة القانون التي تتقاسمها مع الاتحاد الأوروبي.
وذكّر بأن الوضع تطلّب اتخاذ تدابير استثنائية في إطار الدستور لتصحيح الوضع وإنقاذ الدولة والاستجابة لإرادة شعبية واسعة دون نيّة الارتداد على المكاسب التي تحقّقت، مشيرا إلى أن هذه الإجراءات ستتلوها خطوات قادمة لتعزيز المسار الديمقراطي في تونس.
وفي المقابل، كشف المسؤول الأوروبي أنّ "الإجراءات والتدابير الملموسة التي سيتم اتخاذها في الأسابيع المقبلة ستحدد كيفية دعم الديمقراطية والاستقرار والازدهار ومواكبتها في تونس بشكل أفضل".
وقال بوريل، في بيان أصدره الاتحاد الأوروبي إثر لقائه قيس سعيد "لقد حرصتُ على زيارة تونس في هذه الفترة الهامّة للبلاد، وأنا هنا للتّعبير عن التزام الاتحاد الأوروبي وبلدانه الأعضاء تجاه شريك هامّ جدّا بالنسبة لنا وهو تونس".
وتابع "نقلت للرئيس قيس سعيّد المخاوف الأوروبيّة بشأن الحفاظ على المكتسبات الدّيمقراطيّة في تونس الكفيلة دون غيرها بضمان استقرار وازدهار البلاد، ولا شكّ في أنّ الممارسة الحرّة للسّلطة التّشريعيّة واستئناف النّشاط البرلماني يدخلان في إطار تلك المكتسبات وينبغي احترامها".
وأضاف "تطرّقنا كذاك إلى التحدّيات الاقتصاديّة التي ترتفع حدّتها شيئا فشيئا ولم تزدها جائحة كوفيد سوى تعقيد".
وأكد بوريل "لا بدّ أن تسير البلاد نحو استعادة استقرار المؤسّسات مع الحفاظ على هذه الرّكائز الدّيمقراطيّة والإنصات إلى رغبة وتطلّعات الشّعب التّونسي في إطار حوار مفتوح وشفّاف، من شأنه أن يمكّن تونس من الانطلاق مجدّدا على طريق توطيد الدّيمقراطيّة".
والدول الغربية من بين أكبر المانحين الذين دعموا المالية العامة التونسية خلال السنوات العشر الماضية في ظل التراجع الشديد للاقتصاد منذ ثورة 2011.
ويقول معارضو سعيد إنه دفع البلاد إلى أتون أزمة دستورية وأثار مخاوف على مستقبل النظام الديمقراطي، فيما يؤكد هو أن تدخله يتوافق مع الدستور وضروري لوجود وضع طارئ ناجم عن شلل سياسي وارتفاع معدلات الإصابة بفايروس كورونا والاحتجاجات.