السعودية دولة مختلفة كليا بعد عشرين عاما من اعتداءات سبتمبر

طالما قال السفير السعودي الأسبق في الولايات المتحدة الأمير بندر بن سلطان، إن بلاده لا علاقة لها مطلقا بالسعوديين الذين نفذوا هجمات سبتمبر، وخاطب الأميركيين بجملة كررها مرارا “نحن مثلكم ضحايا للهجمات الإرهابية” واليوم الرياض ترحب برفع السرية عن وثائق الهجمات لتأكيد عدم صلتها.
الرياض - عبرت السعودية عن سعادتها برفع الرئيس الأميركي جو بايدن السرية عن وثائق هجمات 11 سبتمبر، في إشارة واضحة لتأكيد عدم صلتها بتلك الهجمات.
وذكرت السفارة السعودية في واشنطن أن ترحيبها برفع السرية عن الوثائق، يذكر بمطالبها على مدار عشرين عاما بالكشف عن جميع المواد المتعلقة بالهجمات الهجمات الإرهابية ضد الولايات المتحدة في 11 سبتمبر 2001.
وطالما دعمت السلطات السعودية رفع السرية عن أي وثائق ومواد تتعلق بتحقيق الهجمات على أمل أن يؤدي الكشف الكامل عن هذه الوثائق إلى إنهاء المزاعم بشأن دور الرياض بتلك الهجمات.
واستمرت وسائل الإعلام الأميركية ولوبيات معادية للسعودية في اتهام الرياض بشكل مباشر بدور في تلك الهجمات التي نفذها تنظيم القاعدة برئاسة السعودي أسامة بن لادن.
واتهمت عائلات الضحايا السعودية بأنّ لها صلات بالخاطفين الذين هاجموا بطائرات مدنيّة مركز التجارة العالمي ومقرّ البنتاغون. ووجدت السعودية نفسها أمام انتقادات من جانب الولايات المتحدة أكبر حليف لها، وبرودة في العلاقات لفترة طويلة.

إلا أن السفير السعودي الأسبق في الولايات المتحدة الأمير بندر بن سلطان، طالما كان يقول نحن مثلكم ضحايا للهجمات الإرهابية.
ولم تظهر التحقيقات الأميركية أدلة تشير إلى أن الحكومة أو أي من مسؤوليها كانوا على علم مسبق بالهجمات الإرهابية أو كانوا متورطين في التخطيط لها أو تنفيذها. على الرغم من أن 15 من منفذيها الـ19 كانوا من السعوديين.
وأمر بايدن، برفع السرية عن الوثائق المتعلقة بتحريات مكتب التحقيقات الفيدرالي حول هجمات 11 سبتمبر، استجابة لطلب المئات من أسر ضحايا الهجمات.
ويتزامن أمر بايدن، مع قرب حلول الذكرى العشرين للهجمات التي استهدفت برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك ومقر وزارة الدفاع الأميركية، وراح ضحيتها قرابة ثلاثة آلاف قتيل، والآلاف من المصابين.
ونبهت الهجمات التي مثلت مسارا في تغيير التاريخ السياسي في العالم، السلطات السعودية إلى الحلقات الاجتماعية والدينية المتشددة، الأمر الذي دفعها إلى نهج سياسة حازمة معها.
وتغيّر المجتمع السعودي كثيرا بعد عشرين عاما من اعتداءات سبتمبر، في ظلّ حملة إصلاحات تهدف إلى تظهير صورة يغلب عليها التسامح الديني والانفتاح.
وتردّدت المملكة في تلك الحقبة في إجراء تغييرات دينية واجتماعية استجابة لضغوط حظتها على القيام بإصلاحات في المناهج الدراسية تحديدا التي ينظر إليها على أنها تعزّز التطرف وتفرز متشددين. لكن منذ أن أصبح الأمير محمد بن سلمان، نجل العاهل السعودي الملك سلمان، وليا للعهد في 2017، تشهد الدولة الثرية إصلاحات اقتصادية واجتماعية ودينية جذرية.
وسمح للنساء بقيادة السيارات، وباتت الحفلات الغنائية مسموحة، ووضع حدّ لحظر الاختلاط بين الرجال والنساء. وقُلصت صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واختفى المطاوعون من الشوارع.
وتؤكدّ الباحثة في مركز “كارنيغي” للأبحاث ياسمين فاروق أنّ الإصلاحات الراهنة هي “إحدى نتائج هجمات سبتمبر على المدى الطويل”. وقالت إنّ الذكرى العشرين للاعتداءات “تأتي نوعا ما بوجود سعودية جديدة”.
وعُرفت السعودية لسنوات طويلة بأنها بلد محافظ يتبنى تفسيرا متشددا للإسلام السني.
ومنذ وصول ولي العهد الشاب الساعي لتغيير صورة بلاده إلى السلطة، تخوض المملكة حملة انفتاح كان يصعب تخيّلها قبل سنوات قليلة. وتزعزعت صورة ولي العهد والإصلاحات مع قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول ومع اتهامات تتعرض لها السعودية في ملف حقوق الإنسان، لكن الإصلاحات لم تتوقف.
وأصبحت المتاجر والمطاعم في الرياض تستقبل الزبائن خلال وقت الصلاة، فيما بات استعمال مكبّرات الصوت الخارجية في المساجد مقصورا على رفع الأذان والإقامة للصلاة فقط، في خطوة أثارت جدلا محليا.

وفتحت البلاد التي تضمّ الكعبة ويزورها الملايين سنويا للحج والعمرة، أبوابها أمام السياحة غير الدينية، مستقبلة الآلاف من الزوّار غير المسلمين.
ويرى مستشار الحكومة السعودية علي الشهابي أنّ ذكرى الهجمات ضد الولايات المتحدة تأتي فيما السعودية “مكان مختلف تمامًا وأفضل”، مشيرا إلى أنّ حملة إصلاحات ولي العهد “قامت بتفكيك هياكل وشبكات الإسلام الراديكالي داخل البلاد”.
ويعتقد الشهابي أنّ أي “إرهابيين يخططون لشن هجوم مماثل لما حدث في 11 سبتمبر، عليهم البحث في مكان آخر غير المملكة عن مجندين، مع التراجع السريع في أعداد الشباب السعودي الذي يتلقى عقائد إسلامية رجعية”.
لكن بعض الخبراء يشكّكون في قدرة هذه الإجراءات فعلا على تجفيف منابع التشدّد في المجتمع.
وترى فاروق أنّ هذه الإصلاحات ليست كافية “للقضاء على التطرّف لأنها لا تنطوي على حوار مجتمعي يعالج حجج المتطرفين”، مشيرة إلى أنّ “التغيير مفروض على المجتمع” من أعلى.
وقالت إنّ فتح “الحوار أمر مهم للغاية لتحقيق الأهداف وليس فقط لفرض التغييرات على الناس”.
في موازاة ذلك، يحذّر بعض السعوديين من أن إدخال مثل هذه الإصلاحات فجأة على مجتمع محافظ للغاية ينطوي على مخاطر وقد يثير رد فعل عنيفة. ولا يمكن تقدير حجم الرفض الشعبي لهذه الإصلاحات مع قمع السلطات للمعارضة والناشطين ونشطاء حقوق الإنسان.
بالنسبة إلى الباحثة في معهد دول الخليج العربية في واشنطن كريستين ديوان، فإنّ أحد أبرز جهود الإصلاح يجب أن يتركز على المناهج التعليمية التي لطالما ارتبطت بالوهابية.
وترى ديوان أنّ “إصلاح نظام تعليمي كامل – المناهج والمعلمين والمؤسسات – مهمة هائلة تشبه إعادة تشكيل المجتمع نفسه”.
وتقوم المملكة راهنا بمراجعة لكتب مدرسية تصف غير المسلمين بـ”الكافرين”، فيما أعلن وزير التعليم العمل على إعداد مناهج دراسية تنمّي “قيم حرية التفكير والتسامح وعدم التعصب الفكري”.
وشكا أشخاص تلقوا تعليمهم في المملكة بالفعل في مقابلات مع وكالة الصحافة الفرنسية من أن التعليم الذي لا يزال معتمدا “يعزّز عدم التسامح ضد الآخر” لجهة الدين أو العرق أو الجنسية.
وكان ولي العهد تعهّد في مقابلة مع محطة “سي.بي.أس” في 2018 بالقضاء على التطرف في النظام التعليمي الذي أقر أن “جماعات متشددة اجتاحته”.
وتقول ديوان “ليس هناك شك في أن النية حاضرة، لكنّ التنفيذ الفعال سيستغرق وقتا”.
اقرأ أيضا: