من يعطل تشكيل الحكومة اللبنانية: عون أم ميقاتي

يعكس الاتهام غير المباشر الذي وجهه رئيس الحكومة اللبنانية المكلف نجيب ميقاتي لرئيس الجمهورية ميشال عون بالوقوف وراء تعطيل تشكيل الحكومة، فشل الطرفين في التوصل إلى توافقات تسهّل تشكيل الحكومة اللبنانية العتيدة، ما يعيد لبنان إلى مربع الصفر.
بيروت - دخل الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي في مرحلة تبادل الاتهامات بينهما بشأن تعطيل تشكيل الحكومة اللبنانية العتيدة، بعد التصريحات الإيجابية التي طبعت تعاملهما، فيما تشير مصادر لبنانية إلى أن ميقاتي بات أقرب للاعتذار منه إلى التأليف.
وأصدر المكتب الإعلامي لميقاتي بيانا الخميس أشار فيه إلى أن “البعض مصرّ على تحويل عملية تشكيل الحكومة إلى بازار سياسي وإعلامي مفتوح على شتّى التسريبات والأقاويل والأكاذيب، في محاولة واضحة لإبعاد تهمة التعطيل عنه وإلصاقها بالآخرين، وهذا الأسلوب بات مكشوفا وممنهجا”.
وشدد ميقاتي على أن “اعتماد الصيغة المباشرة أحيانا والأساليب الملتوية أحيانا أخرى لتسريب الأخبار المغلوطة لاستدراج رد فعل من الرئيس المكلف أو لاستشراف ما يقوم به لن يجدي نفعا”، مؤكدا أنه “ماض في عملية التشكيل وفق الأسس التي حددها منذ اليوم الأول وبانفتاح وتعاون وتشاور مع رئيس الجمهورية، ويتطلع في المقابل إلى تعاون بناء بعيدا عن الشروط والأساليب التي باتت معروفة”.
وأوضح مكتب الرئيس المكلف أن “ميقاتي يجري لقاءات مختلفة لتشكيل الحكومة، ولم يلتزم بأي أمر نهائي مع أحد إلى حين إخراج الصيغة النهائية للحكومة، وكل ما يقال عكس ذلك كلام عار من الصحة جملة وتفصيلا”.
ولم يتأخر الرد من مكتب الإعلام في الرئاسة اللبنانية، ليجدد التأكيد على أن “عون لا يريد الثلث الضامن، لا بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وهو يدعو الجميع إلى وجوب عدم إلصاق تهمة التعطيل بمقام الرئاسة الأولى ولا بشخص الرئيس، للتعمية على أهداف خاصة مضلّلة”.
وقال المكتب في بيان إن “هذه التعمية التي باتت هواية شبه يومية لدى محترفيها، بدأت تنقلب عليهم، وقد عرّت الأهداف الحقيقية لأصحابها، وهي تقوم على عدم الرغبة بتأليف حكومة تتولى مجتمعة مهام السلطة التنفيذية، وتاليا عدم القيام بالإصلاحات الضرورية المطلوبة، ورفض مكافحة الفساد وملاحقة المفسدين، وضرب مصداقية الدولة ومؤسساتها، بعدما ثابروا على قضمها وتحويلها مطية لمآربهم، والأخطر من كل ذلك، تجويع اللبنانيين والإمعان في إفقارهم”.
وشدد المكتب على أن “المطلوب الآن، ليس فقط التوقّف عن استخدام الثلث الضامن شمّاعة وإلصاق رغبة الحصول عليه من قبل الرئيس عون، إنّما التوقّف عن اعتماد لعبة التذاكي السياسي والخبث الموازي للدهاء، من خلال التغطية على مشاكل داخلية لدى هذا الفريق أو ذاك، بما تنطوي عليه من سوء، وترتب عليه من نتائج تفاقم الوضع الذي يعيشه لبنان، عبر سيل مواقف الاتهام وتحليلات الإدانة للرئيس برغبة الحصول على الثلث الضامن، وكلها باتت بدورها مكشوفة المصدر ومن يقف وراء بثها ونشرها وتعميمها”.
وتتهم أوساط رئيس الجمهورية ميقاتي بأنه محاط بتأثيرات في عملية التأليف خاصة الرؤساء السابقين، على رأسهم سعد الحريري الذي اعتذر عن تشكيل الحكومة قبل تكليف ميقاتي.
وفي الآن نفسه تتهم أوساط ميقاتي، ومن خلفه معارضو الرئيس اللبناني وفريقه الذين يتقدمهم صهره رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، بتعطيل البلاد للحصول على الثلث المعطل وبالتالي السيطرة على الحكومة ومصيرها، ورفع سقف المطالب على صعيد الحقائب الوزارية السيادية.
ويتركز الخلاف بالأساس حول تسمية وزيري الداخلية والعدل، حيث يصر ميقاتي على أن يكونا غير تابعين لأي حزب سياسي، فيما يتحفظ عون على بعض الأسماء المقترحة من قبل ميقاتي.
وأفادت مصادر مطلعة بأن “عون يتحفظ على بعض الأسماء المقترحة من قبل ميقاتي، وكذلك الرئيس ميقاتي لديه تحفظ على بعض الأسماء المقترحة من عون”، موضحة أن الخلاف برز عندما اقترح ميقاتي أسماء وزراء مسيحيين غير الأسماء التي اقترحها عون، وهذا ما رفضه الأخير.
الخلاف يتركز حول وزيري الداخلية والعدل، حيث يصر ميقاتي على أن يكونا غير متحزبين، فيما يتحفظ عون على الأسماء المقترحة
ويرى مراقبون أن إصرار ميقاتي نابع من أنه يريد أن يشكل حكومة تستطيع إدارة الانتخابات النيابية المقبلة (في 2022)، والتفاوض مع البنك الدولي، فيما عينُ عون ومن ورائه التيار الوطني الحرّ على الانتخابات القادمة التي قد تقوض مكاسبهما السياسية.
ووجّه رؤساء وزراء سابقون، بمن فيهم ميقاتي، تحذيرات للرئيس عون من مغبة التأخير في تسهيل ولادة حكومة لبنانية جديدة.
وحمّل هؤلاء رئيس الجمهورية اللبنانية مسؤولية وضع العراقيل أمام تشكيل حكومة جديدة، تكون مهمتها الأساسية الخروج من الأزمات المتفاقمة السياسية والاقتصادية.
وكان ميقاتي قد صرح بأن مهلته التي حددها لتأليف الحكومة ليست مفتوحة، وقال إنه قبل أن يكون فدائيا أمامه هدف وحيد هو السعي لوضع لبنان على سكة المعالجة والتعافي التي يتوق إليها كل اللبنانيين، من خلال فريق عمل حكومي يخوض معه مغامرة الإنقاذ.
وتقول أوساط سياسية إن ميقاتي تعاطى بانفتاح وإيجابية مع رئيس الجمهورية من أجل التوصل إلى الحكومة المنشودة التي تعبّر عن كل اللبنانيين، وتكون محل ثقة من قبلهم، إلا أن تلك الإيجابية قد لا تتواصل إلى ما لا نهاية.
وأشارت تلك الأوساط إلى أن اعتذار ميقاتي عن التكليف يبقى احتمالا واردا إذا ما بلغت الأمور نقطة اللا عودة، وإذا ما أصر عون على شروط تعجيزية لا يمكن القبول بها.