طالبان اليوم تعرف أهمية كسب القلوب والعقول عن طريق الإعلام

اهتمام طالبان بالإعلام أكبر من مؤتمر صحافي لتقديم نفسها للغرب.
السبت 2021/09/04
وسائل الإعلام تنتظر مصيرها تحت حكم طالبان

بدأ التغير الملحوظ في سياسة طالبان في التعامل مع الصحافيين والإعلاميين منذ سيطرتها على زمام الأمور في البلاد، في مؤشر على إبداء الحركة بعض المرونة مع الإعلام ومنحه هامشا من الحرية يتناسب مع منهجها، لاستخدامه في تحسين صورتها كسلطة يمكن التعايش معها، بعكس سياستها قبل عقدين والمتمثلة بالقطيعة التامة مع الإعلام.

كابول- في أول إشارة إلى أن طالبان تنظر إلى الإعلام بطريقة جديدة وتحاول بناء علاقة إيجابية معه، دخل أحد مسؤوليها بشكل غير متوقع إلى أستوديوهات قناة “تولو نيوز” الخاصة بعد يومين فقط من السيطرة على كابول في منتصف أغسطس الماضي، وجلس لإجراء مقابلة مع المذيعة بهشتا أرغاند.

وقالت المذيعة البالغة من العمر 22 عاما لوكالة أسوشيتيد برس، إنها كانت متوترة عندما رأت مسؤول طالبان يدخل الأستوديو، لكن سلوكه وكيفية إجابته على الأسئلة ساعدها في جعلها تشعر بالراحة قليلا.

وأضافت “لقد قلت لنفسي إن هذا هو الوقت المناسب لأظهر للعالم كله، أن النساء الأفغانيات لا يرغبن في العودة إلى الوراء. هن يردن… المضي قدما”.

وبدأ التغير الملحوظ في سياسة طالبان في التعامل مع الصحافيين والإعلاميين منذ سيطرتها على زمام الأمور في البلاد، حيث صافح المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد، صحافيا بعد أول مؤتمر صحافي له في كابول، في السابع عشر من أغسطس الماضي.

وتعهد مجاهد بأن تحترم طالبان حقوق المرأة وتسامح من قاوموها وتضمن أمن أفغانستان كجزء من حملة دعائية تهدف إلى إقناع القوى العالمية والسكان الخائفين بأنهم قد تغيروا.

ورغم أن هذه التعهدات لا تعتبر ضمانة حقيقية لمنح الإعلام بعضا من الحرية، لكنها مؤشر على إبداء طالبان بعض المرونة مع الإعلام ومنحه هامشا من الحرية تتناسب مع أدبيات الحركة، للاستفادة منه في تحسين صورتها كسلطة يمكن التعايش معها، بعكس سياستها قبل عقدين بالقطيعة التامة مع الإعلام.

وتعتبر مقابلة صحافية أفغانية لمسؤول من طالبان تحولا ملحوظا للحركة عما كان عندما تسلمت السلطة لأول مرة، حيث اضطرت النساء إلى تغطية أنفسهن من الرأس إلى أخمص القدمين والرجم حتى الموت في الأماكن العامة بتهمة الزنا وغيرها من الممارسات المزعومة.

وفرّت أرغاند من البلاد بعد المقابلة، غير راغبة في المخاطرة بالرهان على وعود طالبان بالمزيد من الانفتاح. وهي موجودة مؤقتا في مجمع للاجئين الأفغان في قطر.

وغادر المئات من الصحافيين الذين يُنظر إليهم على أنهم الأفضل في مجالهم بعد سيطرة طالبان، كجزء من هجرة جماعية لأكثر من مئة ألف أفغاني.

سعد محسني: وسائل الإعلام مهمة لطالبان، لكن ما سيفعلونه لم يتضح

في المقابل تبدو طالبان حريصة على تحسين صورتها، حيث شاركت مقطع فيديو لفتيات يذهبن إلى المدارس في الأقاليم. كما عقد القادة مؤتمرات صحافية بعد السيطرة على كابول، وتلقوا أسئلة من وسائل الإعلام المحلية والدولية.

وقال سعد محسني الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس إدارة مجموعة “موبي” الإعلامية التي تمتلك قناة “تولو نيوز”، إنه يعتقد بأن طالبان تتسامح مع الإعلام لأنهم يدركون أن عليهم كسب القلوب والعقول وإقناع المؤسسة السياسية بلعب دور وتعزيز حكمهم.

وأضاف من دبي حيث يوجد مكتب لمجموعة “موبي”، “وسائل الإعلام مهمة بالنسبة لطالبان، لكن ما يفعلونه لوسائل الإعلام في غضون شهر أو شهرين لم يتضح بعد”.

ويراقب العالم باهتمام أي أدلة حول كيفية حكم طالبان، إذ أن معاملتهم لوسائل الإعلام ستكون مؤشرا رئيسيا على سياستهم إلى جانب سياساتهم تجاه النساء، خصوصا بعد أن شهدت أفغانستان في العشرين عاما الماضية ازدهارا في الإعلام وانتشار المنابر وتعددها.

وقال ستيفن باتلر منسق برنامج آسيا في لجنة حماية الصحافيين، إنه على الرغم من فشل الولايات المتحدة وحلفائها في إنشاء ديمقراطية مستقرة في أفغانستان، إلا أنهم نجحوا في إنشاء صحافة مزدهرة. وأشار في موقع لجنة حماية الصحافيين على الإنترنت إلى أن الحكومة الأميركية أنفقت مبالغ طائلة على المشروع كأساس للديمقراطية.

وساعدت المنح الأميركية الأولية في إطلاق قناة “تولو”، التي بدأت كمحطة إذاعية في عام 2003 وتوسعت بسرعة لتشمل التلفزيون. وتوظف القناة الناطقة بلغة الباشتو والداري 500 شخص وهي من أكثر الشبكات الخاصة مشاهدة في أفغانستان.

واتخذت “تولو” إجراءات ذاتية تجنبا للصدام مع طالبان، فقد استبدلت شبكة التلفزيون الخاصة الأكثر شعبية في أفغانستان “تولو” طواعية المسلسلات التركية العاطفية وعروضها الموسيقية ببرامج أقل صخبا مصممة خصيصا لحكام طالبان الجدد في البلاد، الذين أصدروا توجيهات غامضة بأن وسائل الإعلام يجب ألا تتعارض مع القوانين الإسلامية أو تضر بالمصلحة الوطنية.

وأفاد محسني الرئيس التنفيذي للقناة المعروفة ببرامجها الإخبارية والترفيهية، أنه قرر بمفرده إزالة البرامج الموسيقية والمسلسلات من موجات الأثير “لأننا لم نعتقد أنها ستكون مقبولة لدى النظام الجديد”. وتم استبدال الدراما الرومانسية بمسلسل تلفزيوني تركي يتناول العصر العثماني، ويعرض ممثلات يرتدين ملابس أكثر احتشاما.

وقامت هيئة الإذاعة والتلفزيون الحكومية في أفغانستان بسحب مذيعاتها من البث حتى إشعار آخر. وتوقفت قناة “زان.تي.في” المستقلة التي تديرها النساء عن عرض برامج جديدة.

لكن المحطات الإخبارية الأفغانية المستقلة، مثل قناة “أريانا” الإخبارية أبقت على مذيعات البث المباشر على الهواء وتختبر حدود حرية وسائل الإعلام في ظل التنظيم، الذي قتل مسلحوه في ما مضى الكثير من الصحافيين في الماضي، فيما وعدوا بنظام مفتوح وشامل منذ وصولهم إلى السلطة في أغسطس.

واستضافت “تولو” مقدمة تلفزيونية في البرنامج الصباحي الخميس، ولدى الشبكة مذيعة أخبار والعديد من الصحافيات. لكن هذا لا يعني أن سجل طالبان الحديث فارغ من الانتهاكات بعد توليها السيطرة، حيث كانت هناك تقارير عن قيام طالبان بضرب الصحافيين وتهديدهم. وفي إحدى الحالات، قالت “دويتشه فيله” الألمانية إن مقاتلي طالبان طاردوا أحد صحافييها بالرصاص من باب إلى باب وقتلوا أحد أفراد عائلته وأصابوا آخر بجروح خطيرة.

وقال بلال سرواري الصحافي المخضرم في أفغانستان عبر قناة “بي.بي.سي”، “علينا أن نتأكد من بقاء الصحافة الأفغانية على قيد الحياة لأن الناس سيحتاجونها”. وعلى الرغم من أنه غادر أفغانستان مع أسرته، إلا أنه اعتبر أن جيلا من الصحافيين المواطنين يتمتعون بإمكانيات أكثر من أي وقت مضى. وأضاف “إذا لم نتمكن من العودة، فهذا لا يعني أننا سنتخلى عن أفغانستان. سنعمل لصالح أفغانستان أينما كنا”. الاتصال العالمي هو الوضع الطبيعي الجديد.

وتسمح طالبان للصحافيين بدخول أفغانستان من باكستان وتسمح لوسائل الإعلام بمواصلة عملها في كابول، وإن كان ذلك في ظل توجيهات تنذر بالقمع. حيث أمروا ألا تتعارض التقارير الإخبارية مع القيم الإسلامية وألا تتحدى المصلحة الوطنية.

التغير الملحوظ في سياسة طالبان في التعامل مع الصحافيين والإعلاميين بدأ منذ سيطرتها على زمام الأمور في البلاد

وتعتبر مثل هذه القواعد الغامضة نموذجية للدول الاستبدادية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، حيث تم استخدامها لإسكات الصحافيين ومقاضاتهم. من أجل العمل، وقد اضطرت وسائل الإعلام المحلية إلى ممارسة الرقابة الذاتية لتجنب التداعيات.

ولا يعني ازدهار الصحافي في أفغانستان في السنوات الماضية أنها كانت آمنة على الصحافيين، إذا تم استهدافهم من قبل طالبان رغم إنكارها ذلك، وتقول لجنة حماية الصحافيين إن 53 صحافيا قتلوا في أفغانستان منذ عام 2001 و33 منهم منذ 2018.

وفي يوليو، قُتل مصور من رويترز حائز على جائزة بوليتزر أثناء تغطيته للاشتباكات بين طالبان وقوات الأمن الأفغانية. وفي عام 2014، كان صحافي من وكالة الأنباء الفرنسية وزوجته وطفلاه من بين تسعة أشخاص قتلوا على أيدي مسلحين من طالبان أثناء تناول الطعام في فندق في كابول.

وبعد ما يقرب من عامين في عام 2016، استهدف انتحاري من طالبان موظفي قناة “تولو” في حافلة، مما أسفر عن مقتل سبعة منهم وإصابة ما لا يقل عن 25 شخصا. وأعلنت حركة طالبان مسؤوليتها عن الهجوم ووصفت “تولو” بأنها “أداة للنفوذ الغربي المنحط”.

وقال محسني إنه كان يشعر بالقلق عندما اجتاح طالبان كابول وإن المؤشرات لا تزال “غير إيجابية”. ولفت “دعنا فقط ننتظر ونرى. دعونا نرى مدى تقييد وسائل الإعلام. لا شك في أنها ستكون مقيدة. والسؤال الآن هو إلى أي مدى ستكون مقيدة”.

18