الغنوشي يستخدم آلية التجميد لإسكات الأصوات المناهضة له داخل النهضة

تجميد عضوية القيادي عماد الحمامي على خلفية وصفه إجراءات الرئيس قيس سعيّد بالشجاعة.
الخميس 2021/09/02
حرب مفتوحة ضد خصومه في الحركة

تونس - أثار قرار زعيم حركة النهضة الإسلامية مساء الأربعاء تجميد عضوية القيادي عماد الحمامي وإحالته على لجنة النظام، على خلفية انتقاده ممارسات راشد الغنوشي بإعفاء أعضاء المكتب التنفيذي ووصفه إجراءات الرئيس قيس سعيّد بالشجاعة، انتقادات واسعة من قياديي الحركة، مما يؤشر على المزيد من التصدعات داخل الحزب خلال الأيام المقبلة.

وتجاوزت الخلافات المتصاعدة داخل حركة النهضة مرحلة الخروج إلى العلن لتنتقل إلى مرحلة الإجراءات، خاصة مع بدء الغنوشي استهداف المحيطين به والتضحية بهم لينأى بنفسه عن الأزمة التي تعيشها الحركة.

وقالت حركة النهضة في بيان نشرته عبر صفحتها بموقع فيسبوك الأربعاء "عملا بأحكام القانون الأساسي لحزب حركة النهضة، قرّر رئيس الحزب تجميد عضوية الأخ عماد الحمامي في الحزب وإحالته على لجنة النظام بسبب تكرر تجاوزاته لسياسات الحركة".

وكان الحمامي أطلق في الثاني من أغسطس الماضي تصريحات مخالفة تماما لمواقف الحزب، إذ اعتبر أن تفعيل الفصل 80 من قبل رئيس الجمهورية هو "قرار شجاع"، في وقت تعتبر النهضة ما حصل انقلابا على الدستور وخرقا جسيما لبنوده، كما اعتبر الحمامي أن ما حصل "فرصة للتغيير داخل حزب النهضة"، منتقدا بشدة عدم اعتراف النهضة بأخطائها.

وفي الخامس والعشرين من أغسطس الماضي، وجه القيادي الإخواني انتقادات لاذعة لزعيم الحركة تتعلق بقرار الغنوشي إعفاء كل أعضاء المكتب التنفيذي للحركة.

وقال الحمامي في تصريحات لإذاعة "آي.أف.أم" المحلية "إن إعفاء أعضاء المكتب التنفيذي هو استمرار للسياسات الخاطئة لراشد الغنوشي، الذي لم يستوعب رسالة الخامس والعشرين من يوليو"، مضيفا أن الغنوشي يواصل الحكم الفردي داخل الحركة.

ودعا إلى ضرورة عقد مؤتمر للحركة يفرز رئاسة جديدة بدل إعادة تشكيل مكتب تنفيذي جديد، وإلى ضرورة انسحاب القيادات القديمة وفسح المجال للشباب.

وتشهد حركة النهضة منذ أسابيع خلافات كبيرة بين بعض قيادييها، والتي أدت إلى حل المكتب التنفيذي وتعيين محمد القوماني على رأس لجنة تكلف بإدارة مفاوضات المرحلة الراهنة مع بقية الشركاء، في انتظار انعقاد مؤتمر الحركة نهاية هذا العام.

وأثار قرار تجميد نشاط وعضوية الحمامي انتقادات واسعة داخل الحركة، حيث اعتبر سمير ديلو القيادي بحركة النهضة الخميس أنّ هناك من حرّض الغنوشي على اتخاذ القرار، مبرزا أنه قرار خاطئ وأن المقصودين منه هم المعارضون الذين يتحدثون في وسائل الإعلام.

وقال في تصريحات لإذاعة "شمس أف.أم" المحلية إن "هذا القرار غير قانوني لأن لنا نظاما داخليا تمت المصادقة على تعديله في سبتمبر 2017 ولا يوجد شيء اسمه التجميد المفتوح… هناك الفصل 57 الذي يتحدث عن التجميد الاحتياطي ومدته شهر قابل للتجديد، ولا يوجد تجميد مفتوح... أو يتمّ تفعيل الفصل أيضا في صورة وجود تهديد لمصلحة عليا في الحزب أو حفاظا على سلامة تحقيق".

ودعا ديلو الغنوشي إلى التراجع عن القرار، خاصة وأنه بني على خلفية تصريح الحمامي الأخير الذي لا يستوجب التجميد، وفق تعبيره.

ووصف محمد بن سالم القيادي في حركة النهضة، قرار تجميد عضوية الحمامي داخل الحزب بالقرار المتشنج وغير القانوني، مؤكدا أنه سيزيد من تعقيد الأزمة داخل الحركة.

واعتبر بن سالم أن قرار الغنوشي ليس هو قرار الحركة، وأضاف أن الحركة تضم مؤسسات لمحاسبة المخالفين، ولجنة نظام تعمل وفق سلم عقوبات محددة بالقانون.

وأوضح أن النظام الداخلي للحركة لا يحرم الأعضاء والقياديين من التعبير عن مواقفهم التي لا تتوافق مع مواقف رئاسة الحركة، معبرا في ذات الوقت عن استيائه لقرار الغنوشي ضدّ الحمامي.

ويعد الحمامي من القيادات البارزة في الحزب الإسلامي، حيث شغل العديد من المناصب الوزارية ممثلا للحزب في الحكومات المتعاقبة، منها وزير الصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة، ووزير التشغيل والتكوين المهني، وآخرها وزارة الصحة، كما انتخب نائبا في البرلمان عن حركة النهضة.

وتحمّل الحمامي مسؤوليات متقدمة في الحركة على مستوى المكتب التنفيذي والشورى، وعرف خصوصا خلال فترة أزمة 2013 بتفويضه المشاركة في الحوار السياسي باسم الحركة.

ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تعد أحدث حلقة من الحرب المفتوحة بين الغنوشي والقيادات المعارضة له داخل النهضة، التي وجدت في إجراءات قيس سعيّد الاستثنائية فرصة سانحة لاستثمارها في دفع رئيس الحركة على التنحي والخروج من المشهد السياسي، بعد أن فشلت في تحقيق ذلك من خلال الصراع الداخلي.

ويشير هؤلاء إلى أن قرار تجميد عضوية الحمامي يأتي كأحدث حلقة في عملية التصفية التي يقودها الغنوشي لإسكات الأصوات المعارضة له والتخلص من خصومه، بعد أسبوع على حلّه المكتب التنفيذي للحركة، الذي يسيطر عليه التيّار المناهض له، وقبل تشكيل مكتب تنفيذي جديد على مقاسه.

ويتوقع متابعون أن سيناريو التجميد سيطول عضوية قيادات أخرى، من أجل توحيد التصريحات والمواقف، حتى لا تظهر الحركة في صورة الحزب المضطرب، بعد قرارات سعيّد، فضلا عن الإيهام بأنها تقوم بمراجعات داخلية.

ولاح ذلك في اعترافها الأربعاء بأنها "تتحمل المسؤولية (فيما آلت إليه الأوضاع) إلى جانب الأطراف التي حكمت معها، وذلك بحسب حجمها في المشاركة في الحكم وإدارة البلاد".