تعهدات طالبان لا تكفي لضمان سلامة الصينيين في باكستان

الجماعات السندية والبلوشية الانفصالية تنظر إلى الصين على أنها قوة استعمارية تغتصب مواردها.
الجمعة 2021/09/03
صينيون كانوا هنا

تسلط الحوادث القاتلة التي تستهدف صينيين عاملين في مشاريع استثمارية واقتصادية في باكستان من قبل عدد من المجموعات الإسلامية الضوء على طبيعة المشكلة المتصاعدة التي تواجهها الصين في باكستان، ولا يبدو أن هذه الحوادث ستتراجع بعد زيارة وفد من قادة طالبان إلى بكين الشهر الماضي.

لندن - تبدو الصين أكثر دولة تعلمت من التجارب السياسية سواء في تاريخها المعاصر، أو من خلال علاقاتها السياسية المحتدمة مع الولايات المتحدة والهند، والأقل احتداما مع محيطها السياسي الآسيوي.

واليوم الصين أمام اختبار يمكن تسميته بـ"طالبان" القريبة منها جغرافيا، والأبعد منها سياسيا، عندما يصل التهديد من المجموعات الإسلامية المتطرفة للعاملين في استثمارات الصين في باكستان خصوصا، وإن تم التوافق المعلن مع طالبان دبلوماسيا، وفق آخر زيارة قام بها وفد من طالبان الشهر الماضي.

وتعلمت الصين وإن كان متأخرا وفق المقولة الشهيرة “جلبة قوى عظمى تستوجب مسؤولية عظمى”. لكن القوة العظمى تجتذب أيضا الحسد والغضب والأعداء.

وسبق وأن طمأن وفد رفيع من قادة طالبان ترأسه المسؤول الثاني في حركة طالبان الملا عبدالغني برادر خلال زيارته إلى الصين أن الحركة لن تسمح باستخدام أفغانستان كقاعدة لشنّ هجمات تستهدف أمن دول أخرى.

ويتقاسم البلدان حدوداً بطول 76 كيلومتراً، عبارة عن مرتفعات شاهقة لا تتخللها أي معابر حدودية. لكن الحدود التي تمتد بمحاذاة منطقة شينجيانغ ذات الأغلبية المسلمة، تشكّل مصدر قلق كبير لبكين التي تخشى أن يستخدم الانفصاليون الإيغور أفغانستان كنقطة انطلاق لشن هجمات.

وتواجه مشاريع الصين الاستثمارية في باكستان تعقيدات وتستهدف المنظمات الإرهابية المحلية مواطنيها ومنشآتها بشكل متزايد.

ولطالما كانت الصين في مرمى النشطاء الباكستانيين. لكن وتيرة الهجمات آخذة في الازدياد في الآونة الأخيرة. وشهد الأسبوع الماضي المحاولة الأخيرة من جيش تحرير بلوشستان ضد وسائل النقل الصينية في غوادر.

واستهدفت المجموعة مرارا وتكرارا أهدافا صينية بارزة في باكستان، بما في ذلك القنصلية الصينية في كراتشي في نوفمبر 2018.

وتباينت التقارير في ما يتعلق بضحايا الهجوم الأخير، حيث زعم جيش تحرير بلوشستان أنه قتل ستة مواطنين صينيين وثلاثة حراس أمن، بينما تزعم السلطات الصينية والباكستانية أن مواطنا صينيا أصيب وقتل طفلان (يزعم جيش تحرير بلوشستان أن الطفلين قُتلا خلال إطلاق نار من القوات الباكستانية).

وبغض النظر عن العدد الكئيب، يعتبر الهجوم رابع حادث رفيع المستوى هذا العام، كما أنه يؤكد الاتجاه المقلق لاستخدام المفجرين الانتحاريين، وهو ابتكار لمجموعة بلوشستان.

من باكستان إلى أفغانستان

Thumbnail

وأصبحت باكستان نموذجا مصغرا لواقع أكبر سيتعين على بكين مواجهته عالميا. فهي ستجذب غضب المنظمات الإرهابية عندما تصبح قوة عالمية على المسرح العالمي. وقد يكون استعداد بكين للتعامل مع طالبان محاولة لاستباق مثل هذه المشاكل في أفغانستان الجديدة، لكن التاريخ أظهر أن هذه المقامرة محفوفة بالمخاطر بالنسبة إلى بكين.

وحاولت الصين إبرام صفقة سابقة مع طالبان قبل الحادي عشر من سبتمبر حيال مجموعات الإيغور التي لاحظت تجمعهم في أفغانستان. لكن من غير الواضح ما إذا فعلت طالبان أي شيء حيال تلك الجماعات.

وعبر باحثان سياسيان من سنغافورة وبريطانيا في تقرير لهما نشرته فورين بوليسي عن توقعهما ألا تختلف الصفقة الجديدة التي أبرمتها بكين وطالبان عن سابقتها، الأمر الذي يثير المزيد من المخاوف.

أبوذر عزام: الصين قوة استعمارية جديدة بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان

وقال عبدالباسط الباحث في المركز الدولي لبحوث العنف السياسي والإرهاب التابع لجامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة، ورافايلو بانتوتشي الزميل في معهد رويال يونايتد سيرفيسز البريطاني “هناك سؤال إضافي يتعلق بالعدد الكبير من المواطنين الصينيين الذين يمكن العثور عليهم في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك العديد من رواد الأعمال الجريئين في كابول الذين قد لا يلتزمون بقوانين الشريعة المختلفة التي ستفرضها طالبان. فمن سيضمن سلامتهم؟”.

وأضاف الباحثان “لن يساعد أي من هذا بكين في التغلب على المشكلة الأكبر المتمثلة في الأعداء الحتميين الذين تجذبهم بمجرد حصولك على صفة قوة عظمى”.

وجاء الهجوم الأخير في غوادر في أعقاب مقتل تسعة مهندسين صينيين كانوا يعملون في مشروع داسو للطاقة الكهرومائية في مقاطعة خيبر الباكستانية، وهو هجوم لم يتبناه أحد رسميا.

وبعد وقت قصير من هذا الهجوم، أطلقت مجموعة انفصالية بلوشية مختلفة (جبهة تحرير بلوشستان) النار على مواطنين صينيين وجرح آخر في كراتشي.

وفي مارس أصابت مجموعة انفصالية من السند مواطنا صينيا في هجوم في كراتشي أيضا. وجاء ذلك إثر حادثين مماثلين في ديسمبر.

وتمثّل الحدث الأكثر دراماتيكية في نجاة سفير الصين في باكستان نونغ رونغ، بصعوبة من هجوم حركة طالبان الباكستانية في أبريل الماضي على فندق سيرينا في كويتا.

وتأتي المسؤولية عن هذه القائمة القاتمة من الحوادث من مجموعة متزايدة من الجهات الفاعلة، مما يسلط الضوء على طبيعة المشكلة المتصاعدة التي تواجهها الصين في باكستان.

وكان الهجوم في داسو أكثر هذه الهجمات فاعلية. وقد نسبته المصادر الصينية إلى حركة تركستان الشرقية الإسلامية وهي جماعة يستخدم اسمها في الغالب للإشارة إلى الحزب الإسلامي التركستاني وتعمل في انسجام مع طالبان باكستان.

وانتهزت باكستان والصين الفرصة لإلقاء اللوم على الهند وهو اتهام دائم في الهجمات الإرهابية في باكستان.

شرط بكين للاعتراف بطالبان

الصين تعمل على تطوير علاقتها مع طالبان للتخفيف من مخاوف الهجمات
الصين تعمل على تطوير علاقتها مع طالبان للتخفيف من مخاوف الهجمات

وبشكل رسمي أكثر، يبدو أن بكين وسعت دائرة اللوم خلال زيارة وفد طالبان إلى الصين، حيث طالب وزير الخارجية الصيني وانغ يي طالبان بالابتعاد التام عن حركة تركستان الشرقية الإسلامية، واتخاذ إجراءات ضدها في أفغانستان باعتبارها “تهديدا مباشرا للأمن القومي الصيني”.

وبدا البيان وكأنه يشير إلى شرط لاعتراف بكين بحكومة طالبان أثناء تولي المجموعة السلطة في أفغانستان.

وواصلت بكين التركيز على الحركة باعتبارها مصدر قلق بارز يمكن أن يحاول أن يتجذر، ومن المحتمل أن ينبع من عدم الاستقرار الذي من المرجح أن يتبع سيطرة طالبان، وليس من الواضح مدى ثقة بكين في تأكيدات طالبان بشأن إدارة تهديدات حركة تركستان الشرقية الإسلامية.

لكن الزيادة المفاجئة في الهجمات الإرهابية على المواطنين الصينيين والمشاريع في باكستان تؤكد كيف يتطور التشدد المناهض للصين على خلفية الانسحاب الأميركي من أفغانستان.

الشراكة الاستراتيجية بين بكين وإسلام أباد لم تحد من الهجمات الإرهابية ضد الصينيين في المشاريع الاستثمارية

ويرى الباحثان في تقرير فورين بولسي أن الصين تعمل على تطوير علاقتها مع طالبان جزئيا للتخفيف من هذه المخاوف، لكن المشكلة أكبر بكثير مما يمكن لقادة طالبان السيطرة عليه. ففي السابق كان المجتمع الجهادي متناقضا إلى حد ما بشأن الصين. كما نُقل عن أسامة بن لادن قبل الحادي عشر من سبتمبر قوله إن بكين يمكن أن تكون حليفا استراتيجيا للمجتمع الجهادي نظرا لعدائها الجماعي تجاه الولايات المتحدة. لكن في ذلك الوقت كان يُنظر إلى الصين على أنها دولة نامية. وهي الآن ثاني أكبر اقتصاد في العالم وأصبحت الفاعل الأكثر أهمية في الجوار الأفغاني. ويغير هذا النظرة السائدة عن الصين ويضاعف التوترات.

ويتجلى هذا التوتر بشكل أوضح في باكستان. فعلى الرغم من أن بكين وإسلام أباد صديقان حميمان وشريكان استراتيجيان، إلا أن باكستان كانت على الدوام موقعا لأكبر عدد من الهجمات الإرهابية ضد المواطنين الصينيين من أي بلد آخر.

ويمكن أن يصبح هذا الوضع أسوأ بالنسبة إلى بكين. فعلى مدى العقدين الماضيين أبقى الوجود الأميركي في أفغانستان التهديد الإرهابي من تلك الدولة تحت السيطرة، مما يعني أن الصين لم تكن بحاجة إلى الانشغال كثيرا بالتحديات الأمنية. وتلاشى هذا الحاجز الأمني مع خروج الولايات المتحدة​​، كما اختفى الشيطان الأميركي العظيم المشتت للانتباه من الأراضي الأفغانية.

وسعت الصين لتعزيز دفاعاتها المباشرة مع أفغانستان من خلال بناء قواعد وتقديم الدعم للقوات الطاجيكية والباكستانية على جانبي ممر واخان، إلى جانب بناء قواعدها المباشرة في طاجيكستان وقواعد لقوات الحكومة الأفغانية الوطنية السابقة في بدخشان (قواعد يبقى وضعها الحالي غير معروف، ولكن من المفترض أنها تحت سيطرة طالبان الآن).

وبُذل هذا الجهد المحدود إلى حد ما عندما كانت الولايات المتحدة لا تزال هناك وتقدم تأكيدات نهائية لإبقاء الجماعات المسلحة تحت السيطرة وحتى المساعدة في استهداف الجماعات المعادية للصين. وفي فبراير 2018 استهدف الجيش الأميركي سلسلة من المعسكرات في بدخشان التي كانت تستخدمها حركة تركستان الشرقية الإسلامية.

غضب الجهاديين من بكين

خطر أن يعمل الصيني في باكستان
خطر أن يعمل الصيني في باكستان

ويمكن أن تتفاقم مشكلة الصين. فبينما كانت الولايات المتحدة في الطرف المتلقي للهجمات الجهادية للتدخل في أفغانستان، ولما كان يُنظر إليها على أنه حملة صليبية أوسع ضد المسلمين نتيجة للحرب العالمية على الإرهاب، فإن الصين تواجه غضب الجهاديين والجماعات العرقية الانفصالية في المنطقة.

وتنظر الجماعات السندية والبلوشية الانفصالية العرقية إلى الصين على أنها قوة استعمارية جديدة تغتصب مواردها وتتشارك مع خصمها الأساسي، الدولة الباكستانية، لتفاقم وضعها الاجتماعي والاقتصادي المتردي بالفعل.

وبرز ذلك في إعلان جبهة تحرير بلوشستان مسؤوليتها عن إطلاق النار على المواطنين الصينيين في كراتشي “تحت غطاء مشاريع التنمية، لا تتواطأ الصين مع الدولة الباكستانية في نهب الموارد البلوشية فقط، ولكنها تساعد في اضطهاد البلوش أيضا”.

وكانت الجماعات الجهادية أقل تركيزا في غضبها تجاه الصين، واستمرت في رؤية الولايات المتحدة والغرب على أنهما خصومهما الخارجيان الأساسيان. لكن هناك ارتفاع ملموس في روايات الدعاية الموجهة نحو الصين في الوقت نفسه. وغالبا ما يرتبط هذا باضطهاد بكين لمجتمع الإيغور المسلم المحاصر في منطقة شينجيانغ الصينية.

ويربط منظرو الأيديولوجيات الصاعدون مثل المفتي أبوذر عزام، وهو في الأصل من ميانمار لكنه قيادي اليوم في حركة طالبان الباكستانية، هذه الروايات ببعضها البعض. ومنذ 2015، كان الخطيب المثير للجدل يصور الصين باعتبارها القوة الاستعمارية الجديدة التالية بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان. وقال لأتباعه في بيان “على المجاهدين أن يعلموا أن العدو القادم للأمة هو الصين التي تطور أسلحتها يوما بعد يوم لمحاربة المسلمين”. وفي مقطع فيديو آخر قال إنه بعد “انتصار طالبان في أفغانستان (…) سيكون هدفنا التالي هو الصين”.

وانغ يي: على طالبان الابتعاد التام عن حركة تركستان الشرقية الإسلامية

وجذب خطابه المناهض للصين، الذي يجمع بين روايات الاستعمار الصيني (في موطنه الأصلي ميانمار وكذلك شينجيانغ) مع روايات عن اضطهاد المسلمين، انتباه الجهاديين إلى بكين.

وامتدت أصداء هذه المشاعر أيضا بين بعض الجماعات الجهادية الإندونيسية وبين القوميين المتطرفين في آسيا الوسطى.

ولطالما كانت شينجيانغ نقطة نقاش للمجتمع الجهادي العالمي، لكن المجتمع لم يخصص موارد لفعل أي شيء حيال ذلك. وفي حين أنه لا يزال من غير الواضح أن هذا قد تغير، إلا أن المُلاحظ هو أن السرد يزداد حدة وأن قضية الإيغور لم تعد هي القضية الهامشية التي كانت عليها من قبل مع إشادة الفصائل الجهادية بانتظام بمقاتلي الإيغور لشجاعتهم في المعركة.

وبالنسبة إلى دولة مثل باكستان، التي تشترك في حدود مباشرة مع شينجيانغ، كان رئيس الوزراء عمران خان يدافع بانتظام عن معاملة الصين للأقلية المسلمة. وامتد هذا إلى عدم تقديم الحماية لمجتمع الإيغور المقيم في باكستان والذي وقع في مرمى الصين. وهذا ما يزيد من حدة الغضب الذي يشعر به الجهاديون ضد الدولة الباكستانية. ومع ذلك فإن مهاجمة الصين في شينجيانغ أو في أي مكان آخر في البر الرئيسي يعد أمرا صعبا بالنسبة إلى هذه الجماعات.

وعلى النقيض من ذلك يقدم الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان (وهو عبارة عن شبكة من الطرق السريعة والسكك الحديدية ومشاريع الطاقة وغيرها) لهذه المجموعات فرصا عديدة لإلحاق الأذى ببكين والحكومة الباكستانية.

وأصبح الاستثمار الصيني في باكستان نوعا من الركيزة اللينة لبكين. ففي مرحلته التالية المخطط لها، سينتشر الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني بشكل أكبر عبر باكستان. وإلى جانب مشاريع الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني الرسمية، هناك عدد متزايد من الأهداف الصينية المحتملة في البلاد، وهم الآلاف من المسافرين ورجال الأعمال الأفراد الذين يستفيدون من الوصول السلس إلى تأشيرة الدخول إلى باكستان للبحث عن فرص.

وسيؤدي هذا إلى توسيع الأهداف الصينية المحتملة للجماعات الإرهابية الباكستانية إلى حد كبير، ويعقد جهود الحكومة الباكستانية لتوفير الحماية. ومن المرجح أن يعاني المزيد من الصينيين والباكستانيين.

وتكمن مشكلة بكين في أن الأهداف الصينية في باكستان وأفغانستان وخارجها ستصبح جذابة بشكل متزايد.

ويعتبر هذا جزئيا نتاج الوجود المتزايد للصين وتحالفها مع حكومة إسلام أباد التي تعاني من عدد كبير من الأعداء على الأرض، ولكن أيضا بسبب أهمية الصين المتزايدة على المستوى العالمي.

وتسعى الجماعات الإرهابية في نهاية المطاف إلى إيصال رسالة سياسية للفت الانتباه إلى قضيتها، وتبقى أعمال العنف هي الأداة التي تستخدمها لتحقيق ذلك. ويساعد كل هجوم في الترويج لرسائلها، والتجنيد، وجمع الأموال. ويضمن الجهاديون والانفصاليون العرقيون والجماعات الإرهابية الأخرى هذا الاهتمام بشكل متزايد من خلال استهداف الصين التي أصبحت الآن ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وتكتشف بكين أن التحول إلى قوة عظمى ينطوي على مخاطر كبيرة أيضا.

7