قمع واعتقالات: ماذا يجري تحت سلطة عباس

الأراضي الفلسطينية تعيش منذ قرار تأجيل الانتخابات التشريعية والرئاسية على وقع احتجاجات شبه يومية للتنديد بالسياسات التي تتبعها السلطة عبر أجهزتها المختلفة لـ"كتم الأصوات" المناهضة لعباس.
الأربعاء 2021/08/25
عاصفة لا تهدأ

رام الله - لم تتوقف الاحتجاجات في رام الله التي تعد مقرا رئيسيا للسلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس في وقت تزايدت فيه الضغوط الغربية على السلطة على خلفية الاعتقالات وحملة القمع واسعة النطاق ضد الناشطين السياسيين. ولم تهدأ عاصفة الاحتجاجات منذ مقتل الناشط والمعارض السياسي نزار بنات على أيدي أجهزة الأمن في الرابع والعشرين من يونيو الماضي.

وتهدد تلك التطورات الداخلية بتزايد حالة الاحتقان الشعبي على خلفية حملة الاعتقالات والقمع بحق الناشطين الذين يرفضون التعامل الأمني العنيف لكتم أصوات المناوئين لسلطة عباس.

ويواجه رئيس السلطة الفلسطينية تحديات كبيرة لاحتواء تصاعد الاحتجاجات الشعبية التي يقودها نشطاء في مؤسسات حقوقية محلية يؤكدون تعرضهم للاعتداءات والانتهاكات على أيدي الأجهزة الأمنية التي تقع تحت إشراف مباشر من الرئيس الفلسطيني.

وفاقم تدهور الاقتصاد في مناطق السلطة الفلسطينية توتر الأوضاع، بالإضافة إلى سوء إدارة الأزمة الناجمة عن مقتل الناشط نزار بنات. كما أن الاحتقان تصاعد أيضا في الأراضي الفلسطينية على خلفية تأجيل الانتخابات العامة إلى أجل غير محدد.

جهاد حرب: السلطة الفلسطينية لم تأخذ العبر والدروس من قمع المحتجين

وتواجه السلطة الفلسطينية انتقادات لاذعة من جهات حقوقية وأهلية محلية ودولية على حد سواء على خلفية عمليات القمع ضد المتظاهرين، بالإضافة إلى فقدان مصداقية أجهزتها المختلفة بعد الأحداث التي بدأت في الرابع والعشرين من يونيو الماضي.

وحذرت أكثر من عشرين مؤسسة حقوقية وأهلية فلسطينية في بيان مشترك من استمرار “حالة التردي في حقوق الإنسان والحريات والقمع”، وحملت رئيس الوزراء محمد اشتية المسؤولية نظرا لـ”تقاعسه عن حماية حقوق المواطنين”.

وقالت تلك المؤسسات الحقوقية في “ورقة موقف” نشرها الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة “أمان”، إن “استمرار السلطة الفلسطينية في سياسة القمع من خلال أجهزتها الأمنية يظهر بوضوح حجم السقوط نحو الاستبداد والسلطوية، نتيجة التفرد في الحكم واختطاف مؤسسات الدولة لصالح أفراد متنفذين فيها”.

وتعيش الأراضي الفلسطينية منذ قرار تأجيل الانتخابات التشريعية والرئاسية في أواخر أبريل الماضي على وقع احتجاجات شبه يومية للتنديد بالسياسات التي تتبعها السلطة عبر أجهزتها المختلفة لـ”كتم الأصوات” المناهضة لعباس والتي تطالبه بالرحيل عن الحكم.

وكان الفلسطينيون يأملون في إحداث تغيير سياسي عبر الانتخابات لإنهاء حالة الانسداد في ملف المصالحة بين حركتي فتح وحماس، والبحث عن بديل يعيد الحركية والفاعلية إلى المشهد السياسي المتعثر منذ سنوات.

ويقول مراقبون إن عباس أمر بتأجيل الانتخابات لإنقاذ سلطته بعد التأكد من فقدان شعبيته ووجود انقسام كبير داخل حركة فتح، حيث أظهرت استطلاعات للرأي أن شعبية الرئيس الفلسطيني في حال ترشح للانتخابات الرئاسية كانت ستسجل أدنى مستويات مقابل أي شخصيات سياسية فاعلة أخرى.

وشكلت حادثة وفاة نزار بنات، وهو ناشط حقوقي ومعارض لسياسات السلطة الفلسطينية وكان مرشحا عن قائمة مستقلة للانتخابات التشريعية، نقطة انطلاق موجة غضب واسعة ضد الأجهزة الأمنية والرئيس عباس الذي يتولى الحكم منذ 16 عاما.

Thumbnail

ويقول الكاتب والمحلل السياسي جهاد حرب إن السلطة الفلسطينية لم تأخذ العبر والدروس من قمع المحتجين، وقال في تصريحات نشرتها إذاعة محلية إن “السلطة ومؤسساتها كانتا تعتقدان أنه بالقوة يمكن تهجين الشعب الفلسطيني، وأن قمع الاحتجاجات على السياسات العامة للسلطة يمكن أن يقوي ويعزز من شرعية قوتهما”.

ويضيف حرب أن “الاحتقان سيزداد والغضب سوف ينفجر، والانفجار يعني الذهاب إلى العنف بكافة أشكاله، وهذا سيقلص من شرعية السلطة الفلسطينية”. واعتبر أن الإجراءات التي اتخذتها السلطة الفلسطينية “ستزيد من حدة انخفاض ثقة الجمهور الفلسطيني بمؤسسات السلطة”.

ووجهت كل من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي انتقادات إلى السلطة الفلسطينية على خلفية الانتهاكات التي يتعرض لها النشطاء في الأراضي الفلسطينية خاصة في ضوء الاعتقالات التي تمت في رام الله يومي الحادي والعشرين والثاني والعشرين من أغسطس الجاري.

وتمنع الأجهزة الأمنية تنظيم أي مظاهرات احتجاجية في الأراضي الفلسطينية. وسجلت آخر عملية منع يوم الحادي والعشرين من أغسطس الجاري بعد تنظيم مظاهرة في رام الله تطالب بمحاسبة المسؤولين عن مقتل الناشط نزار بنات. وعملت السلطة الفلسطينية وجهازها الحكومي طوال الشهرين الماضيين على الترويج بأن “الأزمة انتهت”، لكنها حتى اللحظة لم تقدم الجناة المسؤولين عن واقعة مقتل بنات إلى العدالة، حسب ما يؤكد النشطاء.

والثلاثاء أعرب مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في بيان عن “قلقه العميق إزاء استمرار الضغط على أولئك الذين يسعون لممارسة حقوقهم في حرية التعبير والتجمع في فلسطين”، مشيرا إلى اعتقال 23 شخصا في رام الله على أساس أنهم “كانوا ينظمون احتجاجا عاما”، لكنه تم اعتقال 21 منهم قبل بدء أي احتجاج.

كما ندد بيان صادر عن ممثل الاتحاد الأوروبي في القدس بالاعتقالات التي وقعت في نهاية الأسبوع، مشيرا إلى أن التنديد جاء “على خلفية تقارير عن تزايد الاعتقالات ذات الدوافع السياسية على ما يبدو من قبل السلطة الفلسطينية خلال الأشهر القليلة الماضية”. وأكد الاتحاد الأوروبي أن “العنف ضد المدافعين عن حقوق الإنسان السلميين والنشطاء والمتظاهرين غير مقبول”. وتكشف استطلاعات الرأي الفلسطينية انخفاض التأييد للسلطة والرئيس عباس في أوساط الفلسطينيين العاديين.

ولم يفلح إعلان السلطة فتح تحقيق في حادثة مقتل الناشط نزار بنات في امتصاص غضب المعارضين الذين يعتبرون أن حكم عباس ينزع إلى الاستبداد على نحو متزايد. وتقول جماعات حقوق الإنسان إن عباس دأب على اعتقال معارضيه وإنه يستمر في رئاسة السلطة الفلسطينية بموجب مرسوم. وترفض السلطة الفلسطينية الاتهامات بأنها تنفذ اعتقالات على خلفية الآراء السياسية.

وقالت منظمة العفو الدولية في يوليو الماضي إن التوترات تصاعدت منذ وفاة الناشط نزار بنات وأن “السلطة الفلسطينية شنت حملة مروعة لقمع الاحتجاجات السلمية باستخدام القوة غير القانونية، مستهدفة الصحافيين ونشطاء المجتمع المدني والمحامين بالاعتقالات التعسفية، بينما خضع المعتقلون لعمليات التعذيب”.

Thumbnail
7