تجارة الخردة في الضفة تلوث وسحب لا تنتهي من الدخان

تعد الخردة مصدر رزق لكثير من العائلات في الضفة الغربية، لكن أضرارها أصبحت خطيرة على مدن مثل الخليل فحرق الكبلات والأجهزة لاستخراج المعادن يشكل خطرا بيئيا على السكان والزراعة والحيوانات، لذلك قامت جمعية نقاء التعاونية ببعث أول مصنع لتدوير هذه النفايات ومعالجتها بطريقة آمنة وصديقة للبيئة.
الخليل (الضفة الغربية)- قبل عشرين عاما لم يكن العمل في قطاع تجارة الخردة شائعا في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لكنه اليوم بات مصدر رزق للآلاف من الأسر ويشكل أحد الصادرات وجزءا أساسيا من اقتصاد بعض البلدات.
وتقوم تجارة الخردة على تفكيك الأجهزة الكهربائية والإلكترونية والمحركات وفرز المعادن منها أو تجميع الحديد التالف، وبيعه لإسرائيل أو الخارج.
وشكلت طريقة فرز واستخراج المعادن مشكلة حقيقية للفلسطينيين خلال السنوات الأخيرة، بسبب لجوء كثيرين إلى حرق الكوابل والأجهزة لاستخراج تلك المعادن، وهو ما يؤدي إلى تشكّل سحب لا تنتهي من الدخان الأسود.
وأثارت الظاهرة قلق السكان بسبب تأثيراتها السلبية على الإنسان والبيئة والثروة الحيوانية، ما دفع ببعض العاملين في هذا القطاع وناشطين إلى تأسيس “جمعية نقاء التعاونية” التي قامت بدورها بتأسيس أول مصنع لمعالجة الخردة بطريقة آمنة وصديقة للبيئة، لكنه في طور البداية ولا يفي بحاجة السوق.

عبدالرحمن الطميزي: المركز يهدف إلى التخلص من حرق مخلفات الإلكترونيات والكوابل
وتعد إسرائيل المصدر الأول للخردة في الأراضي المحتلة، وأغلبها تصل بطرق غير قانونية، ما جعل بعض مناطق الضفة “مكبا للنفايات الإسرائيلية ومنها الخطرة”، وفق عاملين في هذا القطاع.
وتعالَج أغلب الخردة في ورش عائلية، وتختلف طرق الحصول عليها، ما شكل عبئا على الجهات الرسمية من حيث حصر حجم هذه التجارة ومردودها. ووفق مركز المعلومات الوطني الفلسطيني (حكومي) فإن تجارة الخردة بدأت عام 2000، ثم أخذت في الاتساع.
ووفق المصدر نفسه، فإن محافظة الخليل (جنوب) تستأثر بنسبة 40 في المئة من حجم هذه التجارة، التي شكلت 60 في المئة من اقتصاد بلدة “إذنا” غرب المدينة في 2014. ووفق معطيات لوزارة الاقتصاد، شكلت الصادرات الفلسطينية المرصودة من الخردة قرابة 3.3 في المئة، أي 41 مليون دولار، من بين السلع التي تم تصديرها عام 2018.
ويرأس عبدالرحمن الطميزي “جمعية نقاء التعاونية لمعالجة المخلفات الإلكترونية” والتي جرى تسجيلها عام 2019 لغرض البحث عن حلول آمنة لمشاكل الخردة. ويقول الطميزي إن الدافع وراء إنشاء الجمعية “المشاكل التي يتسبب بها حرق الكوابل” لاستخلاص النحاس.
ويضيف “الجمعية تم تأسيسها وإنشاؤها حديثا، وتضم عاملين في هذا القطاع ومؤسسات من المجتمع المدني”. ويتابع أن الجمعية أطلقت “المركز الفلسطيني ـ الأوروبي لمعالجة المخلفات الإلكترونية”، مبينا أنه “الأول من نوعه على مستوى الوطن … ويهدف إلى التخلص من حرق مخلفات الإلكترونيات والكوابل”.
ويذكر أن منطقة جنوب وغرب الخليل تعاني بشكل كبير من حرق المخلفات، ويجري في المصنع التخلص من الكوابل وإعادة تدوير بعض الأجهزة الإلكترونية دون حرقها.
ويوضح عضو جمعية “نقاء”، المشرف على المصنع مازن اسليمية، أن تجارة الخردة تتركز في منطقتين، غرب الخليل (جنوب)، وطولكرم (شمال). ويضيف “في 2003 بدأ شغل الخردة ينتشر بشكل واسع”، موضحا أن “70 في المئة من الخردة تأتي من إسرائيل وخاصة الأجهزة الكهربائية والإلكترونية ثم السيارات التالفة”.
وثمة حوالي 170 ورشة صغيرة ومتوسطة وكبيرة تنتشر في 4 قرى على امتداد خطة الهدنة (بين إسرائيل والأراضي المحتلة عام 1967) جنوبي الضفة، حيث تجري معالجة الخردة وفرز الأجهزة الكهربائية والإلكترونية، حسب اسليمية.
ويوضح أن دراسة شارك في إعدادها أجريت عام 2017، تفيد بأن قرابة 2500 عائلة فلسطينية من قرى “إذنا” و”الكوم” و”دير سامت” و”بيت عوا” غربي الخليل تستفيد من هذا القطاع بشكل مباشر.
وتكشف الدراسة، حسب اسليمية، أن أغلب العاملين في هذا القطاع من حملة الشهادات الجامعية، ويتقاضون يوميا بين 150 و300 شيكل (46 ـ 108 دولارات). أما عن مصدر الخردة، فيشير إلى أن قسما ضئيلا يجمعه متجولون داخل الضفة، والجزء الأكبر يأتي من إسرائيل، أغلبه بطرق غير قانونية.
ويبين أن نحو 200 شاحنة، تحمل أجهزة كهربائية وإلكترونية تصل يوميا إلى القرى الأربع، إضافة إلى ما بين 20 و30 شاحنة محملة بمحركات السيارات لغرض التفكيك، حمولة الواحدة لا تقل عن 15 طنا “ما حول القرى الفلسطينية إلى مكب للنفايات الإسرائيلية”.
ويشير اسليمية إلى وجود مواد خطرة ناتجة عن معالجة وفرز الخردة أبرزها الرصاص والزنك والزيوت، فضلا عن أضرار حرق الكوابل ودخولها بشكل يتنافى مع اتفاقية “بازل” التي تضع قيودا على نقل المخلفات الخطرة.
ووقعت اتفاقية بازل بشأن التحكم في نقل النفايات في جنيف بسويسرا عام 1989، وفلسطين عضو فيها منذ عام 2015. وتحظر الاتفاقية نقل أي نفايات خطرة أو أخرى من منطقة خاضعة لدولة إلى دولة أخرى، دون موافقة خطية، لكن إسرائيل لا تأبه بهذه الاتفاقية، بحسب اسليمية.
جمعية نقاء تبعث مصنعا يجري فيه تدوير بعض الأجهزة الإلكترونية دون حرقها
ويقول الناشط الفلسطيني إن جمعية “نقاء” تشكل محاولة للتخلص من التأثيرات السابقة، لكنها في البداية، وتعتمد بشكل أكبر على استخلاص النحاس من الكوابل.
ويضيف أن الحاجة ماسة إلى المزيد من المعدات المتطورة التي تساعد على التفكيك والفرز الآمن للمعدات الثقيلة وخاصة المحركات، مشيرا إلى جاهزية المصنع من حيث البنية التحتية.
والأربعيني عودة اسليمية واحد من المئات من المزارعين الذين تضرروا من سياسة الحرق لاستخراج المعادن. ويقول للأناضول إنه يملك أرضا بالمنطقة “ج” بمحاذاة جدار العزل الإسرائيلي، حيث تجري منذ سنوات أوسع عمليات حرق بسبب بعد المنطقة عن السيطرة الفلسطينية.
ويضيف أنه ضاق ذرعا بالحرق “فتحول شجر الزيتون إلى السواد، وتدنت نسبة إنتاجه من الزيت، وعزف الناس عن الزراعة”. ويوضح المزارع الذي يعمل حاليا في المصنع المستحدث، أن كل 100 كيلوغرام من ثمار الزيتون في الأرض المحاذية لمكان الحرق تنتج سبعة كيلوغرامات فقط من الزيت، مقابل 19 في مناطق أخرى آمنة.
ويلفت إلى أن المعاناة تكون مضاعفة بموسم القطاف ، قائلا “السواد يظلل الشجر، ووجوهنا نحن والأبناء والعائلات تصبح سوداء من مخلفات الحرق”.