روسيا وأفغانستان: صناعة السلام أم حراسة الحلفاء

انفتاح موسكو على طالبان يؤهلها للعب دور فعال في الأزمة الأفغانية.
السبت 2021/08/21
تحرك روسي لا يخفي المخاوف من المتشددين

ينظر الكرملين إلى الملف الأفغاني الشائك مع صعود طالبان إلى الحكم على أنه فرصة موسكو لصنع السلام “الغائب” عن أفغانستان منذ عشرين عاما، ومناسبة مهمة لاستعادة النفوذ من الخصم التقليدي الولايات المتحدة، بالإضافة إلى وقف أي تهديد محتمل لحلفائها في آسيا الوسطى.

موسكو - تلعب روسيا دور “الحارس الأمين” لأمن الحلفاء في آسيا الوسطى والوسيط القادر على قلب المعادلة بين الفرقاء الأفغان، لكن جوهر العلاقة مع طالبان والانفتاح عليها لا يقلل من فرضيات الصدام.

تنظر موسكو إلى أفغانستان من منظور علاقاتها المتوترة مع الولايات المتحدة والهزيمة القاسية التي تعرض لها منافسها الأكبر في العالم، بعد انسحابها من “مقبرة الإمبراطوريات”، على الرغم من تجاربهما القاسية في البلد الآسيوي.

وبرزت أفغانستان على أنها ساحة مبارزة بين القوتين الكبيرتين المتنافستين على أكثر من ملف وقضية حول العالم. وتبادل الطرفان الاتهامات المباشرة وغير المباشرة حول الملف الأفغاني، منذ إعلان إدارة الرئيس جو بايدن الانسحاب في مايو، مرورا ببدء تنفيذ الخطة الأميركية، ووصولا إلى سيطرة طالبان على الحكم.

آنا بورشيفسكايا: موسكو الآن في وضع أفضل للعب دور صانع السلام في أفغانستان

ويرى محللون أن الموقف الروسي لا يزال معقدا بالنظر إلى التفاعلات الجارية في أفغانستان، لكنه يسلط الضوء على الأولويات الروسية المناهضة للولايات المتحدة.

ولا تخفي موسكو قلقها من التطورات الأفغانية، لكنها سارعت على غرار الدول الإقليمية الفاعلة في الملف الأفغاني إلى استكشاف مواقف طالبان وخططها المستقبلية حتى قبل سيطرة الحركة المتشددة على أفغانستان بشكل كامل.

وبات القلق الروسي ينصب أكثر على البلدان الحليفة لموسكو وتأثيرات الأزمة الأفغانية عليها، بالإضافة إلى طبيعة الانتشار الأميركي في بلدان آسيا الوسطى، الفناء الخلفي لروسيا. ويقول مراقبون إن روسيا مدعوة إلى الانخراط أكثر في رعاية الحوار بين الفرقاء خاصة في ظل تعدد المتدخلين الإقليميين في الأزمة الأفغانية.

سيطر خطاب التهدئة على تصريحات الدبلوماسية الروسية منذ سقوط كابول وقبله، وسط دعوات متكررة إلى ضرورة إجراء حوار وطني يفضي إلى “تشكيل حكومة تمثيلية” بين طالبان وباقي الفرقاء الأفغان. وعبرت موسكو على لسان وزير خارجيتها سيرجي لافروف عن هذا الأمر حين تحدث أن بلاده كانت تصرّ منذ البداية على آلية تسمح بتشكيل حكومة لها صفة تمثيلية لإنهاء النزاع الأفغاني قبل سيطرة طالبان.

ودعمت روسيا مبادرة قدمها الرئيس الأفغاني السابق حميد كرزاي وأطلقت تصريحات مطمئنة تنم عن انفتاح تجاه طالبان، رغم أنها تصنفها حركة إرهابية. والتقت بمسؤولين من الحركة قبل سيطرتهم على العاصمة الأفغانية.

وتقول آنا بورشيفسكايا، وهي باحثة في معهد واشنطن تركز على سياسة روسيا تجاه الشرق الأوسط، “إن قرار بايدن الانسحاب من أفغانستان هو خطأ أخلاقي واستراتيجي كارثي سيحدد إرثه، لكنه سيعقّد من تركيزه على منافسة القوى الكبرى الأخرى على غرار الصين وروسيا”.

في أكتوبر من العام الماضي اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الوجود الأميركي في أفغانستان لا يتعارض مع المصالح الروسية الوطنية، لكنه أوضح أن الانسحاب من هذا البلد يثير العديد من المخاطر بالنسبة إلى روسيا.

Thumbnail

ووصف وزير الخارجية الروسي خلال الشهر الماضي حركة طالبان بأنهم أشخاص “عاقلون”، حيث قالوا إنهم لا يعتزمون خلق مشاكل في آسيا وسيحاربون داعش “بلا هوادة”. تلك التصريحات لا تبدو أنها مطمئنة للروس رغم مراقبتهم الدقيقة لكل التطورات الأفغانية الحالية.

ولا يرى نائب رئيس مجلس الاتحاد الروسي قسطنطين كوساتشيف سوى خبر واحد سار من أفغانستان وهو أن الولايات المتحدة ليست لديها “أي أسباب للمطالبة بالقيادة في ما يتعلق بالتسوية الأفغانية”.

وتعتقد موسكو أن الوجود الأميركي في آسيا الوسطى خارج أفغانستان سيجعل حلفاءها “رهائن للسياسة الأميركية”، ولم تتوان عن إطلاق تحذيرات لواشنطن من نشر قوات أميركية في الفناء الخلفي لموسكو.

ولم يتحدث الرئيس الروسي علنا عن الأزمة منذ أن أعلن نظيره الأميركي بايدن عن الانسحاب من أفغانستان، لكنه التقى بزعماء آسيا الوسطى وعقد تدريبات عسكرية على الحدود الأفغانية.

وتقول آنا بورشيفسكايا “صحيح أن بوتين دعم الغزو الأميركي لأفغانستان منذ البداية، لكن دعمه كان مشروطا في نهاية المطاف”. وأشارت إلى عمل روسيا على ممارسة ضغوط في العام 2009 على قيرغيزستان لإغلاق قاعدة ماناس الجوية التي كانت تؤجرها للولايات المتحدة.

وأوضحت في تحليل نشره معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، أن “الوجود الأميركي في آسيا الوسطى كان سببا في قلق موسكو على الأقل بقدر التهديد الذي تشكله حركة طالبان”.

ويعد وجود قواعد عسكرية أميركية في منطقة آسيا الوسطى “نقطة ضعف” روسيا التاريخية، حيث عملت على مدار السنوات الماضية على بناء نفوذ في أفغانستان ليس فقط لاعتبارات أمنية، ولكن بهدف “إضعاف الغرب وحلف شمال الأطلسي”، حسب ما ترى بورشيفسكايا.

وتوجد أكبر قاعدة عسكرية روسية في الخارج بطاجيكستان قرب الحدود الأفغانية وتضم نحو ستة آلاف جندي ودبابات وحاملات أفراد مدرعة وطائرات مسيرة وهليكوبتر. ولديها أيضا قاعدة جوية في قرغيزستان المجاورة.

ويثير الوضع الأفغاني قلق روسيا لأنها تعتبر المنطقة، وهي جزء من الاتحاد السوفييتي السابق الذي كان يُدار من موسكو، خاصرتها الدفاعية الجنوبية ونطاق نفوذ قد تنبع منه تهديدات الإسلاميين المتشددين.

وترى بورشيفسكايا أن اعتقاد المسؤولين الروس أن طالبان ستتحول إلى صاحب مصلحة مسؤول هي “مسألة منفصلة” عن التطورات الجارية في أفغانستان.

Thumbnail

ومازالت أفغانستان تمثل ذكريات أليمة في ضمير روسيا القومي بعد أكثر من 30 عاما، عندما أنهى الاتحاد السوفييتي حملته العسكرية هناك عقب مقتل 14 ألفا من مواطنيه.

وكان المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى أفغانستان زامير كابولوف قد صرح الشهر الماضي أنه بفضل الحوار الروسي الذي استمر سنوات عدة مع طالبان وغيرها، تستطيع موسكو الآن “التحدث مع أي من القوات في أفغانستان” على عكس “الغربيين الفاشلين”. ومن المرجح أن يركز الكرملين مجددا على الدبلوماسية وإسقاط القوة العسكرية في المنطقة، وهو ما بدا واضحا في التصريحات المتتالية للمسؤولين الروس.

وتقول بورشيفسكايا إن “موسكو الآن في وضع أفضل للعب دور صانع السلام في أفغانستان، بعد الانسحاب الأميركي”، كما تضيف أن “نفوذ موسكو مثل النفوذ الصيني يمكن أن ينمو ببساطة افتراضيا” في أفغانستان.

7