احتفاء الموالاة والمعارضة في مصر بطالبان

تثمين نصر طالبان يقود إلى المزيد من المغالاة في التوجه نحو التطرف واللجوء إلى توظيف القوة الباطشة في مواجهة الأنظمة الحاكمة كسبيل مضمون يمكن أن يصعد بالإسلاميين إلى قلب السلطة.
الجمعة 2021/08/20
إشادة كبيرة بانتصار طالبان

تحول انتصار طالبان في أفغانستان ودخولها كابول قبل أيام إلى حدث مهمّ على مستوى العالم، فرض نفسه على اهتمامات الناس بحكم تأثيراته المتعددة وعبره ودروسه المتباينة، لكن في مصر أصبح حدثا استثنائيا. فهذه من المرات النادرة التي يجتمع فيها المؤيدون للنظام الحاكم والمعارضون له من القوى الإسلامية على شيء واحد، وهو طالبان التي باتت في خيال كل طرف تمثل قيمة معنوية مهمة.

تختلف تفسيرات وتبريرات فريق المؤيدين عن المعارضين بالطبع، فالأول يحتفي بأهمية الدور الذي يلعبه الجيش المصري في توفير الأمن والاستقرار وصلابة عقيدته الوطنية الواضحة التي فوتت الفرصة على محاولات اختراقه من الداخل وحرف مهمته من جيش نظامي يدافع عن الدولة إلى جيش تنحصر مهمته في مكافحة الإرهاب وجره لشن حروب خارجية في هذا الإطار.

أخفقت هذه المحاولة التي جرت تفاصيلها في العقد الأخير من حكم الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، بعد الغزو الأميركي لأفغانستان في 2001 ثم العراق في 2003، وتأكد أن الجيوش الوطنية لا تغيّر عقائدها القتالية.

تفشيل طالبان لمخططات الولايات المتحدة في أفغانستان سوف يظل نموذجا يدغدغ عواطف المتشددين دون اعتبار للفوارق السياسية والبيئة الاجتماعية والجاهزية العسكرية والتوازنات التي تنطلق منها

تعمدت طبقة الموالاة للنظام المصري الرثاء لحال الجيش الأفغاني الذي أنفقت الولايات المتحدة نحو 88 مليار دولار لتسليحه على مدار عقدين عندما فر من أمام ميليشيات تملك أسلحة بدائية، كشفت عدم وجود قيم وطنية ترغم الجيش للدفاع عن الدولة وهياكلها، وهو ما بذلت المؤسسة العسكرية المصرية جهودا على مدار عقود طويلة لترسيخها وصهر الفوارق بين الطبقات الاجتماعية فيه، والعمل وفقا لتراتبية صارمة تتبعها الجيوش النظامية التي يتم تشكيلها بموجب عقيدة وطنية محددة.

لذلك يعتبر داعمو هذا الاتجاه أن انتصار طالبان عزز مكانة الجيش المصري ومنحه ميزة نسبية جديدة حاول بعض معارضيه طمسها بشتى الطرق من خلال التشكيك في عقيدته العسكرية أو تغييرها بما يجرفها إلى ناحية غير وطنية.

وانتبه إلى هذا الأمر كبار القادة في الجيش المصري مبكرا، بما جعلهم يعيدون بناء قدراته القتالية بأنفسهم ولا يستسلمون لحالة الاسترخاء التي سادت مع إسرائيل عقب توقيع اتفاقية سلام معها منذ حوالي أربعة عقود، ولم ينس هؤلاء أن التحديات الإقليمية المتعاظمة تفرض رفع مستوى نوعية الأسلحة وزيادة الجاهزية القتالية.

ولعل في تصوير المشاهد الجنائزية المتتابعة في الحقيقة وما قدمته السينما والدراما في مصر الكثير من المضامين التي تؤكد العقيدة الوطنية، حيث جسدت المعارك التي دارت بين عناصر من الجيش المصري وقوى إرهابية في سيناء وحصيلتها البالغة من الضحايا، ضباط وجنود، أن الدفاع عن الأرض لا يختلف عن العرض.

أما الفريق الثاني (المعارضون) فقد جاء احتفاء القوى الإسلامية في مصر بانتصار طالبان من وازع ديني حمل رسالة تشبه رد الاعتبار لفكرة الجهاد الشائعة في أدبيات المتطرفين، والتقليل من قيمة استخدام الديمقراطية كوسيلة للوصول إلى الحكم، والتي تبنتها جماعة الإخوان في مصر بغرض التسلل إلى السلطة والسيطرة على مفاصلها.

لجأت بعض الشخصيات المحسوبة على هذا التيار، مثل الناشطة اليمنية توكل كرمان، إلى استخدام إسقاطات سياسية ذات مغزى على الحالة التونسية، إذ انحنت حركة النهضة للإجراءات التي أصدرها الرئيس قيس سعيد وبدت مستسلمة لها، بينما انتصرت طالبان بالقوة على خصومها، الأمر الذي تحول إلى إشادة كبيرة كأن ما حققته الحركة أعاد الاعتبار لكل القوى الإسلامية وعليها أن تمضي في الطريق ذاته.

يقود تثمين نصر طالبان لدى المعارضين أيضا إلى المزيد من المغالاة في التوجه نحو التطرف واللجوء إلى توظيف القوة بكل معانيها الباطشة في مواجهة الأنظمة الحاكمة كسبيل مضمون يمكن أن يصعد بالإسلاميين إلى قلب السلطة.

ويرى هذا الفريق أن كسب المباراة عبر تراكم النقاط لن يكون مفيدا والدليل أن طالبان التي رفعت شعار القوة وطبقتها حققت هدفها في النهاية، وعندما دخلت في مفاوضات مع واشنطن في الدوحة أو قدمت تنازلات لخصومها المعلنين والمستترين قامت بذلك بحكم المواءمات السياسية الضرورية والتقية أو النضج في التعاطي مع التطورات.

انتصار طالبان أعاد الاعتبار لكل القوى الإسلامية

سوف يظل تفشيل طالبان لمخططات الولايات المتحدة في أفغانستان نموذجا يدغدغ عواطف المتشددين دون اعتبار للفوارق السياسية والبيئة الاجتماعية والجاهزية العسكرية والقوى الأمنية المهيمنة والتوازنات التي تنطلق منها، ما يدعم الخطاب الذي يتبنى العنف كأداة للوصول إلى الحكم ويزيد من احتمالات اتساع نطاق الإرهاب.

ويوفر المؤيدون دعما جديدا للمؤسسة العسكرية المصرية التي تلعب دورا كبيرا في الكثير من مناحي الحياة المدنية يثير تحفظات البعض، ومن المرجح أن تتراجع ملامح التحفظات أمام الدور الوطني الذي تقوم به هذه المؤسسة في الدفاع عن الدولة ومؤسساتها والمخاوف التي تنتاب أي تراجع، فقد بات الجيش الجهة المؤتمنة في نظر الرئيس عبدالفتاح السيسي ويسند إليه جميع المهام الحيوية العسكرية والمدنية.

تستمر حزمة المفارقات والشد في رزمة الحسابات بين المؤيدين والمعارضين في مصر حتى تصل إلى مستوى حاد من التجاذبات، حيث يسعى كل فريق من جانبه لتعزيز مكانته على خلفية النتائج التي حدثت في أفغانستان دون اعتداد بالأجواء العامة التي قادت إلى هذه النتيجة التي لا تزال تنتظرها أطوار غير معروفة، والنظر إليها على أنها قيمة مضافة للرؤى التي تتحكم في توجهات كل فريق.

قلبت طالبان توازنات إقليمية ودولية عديدة، وربما تكون تحولاتها أخطر في مصر والدول التي تعيش ظروفا مماثلة لأن ثمة معطيات يبني عليها المؤيدون والمعارضون مواقفهم وتحركاتهم للاحتفاء بنصر هذه الحركة سوف تنعكس تلقائيا على المجتمع المدني الذي يعاني من اختلالات بنيوية في مصر أرخت بظلال سلبية على دوره المركزي في معادلة الحكم والمعارضة.

أدى غياب أو تغييب المجتمع المدني عن الحياة السياسية إلى نمو تيار المؤيدين للتوسع في دور المؤسسة العسكرية بمصر وطرقها مجالات مختلفة بعيدة عن الأدوار التقليدية للجيوش، لاسيما أن المهام التي توكل إليها تحقق نجاحا لافتا.

وأدى أيضا إلى تزايد دور القوى المتشددة التي قد يحدوها الأمل في الحصول على دعم جديد من الخارج لمقاومة أجهزة السلطة الحاكمة بعد أن تكبدت خسائر كبيرة في العامين الأخيرين على يد الجيش المصري، ومن هنا يمكن فهم القسمات الواضحة لحالة السعادة الطاغية بحركة طالبان بين الموالاة والمعارضة في مصر.

9