جائحة كورونا تغير مفاهيم الأطعمة الفاخرة

مطاعم فخمة تودع الكافيار وأرجل الضفادع لصالح وجبات محلية.
الخميس 2021/08/19
وجبة في متناول الجميع

غيرت جائحة كورونا الكثير من المفاهيم والعادات والتقاليد، من ذلك الأكل فأصبحت المطاعم الفخمة تقدم الوجبات المحلية بدل الأطباق الفخمة التي لا يقبل عليها إلا الأثرياء بسبب غلاء ثمنها لأن أغلب الزبائن أصبحوا يفضلون شراء وجبات جاهزة والمغادرة خوفا من العدوى.

برلين – غيرت جائحة كورونا كل جوانب الحياة التي نعرفها، بما في ذلك طرق تناولنا للطعام. وإثر إغلاق المطاعم أبوابها لأشهر متواصلة صارت عبوات الوجبات الكبيرة والجاهزة التي يحملها العاملون في خدمة توصيل الطلبات إلى المنازل من المناظر المألوفة في الكثير من المدن الكبرى.

ومع دخول فصل الصيف وتراجع معدلات العدوى بفايروس كورونا بدأت دول كثيرة تسمح بتناول الأطعمة في الخارج، ولكن بشكل حذر، وذلك بالتزامن مع التفكير في السماح لاحقا بتناول الوجبات داخل المطاعم، على أن يكون ذلك مقتصرا على الأشخاص الذين حصلوا على اللقاح أو كانت نتائج اختباراتهم سلبية أو الذين تعافوا من المرض.

غير أنه لا يشعر كل فرد بالارتياح إزاء العودة إلى أسلوب الحياة المعتاد، لذلك استمرت طوابير الأشخاص الذين يفضلون الحصول على الوجبات وأخذها معهم بدلا من تناولها داخل المطاعم، وحتى قطاع الأطعمة ذات المستوى الرفيع بدأ يتبنى هذا التوجّه.

وعلى سبيل المثال نجد أن فندق أدلون الشهير في برلين، الكائن بالقرب من بوابة براندنبرجر المعروفة على المستوى العالمي، افتتح منصة لبيع أنواع فاخرة من المأكولات المحلية المفضلة التي يأخذها الزبائن معهم، وتشمل بيع شطيرة الكباب بالفطر نظير تسعة يورو ، أو الفطيرة الشهية المحشوة باللحم أو الخضروات والكاري مقابل سبعة يورو، أو “طبق قطع نقانق أدلون” المطهية على البخار والمغطاة بالصوص والكاتشب مقابل ستة يورو.

أطعمة فاخرة أصبحت من الماضي بسبب انتقادات منظمات رعاية الحيوان، بينما أدت الجائحة إلى زيادة تقدير الأطعمة المحلية
أطعمة فاخرة أصبحت من الماضي بسبب انتقادات منظمات رعاية الحيوان، بينما أدت الجائحة إلى زيادة تقدير الأطعمة المحلية

وفي لندن نجد أن الفنادق رفيعة المستوى بدأت تغير مفاهيمها، وأحدها سافوي الكائن في منطقة كوفنت غاردن الشهيرة بمقاصد التسوق والترفيه، والذي يقدم عروض شاي ما بعد العصر الراقية والخاصة به لشخصين بأسعار تبدأ من 130 جنيها إسترلينيا (180 دولارا)، مقابل تعبئة الطلبات وتوصيلها. كما أن مقهى ومطعم ويلسلي الشهير الكائن بمنطقة مايفير الراقية لجأ إلى بيع الطلبات التي يصطحبها الزبائن معهم من أجل تنشيط المبيعات خلال فترة الإغلاق الطويلة.

ومع ذلك يبدو أن جائحة كورونا أدت فقط إلى دفع تطور كان في طريقه إلى الظهور منذ فترة طويلة، فالمطبخ الراقي ذو الأطعمة الفاخرة ظل لفترة طويلة مخصصا لطبقة ثرية وحصرية للغاية، ولكنه صار يتطلع إلى اجتذاب مجموعة أوسع من الزبائن من محبي الأطعمة.

وعلى مدى عقود ظل تناول طعام العشاء ذي المستوى الرفيع مرتبطا في العادة بالمطبخ الفرنسي الذي يقدم أساسا أطباقا من اللحوم المتنوعة، بدءا من لحم البقر المفروم المتبل بالبهارات إلى الكافيار والمحار، مع ضرورة ارتداء ملابس أنيقة وعدم الدخول بالجينز واتباع نظام إتيكيت صارم.

وكما هو الحال في فندق أدلون أصبحت مطاعم كثيرة راقية الآن تضيف خيارات ذات مستوى أقل، سواء في ما يتعلق بنوعية الأطباق أو ما يتصل بأجواء تناول الطعام.

وفي ميونخ يقوم مطعم تانتريس بإجراء عملية تجديد وتطوير، وهو أحد أول المطاعم في ألمانيا التي حصلت على نجمة ميشيلان المميزة للمطاعم الراقية منذ نحو 50 عاما. ومن المقرر أن يستضيف المبنى الأسطوري للمطعم -الذي يعود إلى فترة السبعينات من القرن الماضي، وصممه المعماري جوستوس داهينتن- أيضا مطعما جديدا يقدم أطباقا حسب الطلب ويسمى “تانتريس دي.إن أيه”، إلى جانب حانة تانتريس.

لا فخامة مع كورونا
لا فخامة مع كورونا

كما دخلت قوائم الطعام حيز التغيير، ويقدم أدلون أيضا على أعلى قائمة خيارات الأطعمة التي يصطحبها الزبائن ما يسمى “الأطعمة التقليدية

الجديدة” في بهو الفندق، مثل شطائر الكباب (19 يورو) وفطيرة اللحم والتوابل (17 يورو). وبالنسبة إلى الحلوى يستطيع الضيوف تذوق “برلينر لوف” وهو حلوى الآيس كريم.

ومن ناحية أخرى أعطى مطعم “نوبل هارت آند شموتزيج” -الكائن بحي كروزبرج في برلين، والذي يمثل الاتجاهات الشبابية الحديثة والحاصل على نجمة واحدة- للأطعمة الفاخرة منحى جديدا.

وهذا المطعم الذي يعتبر نفسه “أكثر المطاعم في ألمانيا اهتماما بالسياسة” يحصل على المكونات الخام لأطباقه مباشرة من الموردين المحليين، وهذا يعني أن القائمة تفتقر إلى مكونات مثل الليمون والتونا والشوكولاتة.

ويقول الموقع الإلكتروني للمطعم “منذ اليوم الذي فتح فيه مطعمنا أبوابه، تمثلت مهمتنا في تحطيم المفاهيم العتيقة لتناول العشاء الفاخر، وذلك عن طريق تأسيس المذاق الفريد الخاص بألمانيا، بدلا من اقتباس الطريقة الأبدية للمطبخ الفرنسي الفاخر”.

وجبات سريعة
وجبات سريعة

وتشير خبيرة اتجاهات الأطعمة هاني رويتزلر إلى أن الجائحة دفعت المزيد من محبي الأطعمة إلى إعادة النظر في مفاهيمهم وتقبّل أفكار أكثر جرأة وعصرية.

وتقول إن أطباق الفواجرا المعدة من كبد الإوز وكذلك أرجل الضفادع أصبحت أطعمة تنتمي إلى الماضي بسبب انتقادات منظمات رعاية الحيوان، بينما أدت الجائحة إلى زيادة تقدير الأطعمة المحلية وتعزيز شبكاتها.

وتوضح خبيرة التغذية النمساوية أن “الكثير من كبار الطهاة تخلوا بالفعل عن مؤسسات المطبخ الكلاسيكي الفاخر مثل الفنادق الكبرى، أو بدأوا يديرون مطاعم صغيرة أنيقة قبل ظهور الجائحة كنشاط جانبي، ويرحبون بمحبي الأطعمة الذين يرتدون الملابس العادية. وباختصار يتم تعريف الأطعمة الفاخرة اليوم بشكل مختلف عما كانت عليه في العقود الماضية”.

وتعتقد خبيرة الأطعمة أن “الضيوف صاروا يقدرون أكثر تناول الطعام بشكل ‘جيد’ بدلا من اختيار ‘الطعام الفاخر’، غير أن هذا لا يعني أن طرق تقديم الأطعمة لم يعد لها دور بل على العكس، ولكن ما حدث أن لغة التذوق اختلفت وأصبحت الحرفية في إعداد الأطباق وجودة المكونات وطزاجتها أكثر أهمية”.

20