الآن وقد انتصرت طالبان، عليكم ألا تستهينوا بالقبائل

الانهيار السريع للحكومة الأفغانية فتح باب التساؤلات حول الطبيعة السياسية والتوزيع القبلي المساهم الأساسي في ربط طالبان خيوطها قبل تنفيذها هجومها.
الخميس 2021/08/19
من يفهم عقلية "القبيلة"

واشنطن - حققت حركة طالبان انتصارا سريعا وكبيرا في أفغانستان بفضل عوامل عدة من بينها ضعف الحكومة الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة، وهشاشة البنية التحتية التي قامت عليها “الدولة” ما بعد الغزو الأميركي عام 2001. لكن هناك طبيعة سكانية اجتماعية وقبلية معقدة لم تفهمها واشنطن جيّدا في تعاملها مع المشكلة الأفغانية.

ويقول المؤرخ الأميركي جيريمي سوري، صاحب كرسي ماك براون المميز للقيادة في الشؤون العالمية بجامعة تكساس في أوستن، إن الانهيار السريع للدولة التي بنتها الولايات المتحدة في أفغانستان “يُعد تذكيرا مؤلما بأن الدول ليست الشكل الوحيد للتنظيم السياسي، بل أبعد ما تكون عن ذلك”.

وفتح الانهيار السريع للحكومة في كابول باب التساؤلات حول الطبيعة السياسية والتوزيع القبلي الذي ساهم بشكل أساسي في ربط حركة طالبان خيوطها داخل اللعبة الأفغانية جيدا قبل تنفيذها هجومها الواسع والسريع للسيطرة على البلاد.

ويعرض المؤرخ جيريمي سوري في مقال نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، ويحمل عنوان “لماذا انتصرت القبائل الأفغانية على الولايات المتحدة؟”، أسباب الانهيار السريع للدولة الأفغانية وهزيمة الولايات المتحدة القاسية.

وعلى الرغم من أن واشنطن تتحدث عن أن هدفها ليس بناء دولة في أفغانستان، إلا أنها فشلت في فهم التوزيع القبلي والتركيبة السكانية للمجتمع الأفغاني وتقسيماته المتنوعة.

الطبيعة الجغرافية

جيريمي سوري: القبائل تتمتع بقدرات على التكيفات الديناميكية للتهديدات
جيريمي سوري: القبائل تتمتع بقدرات على التكيفات الديناميكية للتهديدات

يقدم سوري في مقاله كتاب لسوميت غوها يحمل عنوان “القبيلة والدولة في آسيا خلال خمسة وعشرين قرنا”، وهو الكتاب الذي يعطي سياقا حاسما لفهم أحد أقوى أشكال التنظيم السياسي الذي يضغط على الدول: القبيلة.

وغوها هو مؤرخ من جنوب آسيا ذو توجه اجتماعي، ويركز على ما يسميه “البيئة السياسية للحياة القبلية”. ويجادل بأن المناخ والتضاريس يمكّنان الأشكال الرعوية واللامركزية من التنظيم الاجتماعي على حواف الإمبراطوريات والدول. ويشير إلى أن المجموعات في تلك المناطق تعيش من خلال شبكات القرابة والتكيف مع الأرض وتقاوم الدخلاء الأقوياء، وتتأقلم مع التغييرات الأوسع في السياسة والاقتصاد.

ويقول سوري إن هذه النقطة الأخيرة هي واحدة من أهم مساهمات غوها، إذ أن القبائل ليست بقايا أثرية لماض ضائع ولكنها تتمتع بقدرات على التكيفات الديناميكية والحديثة للتهديدات والحوافز في عالمنا المعاصر.

ويقدم مؤلف الكتاب مسحا رائعا لأمثلة عبر القارة الآسيوية، بما في ذلك قبائل وادي سوات في باكستان، والأقليات العرقية في الصين، والقبائل في الهند. وقد استجابت كل مجموعة من هذه المجموعات للدول القوية من حولها بطرق تعيد تشكيل هوية قبائلها لغرض البقاء.

ففي الهند، على سبيل المثال، استخدمت قبائل مختلفة النظام الديمقراطي الهندي للمطالبة بحصص في الوظائف الحكومية والتوظيف الجامعي، تماما كما قاوم نظراؤها في باكستان المجاورة الدولة ودعموا الجماعات شبه العسكرية التي تعبر أفغانستان.

ويقول سوري إن “طالبان هي ثمرة حديثة للقبائل في باكستان، تعمل أحيانا ضد الدولة في إسلام أباد وأحيانا معها”.

وينتقد غوها الطريقة التي يتحدث بها الأكاديميون والصحافيون وصناع السياسات عموما عن القبائل ووصفها بعبارات مشحونة بافتراضات حول الدونية الثقافية والجمود والالتزام بالتقاليد في تضارب صارخ مع الدول العقلانية والمبتكرة.

ويضيف أنه “لا يمكن للأميركيين من جميع الأطياف السياسية زعزعة الاعتقاد بأنهم يعرفون أكثر من سكان القبائل في أفغانستان. وأمضوا 20 سنة وهم يحاولون تنظيم أنفسهم كجيش وبيروقراطية دولة حديثة”. ولا يصف غوها عالما بديلا من اليوتوبيا القبلية، ولكنه بدلا من ذلك يقضي على الادعاءات بأن الدولة يمكن أن تحل محل القبائل في أفغانستان وأماكن أخرى.

ويوضح المؤرخ الأميركي أنه “بينما تحاول الدول القوية فرض طقوسها وأهدافها، تتكيف القبائل وتقاوم ببراعة ملحوظة، وتتمتع بميزة أخرى، حيث تفضل البيئة السياسية المجتمعات الرعوية اللامركزية”.

ويضيف أن ذلك تجلى في أفغانستان على مدى عقدين من الزمن حيث جاءت نهاية عنيفة للغاية، في الوقت الذي رسمت فيه طالبان هيكل أفغانستان وباكستان القبلي بشكل أفضل بكثير من الولايات المتحدة وتمكنت من النجاة من الهجمات الأميركية المتكررة بفضل ذلك.

ويتوقع سوري أن تواجه طالبان مقاومة مستقبلية من العديد من القبائل، خاصة في الشمال، لكنها لن تحاول بناء دولة مركزية بيروقراطية، كما حاولت الولايات المتحدة.

القومية والقبيلة

Thumbnail

يكتب غوها عن “عودة ظهور القبائل” في آسيا وقارات أخرى، حيث تشجع تقنيات الاتصال والحرب هذه البيئة السياسية، وتساعد الشبكات المحلية على التنظّم ومقاومة القوى الأكبر البعيدة.

ويلاحظ غوها أن عودة ظهور القبائل لا يمنع عودة ظهور الإمبراطوريات، مثل الصين، التي تستفيد من تقنيات الاتصالات وخوض الحروب من أجل التوسع والاستحواذ، لكن السؤال الذي يحفزه بحث غوها هو ما إذا كانت مشاريع بناء الدولة قد تنحصر في الوسط.

وهل تشهد الدولة الحديثة القائمة على اندماج القبائل المتنوعة في هوية مشتركة وبيروقراطية حالة تدهور؟ وهل تتفكك الدول إلى ما يسميه غوها “القبائل ذات الأعلام”؟

يقول المؤرخ جيريمي سوري إن القومية تبقى ظاهرة يتجاهلها غوها في كتابه، لكنها تبدو أقوى من أي وقت مضى في الصين وروسيا والهند والبرازيل والعديد من المجتمعات الأخرى غير المتجانسة عرقيا.

ويضيف أن هذه التحدّيات التي تطرحها الجهات الفاعلة الفرعية أدت إلى عودة المتشددين إلى الادعاءات المتعلقة بالتفوق الوطني والحق في السيطرة على الآخرين، حيث غالبا ما يتم دمج العرق في هذه الادعاءات القومية، وتحديد من ينتمي ومن لا ينتمي.

وعلى الرغم من أن العرق يمكن أن يرتبط بالقبيلة، إلا أنه يتم التعبير عنه بشكل عام على لوحة وطنية أكبر، حيث تحشد الدول اليوم مزاعم التفوق العنصري لتبرير عمليات الطرد وحتى الإبادة الجماعية (من رواندا ويوغوسلافيا السابقة إلى شبه جزيرة القرم وشينجيانغ ومناطق حدودية أخرى).

ويرى سوري أن خلاصة كتاب غوها تتضمن فهم أن الدول ليست اللاعب الوحيد، على الرغم من أنها تظل أساسية في معظم النماذج والمؤسسات، حيث أن القبائل حديثة وعقلانية ومبتكرة على حد سواء، وتتنافس داخل الدول وخارجها، وتستحق الاهتمام كعناصر مكونة مشتركة للسياسة العالمية المعاصرة وليس كجهات فاعلة قديمة يجب القضاء عليها.

ويقول المؤرخ الأميركي إن على “الدبلوماسيين معرفة المزيد من القبائل التي تعمل في المجتمعات الأجنبية وعلى صانعي السياسات التعامل معها كشركاء مفاوضين جديين. كما يجب على القادة الاعتراف بأن مؤسسات الدولة التي يفضلونها ليست بالضرورة أفضل من البدائل القبلية. وغالبا ما تكون الممارسات المحلية هي الأحدث والأكثر ملاءمة لمواطنيها”.

خيارات بديلة

Thumbnail

كيف كان هذا النهج سيحدث فرقا في أفغانستان خلال العقدين الماضيين؟ يوضح جيريمي سوري أنه “ربما كانت هناك بدائل لمحاولة بناء دولة أفغانية، حيث منذ الأيام الأولى بعد هزيمة طالبان في أواخر سنة 2001، أدرك صانعو السياسة الأميركيون التحديات الشديدة المتمثلة في جمع البشتون والطاجيك والهزارة والعديد من القبائل الأخرى معا في اتحاد سياسي واحد. واستنادا إلى تاريخ الولايات المتحدة، افترض القادة أن ذلك كان الأفضل. لكن تحليل غوها يشير إلى اتجاه مختلف. وربما حاولت الولايات المتحدة التوسط في إنشاء مؤسسات سياسية منفصلة للقبائل المختلفة التي عالجت مطالبها الخاصة.

ويرى سوري أنه من خلال “تشتيت نفوذ الولايات المتحدة بشكل متعمّد من كابول إلى المناطق القبلية والتأكيد على الحكم الذاتي الإقليمي والتكامل الوطني، ربما تكون واشنطن قد بنت علاقات أكثر ديمومة، حيث كان من الممكن أن يرفض هذا النهج الآمال في التحول الديمقراطي والتنمية بالمصطلحات الغربية، لكنه ربما يكون قد زاد من الحوافز القبلية للعمل مع الولايات المتحدة بدلا من طالبان والجماعات الأخرى”.

ويختم مقاله بالتأكيد على أنه “لا يمكن معرفة ما إذا كان النهج القبلي في أفغانستان سينجح بشكل أفضل من مشروع بناء الدولة الأميركي” حيث يوفر كتاب غوها الأساس لبحث عميق واستكشافا لهذا البديل.

ويقول “لن تتوقف الولايات المتحدة عن محاولة التأثير على المجتمعات الأخرى، لكن عليها أن تفعل ما هو أفضل مما فعلت في أفغانستان. وسيكون الفهم الأكثر تطورا للقبائل كفاعلين سياسيين حديثين ضروريا لأي إصلاحات سياسية جادة”.

6