من يراهن على العودة إلى مربع الفوضى في غرب ليبيا؟

مخططات إخوانية للانقلاب على الحوار السياسي ومخرجاته.
الجمعة 2021/08/13
شبح العنف لا يزال ماثلا في ليبيا

أحدث إصدار بطاقتي ضبط وإحضار في حق قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر وسيف الإسلام القذافي مخاوف لدى الكثير من المحللين الذين رأوا في هذه الخطوة محاولة من الإخوان للالتفاف على مخرجات الحوار السياسي ونتائجه خوفا من خسارة محتمة قد تفرضها نتائج الانتخابات المقررة في ديسمبر القادم.

طرابلس - خلال أسبوع واحد تم الإعلان عن مذكرتي اعتقال صدرتا عن جهات قضائية بإقليم طرابلس في حق كل من القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر، ومقرّه ضاحية الرجمة بمدينة بنغازي، شرقي البلاد، وسيف الإسلام القذافي ابن الزعيم الراحل معمر القذافي، ومقرّه مجهول في إحدى ضواحي الزنتان بالجبل الغربي المتاخم للحدود الجنوبية مع تونس.

وجاءت المذكرتان في الوقت الذي بدأ فيه منزع الشك يتغلّب على منزع اليقين في إمكانية تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرّرة بغطاء دولي للرابع والعشرين من ديسمبر القادم، وفي ظل مخاوف من عودة البلاد إلى مربع العنف والانقسام نتيجة إصرار القوى المرجّح فشلها في الاستحقاق الانتخابي على قطع الطريق أمام تنفيذ بنود الاتفاقين العسكري والسياسي لضمان إبقاء الوضع على ما هو عليه بما يخدم مصالحها ومصالح حلفائها الإقليميين، ولاسيما النظام التركي الذي يتحكم في مفاصل الحياة السياسية بطرابلس بالاعتماد على جماعات الضغط التي يحتكم عليها وجحافل القوات والمرتزقة التي ينشرها في القواعد والمعسكرات.

ويرى المراقبون أن إطلاق مذكرتي الاعتقال ضد حفتر وسيف الإسلام يهدف إلى خلط الأوراق بما يحول دون ترشحهما للانتخابات، وإلى إحداث حالة من الارتباك بين أنصار كل منهما، وذلك بالتزامن مع الفرصة الأخيرة المتوفرة للتوصل إلى قاعدة دستورية لتنظيم الانتخابات، والتي تقودها البعثة الأممية من خلال اجتماع ملتقى الحوار السياسي لاختيار أحد المقترحات الأربعة المحالة إليه من قبل لجنة التوافقات.

لكن الواضح أن الوضع في غرب البلاد يتجه إلى قطع الطريق أمام إقرار القاعدة نظرا لوجود تحالف قوي يمثله الإخوان وأمراء الحرب والزعماء الجهويون بمصراتة واللوبي المالي والاقتصادي التركي وجانب من صانعي القرار في المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية، ويسعى بقوة إلى الإطاحة بخارطة الطريق خشية أن تؤدي نتائج الصندوق إلى تشكيل سلطات يهيمن عليها أنصار الجيش والنظام السابق.

المخابرات التركية انطلقت في العمل على تحديد مقر سيف الإسلام القذافي لاعتقاله وإنهاء مراهنة أنصاره عليه

فقد أصدر مكتب المدعي العام العسكري التابع لوزارة الدفاع، والذي تنحصر صلاحياته في إقليم طرابلس، أمرا بإلقاء القبض على سيف الإسلام  بسبب "تورطه في جرائم قتل واستعانته بمرتزقة"، وهي ذات التهم السابقة التي نسبت إليه سابقا.

وذكرت وسائل إعلام أن مكتب المدعي العام العسكري أمر في الخامس من أغسطس الجاري بالبحث والتحري عن سيف الإسلام وضبطه وإحالته مقبوضا عليه لتورطه في جرائم قتل واستعانته بمرتزقة، وأنه وجّه هذا الأمر في بلاغ إلى جهات أمنية وعسكرية بينها إدارة الشرطة العسكرية وإدارة الاستخبارات العسكرية والاستخبارات العامة وجهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وجهاز دعم الاستقرار وجهاز الأمن الداخلي ووزارة الداخلية، وأغلبها أجهزة ميليشياوية تم دمجها في مؤسسات المجلس الرئاسي السابق، كما أجاز الاستعانة في سبيل تنفيذ هذا الأمر بالجهات العسكرية والأمنية الواقعة في نطاق اختصاص مكان وجود المعني.

ومن اللافت، أن تاريخ صدور هذا التوجيه كان في اليوم الموالي للرابع من أغسطس تاريخ الاجتماع الذي عقده رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة ووزير الدفاع عبدالحميد الدبيبة مع المجلس الأعلى للقضاء العسكري، بحضور رئيس الأركان العامة بالحكومة الفريق محمد الحداد لمناقشة العراقيل والمختنقات التي تواجه عمل المجلس.

وخاطب الدبيبة المجتمعين خلال اللقاء “جئت هنا للسماع منكم والتدارس معكم ولأدعمكم، والهدف هو إحقاق الحق”، واستكمل “لن نكون دولة تظلم أبناءها، وتفرط في حقها للظالمين”.

وصادف أن تم اجتماع الدبيبة مع المجلس الأعلى للقضاء العسكري بعد أيام قليلة من المقابلة التي نشرتها صحيفة “نيويورك تايمز” مع سيف الإسلام، والتي أكدت أنه حي يرزق، ويعيش في مكان خفي قريب من الزنتان تحت حراسة مشددة من كتيبة الثوار التي اعتقلته في الصحراء الجنوبية الغربية في نوفمبر 2011، وأشرفت على تأمينه في مقر اعتقاله إلى حين الإفراج عنه في يونيو 2017 بقرار من وزير العدل في الحكومة المؤقتة المنبثقة عن البرلمان تنفيذا لقانون العفو العام المعلن من مجلس النواب ولا تعترف به سلطات طرابلس.

مهتمون بالشأن الليبي يشيرون إلى أن إصدار بطاقتي ضبط وإحضار في حق حفتر والقذافي خلال أسبوع واحد يمثّل انقلابا كاملا على الحوار السياسي ونتائجه
مهتمون بالشأن الليبي يشيرون إلى أن إصدار بطاقتي ضبط وإحضار في حق حفتر والقذافي خلال أسبوع واحد يمثّل انقلابا كاملا على الحوار السياسي ونتائجه

وكانت محكمة جنايات طرابلس أصدرت في الثامن والعشرين من يوليو 2015 حكما غيابيا بالإعدام بحق سيف الإسلام وثمانية من عناصر النظام السابق بينهم عبدالله السنوسي رئيس المخابرات الأسبق، وبغدادي المحمودي آخر رئيس وزراء، ولكن في السابع والعشرين من مايو الماضي قضت المحكمة العليا الليبية، أعلى سلطة قضائية، بإلغاء حكم الإعدام الصادر ضد سيف الإسلام وقبول الاستئناف.

ورجحت مصادر مطلعة في طرابلس لـ”العرب” أن تتحرك ميليشيات طرابلس والمنطقة الغربية نحو الزنتان بزعم البحث والتفتيش عن سيف الإسلام.

وتابعت أنها في حالة إطلاق حملة على الزنتان، فإن دماء كثيرة ستسيل، وأن الأوضاع الأمنية ستعود إلى مربع العنف في الجبل الغربي، كما أن ذلك قد يأذن بإنهاء اتفاق وقف إطلاق النار.

وأضافت أن مدينة الزنتان منقسمة على ذاتها، بين قوى تدعم النظام السابق، وأخرى لا تزال تدعم قيادة الجيش، وثالثة موالية لجماعة الإخوان ومرتبطة عضويا بميليشيات المنطقة الغربية بزعامة أسامة الجويلي، وأن الزعامات القبلية نجحت في مناسبات عدة في فك فتيل المواجهات الداخلية بين تلك الأطراف المتناقضة.

لكن المصادر أكدت أن المخابرات التركية انطلقت فعلا منذ فترة في العمل على تحديد مقر سيف الإسلام ، عبر مسيرات متخصصة في الرصد والمتابعة في المناطق الفاصلة بين الزنتان والحمادة الحمراء، وهناك رغبة حقيقية لدى أنقرة باعتقاله وإنهاء مراهنة أنصاره عليه، ولاسيما في غرب البلاد، حيث لا تزال أغلب القبائل تعلن موالاتها للنظام السابق.

وكانت أطراف داخلية وخارجية زارت سيف الإسلام مغمضة الأعين وتحت حراسة مشددة، قدرت مقر إقامته بحوالي 17 كلم إلى الجنوب من الزنتان.

Thumbnail

وأكد عدد من أعضاء ملتقى الحوار السياسي كعبدالرحمان السويحلي، ومن أعضاء مجلس الدولة الاستشاري كرئيسه خالد المشري، أن لا مجال لمشاركة سيف الإسلام أو حفتر في الانتخابات الرئاسية، وأن فوز أي منهما سيتسبب في التشكيك بالنتائج وسيدفع نحو حرب أهلية جديدة وإلى تقسيم البلاد.

وطلب رئيس النيابة العسكرية الوسطى في مصراتة مفتاح احميد بادي من الشرطة العسكرية ومن مدير إدارة الشرطة والسجون القبض على  حفتر وعدد آخر من الأشخاص.

وتضمن خطاب وجهه بادي إلى مدير إدارة الشرطة والسجون الإشارة إلى القضية رقم 18/2020 (ل.ت) والتحقيقات الجارية بشأنها والتي تؤكد ضرورة القبض على كل من حفتر، ومدير مكتبه عبدالكريم هدية، واللواء محمد طحيش، والرائد صدام خليفة حفتر، والمقدم نبيل الهبهاب، وإحالتهم موقوفين إلى النيابة العسكرية الكلية الوسطى في أسرع وقت.

وبالمقابل، اعتبر اللواء أحمد المسماري الناطق باسم القيادة العامة للجيش الوطني أن مثل هذه التصرفات أساليب استفزازية خبيثة، الهدف منها إفساد المسار الذي تقوده اللجنة العسكرية المشتركة 5+5، وعرقلة الاستحقاق الانتخابي المقرر نهاية العام.

وأضاف المسماري أن الإخوان يخافون من الانتخابات المقبلة بعد سقوطهم في انتخابات البلديات السابقة، لافتا إلى أن مذكرة الاعتقال محاولة لصنع موانع خبيثة أمام المشير حفتر، الذي دمر مشروع الإخوان الخبيث، وفق تقديره.

وتشير أوساط ليبية إلى أن إصدار بطاقة ضبط في حق حفتر وعدد من المقربين منه، ومنهم مدير مكتبه وابنه، يمثل حركة عبثية واستعراضية لا غير، نظرا لاستحالة تنفيذها، ولكنها بالمقابل تثبت وجود أطراف تهدف من ورائها إلى التأكيد على أن وقف إطلاق النار لا يعني نهاية الحرب الباردة بين غرب البلاد وشرقها، بما يعني الدفع نحو حرب جديدة لا تبدو سلطات طرابلس بعيدة عن التخطيط لها، رغم تأكيدات رئيس الحكومة في مناسبات عدة بأنه لا حرب بعد اليوم.

النظام التركي مازال يتحكم في مفاصل الحياة السياسية بطرابلس بالاعتماد على جحافل القوات والمرتزقة التي ينشرها في القواعد  والمعسكرات
النظام التركي مازال يتحكم في مفاصل الحياة السياسية بطرابلس بالاعتماد على جحافل القوات والمرتزقة التي ينشرها في القواعد والمعسكرات

وتضيف ذات الأوساط أن تركيا التي استقبلت رئيس حكومة الوحدة الوطنية حيث اجتمع مع الرئيس رجب طيب أردوغان، وقبله مع وزير الدفاع ورئيس المخابرات، كلا على حده، باتت تحكم قبضتها على الوضع في طرابلس، وتمارس سلطتها على الأجهزة الأمنية والعسكرية بما يخدم أجنداتها ومصالح حلفائها المحليين، وتستفيد في ذلك من ضعف أداء البعثة الأممية ومن غياب الضغط الدولي الكافي لرفع يد التدخلات الخارجية على الواقع الليبي.

وتتجه قوى الإسلام السياسي وحلفاؤها إلى مواجهة الضغط الأممي والدولي لتنظيم الانتخابات في موعدها المحدد بتصدير قاعدة دستورية تحول دون السماح للمطلوبين سواء للقضاء المحلي أو الخارجي بالترشح لها، لكنها في الأثناء لا تدخر جهدا في العمل على إعادة نشر الفوضى بما يحول دون تنظيم الانتخابات، وإقرار تأجيلها بسبب الانفلات الأمني.

إطلاق مذكرتي الاعتقال ضد حفتر والقذافي يهدف إلى خلط الأوراق بما يحول دون ترشحهما للانتخابات وإلى إحداث حالة من الارتباك بين أنصار كل منهما

وشهد الأسبوع الماضي عدة مؤشرات عن عودة المواجهة العلنية بين سلطات طرابلس ممثلة في المجلس الرئاسي والحكومة مع قيادة الجيش في غرب البلاد، وذلك على هامش إحياء الذكرى الحادية والثمانين لتأسيس الجيش الوطني الليبي، فيما أكدت الولايات المتحدة من خلال سفيرها في ليبيا ومبعوثها الخاص إليها ريتشارد نورلاند أنها تراهن على المشير حفتر في توحيد المؤسسة العسكرية.

وخلال اليومين الماضيين احتضنت القاهرة اجتماعات بين حفتر ونورلاند، وقالت السفارة الأميركية إن “الولايات المتحدة تدعم حق الشعب الليبي في اختيار قادته من خلال عملية ديمقراطية حرة ونزيهة وتدعو الشخصيات الرئيسية إلى استخدام نفوذها في هذه المرحلة الحاسمة للقيام بما هو أفضل لجميع الليبيين”.

ويشير مهتمون بالشأن الليبي إلى أن إصدار بطاقتي ضبط وإحضار في حق حفتر والقذافي خلال أسبوع واحد يمثّل انقلابا كاملا على الحوار السياسي ونتائجه، كون الطرفين كانا ممثلين في ملتقاه منذ دورته التأسيسية بتونس في نوفمبر الماضي، وهو ما يعني وجود مخطط حقيقي لقطع الطريق أمام تنظيم الانتخابات في موعدها، وأمام الاعتراف بنتائجها من قبل أغلبية الليبيين في حال تنظيمها بضغط دولي دون السماح لحفتر والقذافي بالترشح إليها، ولاسيما أن للرجلين قاعدة شعبية واسعة تتجاوز بكثير قاعدة التيار المتحكم حاليا في مراكز القرار بإقليم طرابلس.

7