الدبلوماسية العراقية الحالمة تطمح لجمع المتناقضات في مؤتمر لدول الجوار

طموحات الرئيس العراقي برهم صالح ورئيس الحكومة مصطفى الكاظمي لإرساء دبلوماسية عراقية جديدة تعيد العراق إلى مكانته بين بلدان الإقليم والعالم، تصطدم بالوضع الداخلي للبلد وما يعيشه من أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية هشّة، وحالة الضعف التي أصبحت عليها الدولة العراقية حتى غدت غير قادرة على حماية قرارها من تأثيرات التدخلات الأجنبية.
بغداد - تشهد الدبلوماسية العراقية هذه الأيام نشاطا غير معتاد استعدادا لتنظيم مؤتمر إقليمي يجمع أواخر الشهر الجاري بلدان جوار العراق، وتحضره دول أخرى من خارج الإقليم.
وتعكس فكرة تنظيم هذه المناسبة الكبرى السقف العالي لطموحات الدبلوماسية العراقية الجديدة التي يعمل على إرسائها رئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، وتهدف بحسب تصريحات رسمية متواترة إلى استعادة المكانة الإقليمية والدولية للعراق الذي يشهد منذ ثمانية عشر عاما تراجعات ثابتة على مختلف الصعد وفي جميع المجالات.
لكن مساعي الكاظمي وصالح تبدو حسب رأي متابعين للشأن العراقي منفصلة عن واقع الدولة العراقية، وما تشهده من ضعف يشمل قدرتها في التحكّم بقرارها وضمان استقلالها عن التأثيرات الخارجية.
ومع بدء عملية توجيه الدعوات إلى دول المنطقة لحضور المؤتمر، بدأت الأسئلة تتواتر بشأن قدرة بغداد الفعلية على جمع بلدان متناقضة التوجّات والمصالح، وبعضها مشترك في التنافس الحادّ على النفوذ في العراق مثل تركيا وإيران، والبعض الآخر في حالة قطيعة مع أطراف مدعوة إلى المؤتر مثلما هي حال السعودية وإيران، بينما سوريا ونظامها الحاكم في حالة قطيعة مع المجتمع الدولي.
كما تشمل التساؤلات طبيعة القرارات والمخرجات التي سيتمخّض عنها المؤتمر، ومدى إمكانية تنفيذها بشكل عملي.
وتحضر هنا المقارنة بين المؤتمر المرتقب والمؤتمر الدولي لإعادة إعمار العراق الذي احتضنته الكويت أوائل سنة 2018، وصدرت عنه وعود كبيرة وتعهّدات مجزية لم يظهر لها لاحقا أي أثر يذكر في أوضاع المناطق العراقية، التي دارت فيها الحرب الطاحنة ضدّ تنظيم داعش، وبناها التحتية.
دول كثيرة تتهيب الدخول في شراكة مع بلد تنازع فيه الميليشيات الدولة قرارها السياسي والاقتصادي والأمني
ويجمع بين المؤتمرين السابق والمرتقب طموح القيادة العراقية لإقناع الدول المشاركة بالدخول في شراكة اقتصادية واستثمارية “تكاملية” مع العراق، وهو هدف كثيرا ما يتردّد في الخطاب الدبلوماسي للرئيسين الكاظمي وصالح، دون الأخذ في الاعتبار أن جلب المستثمرين يستدعي إعادة ترتيب شاملة لأوضاع العراق الأمنية والسياسية، حيث يظل من الصعب جلب المستثمرين إلى بلد غير مستقر تنازع فيه الميليشيات الدولة قرارها السياسي والأمني وحتى الاقتصادي.
وحتى الشراكة السياسية للعراق مع عدد من بلدان الإقليم والعالم تظل تواجه مشكلة النفوذ الكبير لإيران في البلد، وتدخّلها عبر قوى عراقية تابعة لها في سياسته.
ومن المنتظر أن يشتمل جدول أعمال مؤتمر دول الجوار الإقليمي للعراق “مناقشة التحديات السياسية والأمنية التي تواجهها دول المنطقة”.
ومن طموحات دبلوماسية صالح – الكاظمي التقريب بين الغريمتين الكبريين في الإقليم السعودية وإيران، والتوسّط لإنهاء القطيعة بينهما، وقد احتضن العراق بالفعل حلقات استكشافية للحوار بينهما.
ورغم أنّ الحوار السعودي – الإيراني لم يسجّل أي تقدّم يذكر منذ تسرّب أنباء غير تفصيلية عنه واعتراف الطرفين بالمشاركة فيه، إلاّ أنّه اعتبر في رأي البعض اختراقا حقيقيا للدبلوماسية العراقية، بينما رأى البعض الآخر أنّ إجراءه كان وليد إرادة كل من الرياض وطهران وبدفع من حسابات كلّ منهما، بينما لم يتجاوز دور الدبلوماسية العراقية مهمّة ناقل الرسائل بين الطرفين.
وغير بعيد عن جهود إعادة بناء شبكة العلاقات الإقليمية للعراق، احتضنت بغداد آخر شهر يونيو الماضي قمة ثلاثية عراقية – مصرية – أردنية، استضاف خلالها رئيسا الجمهورية والحكومة العراقيان كلاّ من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني.
وناقشت القمة قضية الربط بين العراق ومصر والأردن في مجالات النقل البري والكهرباء والتعاون الزراعي، وتأهيل المصانع العراقية من قبل الشركات المصرية.
لكنّ تلك الأهداف بدت لمراقبين أكبر من قدرات البلدان الثلاثة على تنفيذها في أمد منظور، نظرا للمشاكل السياسية والمالية والأمنية التي سيتطلّب حلّها سنوات طويلة قبل المرور إلى التنفيذ الفعلي لما تمّت مناقشته في القمّة.

واستعدادا للمؤتمر المقرر عقده أواخر الشهر الجاري بدأ مبعوثون من رئيس الوزراء العراقي بإيصال الدعوات إلى دول المنطقة لحضور المؤتمر، حيث سلّم وزير التخطيط خالد بتال رسالة خطية من الكاظمي إلى أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد. كما حمل وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين دعوات مماثلة إلى كلّ من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بينما حمل رسالة الدعوة وزير المالية علي علاوي الى العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني . ويتوقع أن يتوجه في غضون الأيام المقبلة مبعوثون آخرون من الكاظمي إلى كل دول الجوار العراقي، فضلا عن دول إقليمية أبعد وعدد من الدول الأوروبية.
وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مشاركة بلاده في المؤتمر الإقليمي الذي يستضيفه العراق نهاية الشهر الحالي، قائلا “نتطلع إلى زيارة العراق مرة أخرى وحضور المؤتمر”، حسب بيان للحكومة العراقية. وبحث الكاظمي الاثنين في اتصال هاتفي مع ماكرون الوضعين الإقليمي والدولي والعلاقات الثنائية بين البلدين، وفق بيان المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي.
وأشاد الرئيس الفرنسي بما سماه الدبلوماسية العراقية المتوازنة وإسهامها في ترسيخ أسس السلم والاستقرار. وجدد دعم فرنسا الكامل للكاظمي في النهج الذي يتبعه وإجراءاته لتعزيز مؤسسات الدولة العراقية.
وبغض النظر عن فرص نجاح المؤتمر المرتقب، فإنّه يظل جزءا من محاولات فرنسا إعادة تركيز موطئ قدم لها في العراق، الذي جمعتها به خلال فترة ما قبل الغزو الأميركي له سنة 2003 علاقات شراكة متينة في عدّة مجالات، بما في ذلك قطاعا الطاقة والسلاح.
لكن باريس أصبحت بعد ذلك في حالة شبه غياب عن الساحة العراقية في ظل قوة النفوذ الإيراني والأميركي هناك. كما أن النفوذ الفرنسي في بلدان أخرى لاسيما في سوريا ولبنان، وكذلك في ليبيا وعدة بلدان أفريقية أخرى يمر بأزمة حادة نتيجة سلسلة من السياسات الفرنسية الخاطئة في تلك الساحات.
وأكد رئيس الوزراء العراقي أن فرنسا شريك حقيقي لبلاده وأن الدولتين ترتبطان بتاريخ طويل من العلاقات البنّاءة، ويسعيان إلى تطويرها في مختلف المجالات.
وبحسب البيان، جرى بحث العلاقات الثنائية بين البلدين فضلا عن مناقشة الوضع الإقليمي الراهن والتطورات الدولية والتحضيرات الجارية لعقد المؤتمر الإقليمي، الذي جرى التنسيق لعقده بالتعاون مع فرنسا.