"الغابة الفاضلة".. رواية فلسفية أبطالها حيوانات

العماني عادل المعولي يستعين بنسر وقرد وهدهد وثعلب لنقل أفكاره.
الثلاثاء 2021/08/10
الحيوانات أقنعة للبشر (لوحة للفنان سنان حسين)

منذ القرن الثامن ميلاديا وانتشار كتاب “كليلة ودمنة” لعبدالله بن المقفع والمدونة الأدبية العربية وحتى العالمية تعرف اهتماما كبيرا بسرد الحكايات عن طريق أبطال من الحيوانات، حتى أن الروائي البريطاني جورج أورويل خلد ملحمة روائية هامة في رواية بعنوان “مزرعة الحيوان” أبطالها من غير البشر، وهو أسلوب يبدو أنه مازال قادرا على العطاء أدبيا وفكريا.

مسقط - يكمل الكاتب العماني عادل المعولي مسيرته مع الكتابة خلال الفترة الحالية، من خلال طرح فلسفي مغاير يقدمه في روايته الأخيرة “الغابة الفاضلة”، وهي تتوج أعماله الفكرية الأدبية التي بدأت منذ فترة ليست بالقصيرة مع كتاب “لماذا تقدم العلم وتأخر الوعي”، الذي فاز بالجائزة التشجيعية في المسابقة السنوية للجمعية العمانية للكتّاب والأدباء إبان الاحتفال بجائزة الإبداع الثقافي لأفضل الإصدارات للعام 2016.

في “الغابة الفاضلة” يقدم المعولي نسقا تفصيليّا لعدة أفكار فلسفية يطرحها في قالب سردي من خلال حكاية رمزية أبطالها حيوانات، ليسافر من فكرة إلى أخرى محاولا نزع التعقيد عن بعضها وفتح أخرى للقراء للتواصل معها.

رواية فلسفية

عادل المعولي: العمل الإبداعي الذي يخلو من الفلسفة نَفسُه قصير وهو عمل ميت سواء كان أدبا أو غيره

تتحدث الرواية عن طموح حيواني جامح يجتاح غابة طرأ اختلال في ميزانها حين آثرت الضواري والكواسر مصالحها على حساب ذوات الحافر والمنقار، ما جعل الأخيرة تشتكي حالها إلى ملك الغابة.

نجد الكثير من الشخصيات الحيوانية مثل النسر لقمان وغبطة الثعلب القاضي والأسد وميمون القردوح، وهو من أعلى فروع القردة، والهدد سليمان. وكل شخصية من شخصيات رواية الغابة الفاضلة تحمل صفة مميزة قد تكون ضمن تلك الصفات التأني أو العجلة أو الحكمة أو السذاجة.

المتتبع للرواية يرى ذلك التداخل الفلسفي الذي طغى على وقع السرد، وهنا يقدم المعولي ذلك التداخل والاتجاه إلى السرد الفلسفي ويشير إلى أن الرواية اختزلت في طيها كثيرا من المضامين الجدلية في شتى مجالات المعرفة.

وتحاول الرواية أن تأتي على شتى المضامين فنجدها تتناول شؤون الدين والسياسة والعلم والأخلاق، وغيرها من المضامين التي تمس أي مجتمع. لذلك، جاء الطرح الفلسفي تحت إلحاح الضرورة الأدبية، ولكن بصيغة لطيفة وبالكاد يشعر القارئ بالطرح الفلسفي وهو يتابع أطوار الحكاية.

ويقول المعولي “استعنتُ بالجملة الأدبية الرشيقة، إذ أجهدت نفسي كثيرا في اختيار الكلمة الفصيحة المُبينة في المكان المناسب، محاولا ألا يُحمّل القارئ النص ما لا يحتمل، وأن تصل رسالة الجملة الأدبية صافية من أي شوائب فكرية تضفي على الجملة معاني غير مقصودة. وهذا العمل ليس بالسهل، حيث أخذ مني جهدا ووقتا لا بأس بهما، لكن النتيجة جاءت في صالح النص والقارئ وهذا ما كنت أرجوه بشدة”.

 إجمالا إن طرح فكرة في هذه الرواية قد لا يبدو غريبا، فهناك من سبق الكاتب المعولي للغوص في أعماق هكذا أفكار على لسان غير البشر، لكنه هو يفسر ذلك السبب الذي قد يجعل لهذا الطرح الأمان والفسحة الكبرى، ويشير إلى أن نص الرواية عندما اكتمل كان خاما سميكا ضِعف عدد الصفحات الحالية.

ويقول الروائي “كان النص مثخنا بالندوب، لكن مع المراجعة المتكررة أصبح سهلا رشيقا يختال ضاحكا. وقارئ الرواية يدرك انسيابية النص وحسن فحواه. كان عملي في هذه الرواية كحال صائغ الذهب، الذي يتناول القطعة الخامة بعد إذابتها ثم يعيد سبكها على شكل حلية امتازت بالرؤية الفنية والصياغة المتقنة”.

 وحول الجانب الفلسفي يضيف الكاتب المعولي في حديثه “العمل الذي يخلو من فلسفة نَفسُه قصير، عمل ميت، إذ الفلسفة هي أس الأعمال الناجحة، سواء كانت تلك الأعمال أدبية أو غير أدبية”.

 ويرى الروائي أنه عند البحث عن دليل لإثبات هذا الرأي، نجد أن الإصدارات الناجحة، إصدارات أسست على رؤية فلسفية وعلى قالب أدبي. ويذكر على سبيل المثال إصدارات الكاتب والمؤرخ والفيلسوف الأميركي ويل ديورانت (1885 – 1981) مؤلف كتاب “قصة الحضارة”، فرغم أن ديورانت يناقش قضايا تاريخية محضة، ومع ذلك، كُتب بطريقة أدبية شائقة وتحليل فلسفي عميق، لذلك يُعد هذا الكتاب المذكور من الآثار المرجعية والممتعة قرائيًّا في الوقت ذاته.

ويبين المعولي أنه حتى الأبيات الشعرية تقوى وتنشط إن عولجت برؤية فلسفية. فعلى سبيل المثال: أبوالطيب المتنبي، قبل أن يكون شاعرا، كان فيلسوفا في رؤيته للمشاهد التي مرت عليه أو التي مر عليها، لذلك جاءت صيغته الشعرية صيغة براقة لا يخفت بريقها مع مرور الأيام؛ لأنها تحمل أمثالا وحِكما صِيغت تحت مصباح الفلسفة.

وفي الجانب الآخر، تجد الفلسفة حاضرة في كتاب “أدب الدنيا والدين” لأبي الحسن الماوردي (364 ـ 450هـ)، رغم أنه كان من كِبار قضاة الدولة العباسية، وهو فقيه، قبل أن يكون كاتبا، فقد ألف كتابا في الفقه تحت عنوان: الحاوي في فقه الشافعية.

على لسان الحيوانات

الرواية تحاول أن تأتي على شتى المضامين والأفكار فنجدها تتناول شؤون الدين والسياسة والعلم والأخلاق وغيرها

حول مجيء رواية “الغابة الفاضلة” على لسان الحيوان يرد المعولي ذلك إلى عدة اعتبارات، يقول “جاءت الرواية على لسان الحيوان، أولا، لأن رؤية الرواية وفكرة كتابتها كانت مُتخيلة من حيث الأساس أن تكون على ألسنة الحيوانات، هكذا، من دون سابق تفكير. كذلك، عَالم الحيوان، عَالم فسيح يمكن للخيال أن يتجاوز فيه الواقع، مستخدما مساحة المجاز ذات الأبعاد اللامحدودة”.

ويضيف “نعم، هناك كُتب أُلفت على لسان الحيوان، وهذه ليست بدعة أدبية، إنما هي استكمال لمسيرة الأدب الإنساني في هذا المجال. وهذا العمل (الغابة الفاضلة) له خصوصية لا يشبه أيّا من تلك الأعمال؛ لأن الزمان والمكان لهما خصوصية لاسيما وأن رؤية رواية ‘الغابة الفاضلة‘ رؤية مختلفة عن رؤية ابن المقفع  (106 – 142هـ) في كتابه ‘كليلة ودمنة‘، وتختلف عن رؤية جورج أورويل (1903 – 1950)، في كتابه ‘حديقة الحيوان‘، إذ كل منهما عاش في عصرين مختلفين”.

ويبيّن أن روايته تحكي عن عصر مختلف كليا عنهما، وبالتالي معارفه واستنتاجاته تكون مختلفة، وإن اتفق بين تلك الأعمال أن تكون على لسان الحيوان، فهذا لا يلزم أن تكون الأفكار والأهداف ورسائل العمل متشابهة. فعصر الكاتب وظروفه وحصيلته الفكرية تُشكل عمله. ورؤية الكاتب لا تستطيع الفكاك من ملابسات العصر الذي يعيش فيه.

وكما تمت الإشارة في مقدمة هذا التفاعل الأدبي مع الكاتب المعولي، نعود في ختامه إلى الإصدار السابق الذي تفرد في جزأين متتابعين، وطرح رؤية الكاتب الفكرية حول مدى تقدم العلم وتأخر الوعي، وهنا نقف عند تلك الرؤية، ويطلعنا المعولي على ما استند عليه، وكيف عولجت مشكلة تأخر الوعي تلك، وما إذا نحن نعيش أزمة وعي قد تبدو مكتملة النصاب، ويفند الكاتب قوله “جاءت معالجتي لقضية ‘سؤال‘، لماذا تقدم العلم وتأخر الوعي؟ من منطلق أن الوعي والعلم بُعدان مختلفان، أي ليس كل متعلم واعيا بالضرورة، فالوعي بُعد، والعِلم بُعد آخر، هما خطان مستقيمان متوازيان قد لا يلتقيان وقد يلتقيان”.

15