"الحرامي 2".. معالجة متذبذبة لأزمة الفوارق الطبقية

يحاول فريق المسلسل المصري “الحرامي 2” الذي بدأ عرضه في الأول من أغسطس الجاري على منصة “شاهد في.آي.بي” استثمار النجاح الذي حقّقه الجزء الأول من العمل العام الماضي، وهو اختبار لهذا النوع من الأعمال القصيرة المتصلة، فحلقات العمل عشر فقط، لكن الجزء الثاني ضاعف مدة الحلقة الواحدة، بعد أن كانت في الأول نحو اثنتي عشرة دقيقة، لتزيد أو تقل دقيقة أو اثنتين في الجزء الثاني من العمل.
القاهرة – يهتم المسلسل المصري “الحرامي” في جزئه الثاني الذي تعرضه حاليا منصة “شاهد في.آي.بي” بقضية اجتماعية مكرّرة في ظاهرها، وهي الفوارق بين الطبقات وخصوصية كل مستوى فيها، لكن “الحرامي” اختار زاوية واحدة للمعالجة والتركيز عليها تتعلّق بأن السرقة يمكن حصرها في المستوى الاجتماعي الفقير، الأمر الذي تلاشاه طاقم التأليف في الجزء الثاني متعمدا الإيحاء بأن السارق ليست له هوية مجتمعية محدّدة، بما جعل العمل أقرب إلى الواقع وتشابكاته.
فإذا كانت ظروف التنشئة أجبرت شابا على الانحراف، وهذا لا يمكن قبوله كمبرّر أو حتى تفسيره منطقيا للسرقة، فإنها يمكن أن تجبر رجلا ذا مكانة اجتماعية محترمة على الانحراف، وهي المعالجة الفنية التي أراد طاقم العمل تمريرها بنعومة في الجزء الثاني لتصل الفكرة إلى الجمهور.
تغيير موفق
استعان “الحرامي 2” بنفس طاقم الممثلين الذين ظهروا في الجزء الأول وهم أحمد داش ورنا رئيس ورانيا يوسف وبيومي فؤاد وكارولين عزمي باعتبار أنه يستكمل الحكاية، وحرص على أن يبدو العمل كامتداد للجزء الأول، فالحرامي “كمال” (أحمد داش) بدأ الجزء الثاني من حيث انتهى الأول عند قرار عدم مواصلة السرقة واستكمال دراسته نزولا عند رأي محبوبته التي أدّت دورها الفنانة رنا رئيس.
وظهرت الرومانسية البسيطة التي جمعت بينهما، على الرغم من الفرق الواضح في المستوى الاجتماعي وكانت هي الخلفية أو الخيط الرئيسي الذي يربط جميع الأحداث، وهي فكرة جيدة خاصة أنها تمّت بلا افتعال أو لي لأعناق الحب العذري الذي ينشأ في ظروف صعبة وتقف أمامه تحديات مصيرية.

المسلسل من إخراج أحمد الجندي، وشارك في الكتابة منار ماهر، علاء مصباح، عبدالعزيز النجار، وسيناريو وحوار محمد بركات، معالجة وإشراف على فريق الكتابة أحمد فوزي صالح، وكان هذا الفريق متناغما في تقديم معالجة درامية متماسكة فنيا غير أن الثيمة التي لعب عليها تثير تساؤلات عديدة، لأنها كانت تقفز فوق الأحداث في بعض الأحيان بلا مقدّمات أو مبرّرات تخدم الفكرة.
واستوعب المخرج أحمد الجندي أن استمرار الأبطال الرئيسيين دون تغيير قد يفضي إلى ملل المشاهد أو شعوره بالرتابة، فأضاف إليهم الفنان محمد جمعة في شخصية “نشأت” ومعه مساحة لتوسيع دائرة المطاردة في الدراما التي تخدم الفكرة الرئيسية.
ويؤدّي جمعة دور صديق “طارق” (بيومي فؤاد) ويعملان معا في شركة واحدة، ويختلس منها طارق مبلغا كبيرا من المال للاستثمار فيه سريعا ثم يُعيده إلى الشركة، لكن صديقه طمع في المبلغ الكبير المؤتمن عليه وأخذه لنفسه ولم يظهر الدافع للخلاف بينهما.
وجاء هذا الرابط ليعزّز قناعة العمل بأن الأب بيومي فؤاد الذي اعترض على حب كمال لابنته لأنه حرامي من طبقة اجتماعية أقل ولم يقبل توبته يُقدم على الفعل نفسه، والأدهى أنه حيال رغبته الجارفة لاسترداد أمواله من صديقه لجأ إلى كمال ليقوم بسرقتها، في إشارة تنطوي على أنانية مفرطة، فكمال قرّر أن يتغيّر ويتوقّف عن السرقة ويقاوم الإغراءات ويتحدّى ظروفه ليثبت أنه شخص سوي وجدير بالثقة.
غير أنه تراجع عن قراره نزولا عند رغبة والد محبوبته الذي استعان به وأغراه بتعامله معه مثل ابنه، ملمّحا إليه بالتراجع عن قرار حثه على عدم التواصل مع ابنته من خلال وعده بأن له مكافأة كبيرة، وهي العلامة التي دفعت كمال للتفكير والتراجع عن قرار التوقّف عن السرقة والعودة إلى الصفة التي التصقت به أي “الحرامي”.
مساومة بلا أفق
إزاء المساومة الخفية التي تحمل تفسيرات غير أخلاقية رضخ كمال وعاد إلى السرقة مرة أخرى نزولا عند رغبة الأب وأملا في دخول هذه الأسرة التي يعتقد الشاب أنها متماسكة، من باب الارتباط العاطفي والتغاضي عن الفوارق الاجتماعية التي تتلاشى في بعض المواقف، فكمال يسرق لصالح طارق الذي قام بسرقة شركته كي يحسّن المستوى الاجتماعي لأسرته من مال حرام، في رسائل موحية بأن خطأ واحدا قد يكون كفيلا بقلب حياة الناس.
بدت الحبكة الفنية مليئة بالإثارة والتشويق والتعقيد وتضافرت فيها الكثير من المؤثرات الدرامية واستعانت بموسيقى لافتة ومتقنة لأنها خلقت أجواء حافلة بالخوف بمعناه الرمزي والمادي، الأمر الذي ظهر بوضوح في مشهد تسلّق كمال للفيلا التي يريد أن يحضر منها النقود والأوراق التي طلبها طارق منه لتبرئته وإدانة صديقه.
يشعر المشاهد في لقطات المطاردة بالخوف والإطمئنان في آن واحد. الخوف من القبض على كمال أثناء عملية السرقة، والاطمئنان أن مواهبه في خفة الحركة والتنكّر تسعفه في الهروب، وهو ما أشار إليه طارق في مشهد إقناع كمال بالسرقة بأنه أقام في منزله (طارق) عدة أيام دون أن يشعر به، وظهر بيومي فؤاد بأسلوبه السلس في التمثيل الذي يشعر المشاهد كأنه يؤدّي دورا حقيقيا في حياته.
تجمّع القلق في المشاهد التي رصدت فيها حبيبة كمال (رنا رئيس) وهي المريضة بشكل مزمن لتعرف إلى أين سيذهب ووالدها معا وحدثت لها مواقف تجمع بين الإثارة والطرافة أيضا، وقد دخل على خطوط مشاهد السرقة التي يقوم بها الحرامي معظم أبطال العمل، حسب دور كل منهم، في محاولة لتوظيف الشغف في استكمال عناصر الإثارة، والاستفادة من عنوان المسلسل الذي تدور حوله جميع الحلقات.
بقطع النظر عن نتيجة المساحة الطويلة للإثارة والدراما الملحمية التي تؤكّد أن “الحرامي 2” يحمل وجوها عدة تظهر في أوقات مختلفة، فالعمل يحوي مجموعة من الاستنتاجات الفنية، في مقدّمتها أن فريق العمل الواحد الذي يبدأ من التكامل بين الممثلين والممثلات ويصل إلى من يقفون خلف الكاميرات، من مخرج ومؤلفين وموسيقى وديكور، يمكنه تقديم أعمال جيدة ذات مستوى هادف طالما أن الجميع يحرص على النجاح، فالأنانية كانت سببا في تخريب الكثير من الأعمال الفنية.
ويحسب للفنانة رانيا يوسف إجادتها دور الأم التي تريد معرفة كل شيء عن زوجها وتتوقّف عند الإلمام بتفاصيل الصرف المادي، فقد وفر الزوج للأسرة الكثير من عوامل الرفاهية من دون أن تسأله من أين جاء بكل هذه الأموال، إلى أن عرفت بتورّطه في اختلاس أموال من الشركة، وحاولت مساعدته.
وحفل المسلسل بمبارزة تمثيلية شيقة بين أحمد داش ورنا رئيس وشقيقتها الكبرى في العمل كاروين عزمي، فالأول بدأ يشقّ طريقه، وعكست الثانية شكل الفتاة الحالمة والرومانسية والرقيقة، فيما برعت الثالثة في دور الفتاة الشقية والدلوعة التي لا تحسب خطواتها بدقة، ومغرمة مثل معظم بنات جيلها بالسوشيال ميديا ومتابعتها، وكان تصوير سذاجتها في إقامة علاقات عاطفية مع أحد الشباب نموذجا لما يمكن أن يقود إليه الاستهتار وتراجع المراقبة الأسرية من مشكلات.
واستثمر النجوم الشباب معرفتهم الكبيرة بمنصات التواصل الاجتماعي والتردّد عليها في القيام بحملة ترويج للمسلسل من خلال تعليقات متنوّعة تقول إنه العمل الأكثر مشاهدة، وعزفوا عليها بما خلق صورة ذهنية جذبت من لم يلتفتوا إليه مبكّرا، وهنا يمكن التعرّف على الدور الحيوي الذي تقوم به السوشيال ميديا في التعريف بعمل ما.
ولم تكن حلقات “الحرامي 2” اجتماعية بالمعنى التقليدي، حيث حرصت على تقديم نصائح للشباب والفتيات بطريقة غير مباشرة تدل على وعي كبير بما يمكن تمريره من أفكار وطريقة تقبلها، فلم تعد وصفة الدروس والنصائح والعبر والشكل الخطابي المباشر مفيدة في عصرنا الراهن مع شباب خبر التكنولوجيا وتفوّق في استخدامها، ويظل التجويد الفني من أهم المقاييس للحكم على تميّز أي عمل درامي بالتوازي مع الفكرة المطروحة.