كارثة تهدد العالم جراء احترار المناخ

فيضانات في عز الصيف وحرائق طالت مناطق كان يُعتقد أنها باردة تأتي على الأخضر واليابس وحياة الناس، إنه غضب الطبيعة أمام إصرار البشرية على تقليص انبعاثات غازات الدفيئة بدرجة كافية لحصر الاحترار عند 1.5 درجة مئوية، وتقاعس القادة عن اتخاذ الإجراءات الضرورية للحيلولة دون كارثة متوقعة.
باريس - هل يمكن للبشرية تقليص انبعاثات غازات الدفيئة بدرجة كافية لحصر الاحترار بدرجة مئوية ونصف؟ الرد على هذا التساؤل ليس بديهيا في ظل اعتبار متخصصين أن هذا الهدف طموح للغاية، وسط ترقب لما سيصدر قريبا عن خبراء المناخ في الأمم المتحدة بهذا الشأن.
ويُنتظر تقرير جديد للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ الاثنين، بعد سنوات على صدور آخر تقديرات لجنة الخبراء الأممية هذه عام 2014، خصوصا في ظل تزايد الكوارث التي تشكل دليلا حسيا على تبعات تغير المناخ.
ومن الأمثلة الحديثة عن هذه التجليات الحرائق الهائلة في اليونان وتركيا، وحرائق الغابات في سيبيريا وكاليفورنيا وإيطاليا، والمجاعة في مدغشقر، والفيضانات الاستثنائية في ألمانيا.
وتحصل هذه الأحداث المناخية المتطرفة فيما لا يزال ارتفاع معدلات الحرارة في العالم عند مستوى 1.1 درجة مئوية “فقط” مقارنة بمعدلات ما قبل الثورة الصناعية. وينص اتفاق باريس المناخي الموقع سنة 2015 على ضرورة حصر الاحترار بأقل من درجتين مئويتين، وصولا إلى درجة مئوية ونصف إذا أمكن.
مؤتمر غلاسكو يعد الأهمّ على صعيد إلزام الدول حول العالم باتخاذ إجراءات للحدّ من ظاهرة الاحتباس الحراري
وقال عالم المناخ بيتر ثورن، أحد معدي تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ قيد المناقشة، إن هدف حصر الاحترار بـ”1.5 درجة مئوية كان طموحا”.
لكنّ تقريرا خاصا أصدرته الهيئة عام 2018 أظهر آثارا أكثر خطورة للاحترار بدرجتين مئويتين مقارنة بتلك المترتبة عن الاحترار بدرجة مئوية ونصف. وقد “غيّر ذلك المعادلة تماما”، وفق ثورن.
وأشار البريطاني ألوك شارما، رئيس مؤتمر الأطراف المناخي السادس والعشرين (كوب 26) المقرر عقده في غلاسكو في نوفمبر، في تصريحات أدلى بها في مارس الفائت إلى ضرورة “التأكد من أننا نبقي هدف حصر الاحترار بدرجة مئوية ونصف في متناولنا”.
والسؤال المطروح اليوم يتمحور حول ما إذا كان هذا الهدف لا يزال قابلا للتحقيق. وصرح ألوك شارما في حوار أجراه مع الأوبزرفر أن “كارثةً” تحدق بالعالم في حال فشل المجتمعون في المؤتمر في اتخاذ إجراءات عاجلة.
وأضاف شارما في أول حوار له منذ توليه رئاسة المؤتمر “لا أظن أن كلمة أخرى غير كلمة كارثة تصف الوضع الراهن. ها أنتم تشهدون يوميا ماذا يحلّ بالعالم. كان العام الماضي الأشد حرارة على الإطلاق، وكان العقد الماضي أيضا الأشد حرارة على الإطلاق”.
وكانت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ تعمل على خمسة سيناريوهات مختلفة، من الأكثر تفاؤلا إلى الأكثر تشاؤما، وفق مسودة التقرير.
وفي الحالات الخمس كلها سيصل الاحترار العالمي إلى 1.5 أو 1.6 درجة مئوية بحدود العام 2030، أي أبكر بعقد مقارنة بالتقديرات الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية قبل ثلاث سنوات فقط.
وبحلول العام 2050 سيتم تجاوز عتبة 1.5 درجة مئوية بمقدار عُشر درجة في السيناريو الأكثر تفاؤلا لخفض غازات الدفيئة، ولكن بدرجة مئوية واحدة تقريبا في أسوأ السيناريوهات.
ويحذر شارما قائلا “لا أظن أن الوقت قد مضى، لكنني أعتقد أننا نقترب بشكل خطير من تلك اللحظة (…) لا نمتلك رفاهية انتظار سنتين أو خمس سنوات أو عشر، هذه هي اللحظة المناسبة”.
وشدد شارما على أن الكارثة لم تصبح حتى الآن حتمية الوقوع، وأن هناك إجراءات يمكن أن تنقذ أرواحا في المستقبل.
وقال إن “كل ارتفاع تسجله درجات الحرارة يحدث تغييرا، ولهذا يجب أن تتحرك الدول الآن”. وتبقى بارقة أمل، ففي أفضل السيناريوهات سينخفض الاحترار العالمي إلى 1.4 درجة مئوية بحلول العام 2100.
وينقسم المجتمع العلمي حول هدف 1.5 درجة مئوية. ويقول تيم لينتون من جامعة إكستر “العلماء لا يتشاطرون جميعهم الرأي نفسه”. ويحرك نقاش جانبي هذا الجدل يتمثل في البحث عن طريقة للتواصل مع الرأي العام من دون إغراق الناس في اليأس.

وقبل بضعة أشهر نشرت الأكاديمية الأسترالية للعلوم ورقة بيضاء بشأن الأخطار التي يواجهها العالم في حال بلوغ الاحترار عتبة ثلاث درجات مئوية، وقّعه علماء مناخ مشهود لهم بينهم أعضاء في الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.
وأكدت الورقة البيضاء أن “حصر الاحترار بدرجة مئوية ونصف درجة أصبح الآن مستحيلا عمليا”، حتى أن الحد منه ليصبح عند عتبة درجتين مئويتين سيتطلب جهودا جبارة.
ولم تتأخر ردود الفعل في الظهور، فقد علق علماء آخرون بأنه “من الناحية العلمية لا يزال بإمكان البشرية حصر ظاهرة الاحترار بـ1.5 درجة مئوية خلال هذا القرن”، مشددين على الدور الحاسم للعمل السياسي على هذا الصعيد.
ويشير باحثون كثر إلى أن تغير المناخ يقاس على مدى فترات زمنية طويلة كما أن تجاوز درجة حرارة معينة لفترة وجيزة لا يعني تفويت الهدف.
وقال ألدن ميير الذي يتابع مفاوضات المناخ منذ سنوات “الطريق إلى عالم يستقر فيه الاحترار عند 1.5 درجة مئوية ضيق وشاق للغاية”، مضيفا “هذا لا يعني أننا يجب أن نتوقف عن الكفاح. كل عُشر درجة له تأثير”.
كذلك أكد بيتر ثورن أن “قضية 1.5 درجة مئوية حساسة، وهي هدف جيوسياسي تتبناه حكومات عدة”، مضيفا “لكن إمكانية تحقيق هذا الهدف مسألة مختلفة تماما”.
وأضاف “إذا تجاوزنا مستوى احترار 1.5 درجة مئوية لنصل إلى 1.7، فهذا أفضل من تجاوز 1.5 درجة مئوية ووقف التحرك والانتهاء عند احترار عند 2.5 درجة مئوية”. ويعدّ مؤتمر غلاسكو الأهمّ على صعيد إلزام الدول حول العالم باتخاذ إجراءات للحدّ من ظاهرة الاحتباس الحراري.

