"العارف" فيلم مصري يعزف بنجاح على وتر الأكشن

يبدو أن الفنان المصري أحمد عز استمرأ في المدة الأخيرة نجاح تجسيده لشخصية ضابط الأمن الخارق للعادة ومتعدّد المواهب، فحصر نفسه في الدور ذاته إن كان سينمائيا أو تلفزيونيا. وهي ثيمة رافقته في فيلمي "الخلية" و"الممر"، وفي مسلسل "هجمة مرتدة" وظهوره كضيف شرف في "الاختيار 2" اللذين عرضا في الموسم الرمضاني الماضي. وجاء فيلمه الجديد "العارف: عودة يونس" ليستكمل به سلسلة رجل المخابرات قاهر الأعداء والخصوم والإرهابيين.
القاهرة - حقّق فيلم أحمد عز الجديد “العارف: عودة يونس” الذي شاركه بطولته محمود حميدة وأحمد فهمي ومصطفى خاطر والفنانة اللبنانية كارمن بصيبص نجاحا جماهيريا كبيرا منذ بداية عرضه في دور السينما المصرية في 15 يوليو الجاري، ومتوقع أن يستمرّ وقتا طويلا في ظل الإقبال المتزايد على عرض عالج جانبا مهما من حرب المعلومات والتكنولوجيا والقرصنة التي أصبحت من أبرز الحروب الخفية في العالم، ولا تقتصر على دول بعينها كبيرة أو صغيرة.
واستغل المؤلف محمد سيد بشير الفراغ الفني في هذه الزاوية بمصر، حيث لم تحظ باهتمام كبير يليق بخطورتها، وقدّم نموذجا حقيقيا مصحوبا بخيالات تنسجم مع الواقع أو تتقاطع معه، فقد تطرّق إلى محاولات سيطرة إرهابيين ومتطرفين في ليبيا على كميات كبيرة من الأسلحة الفتّاكة التي تركها نظام حكم العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، واستعانتهم بقراصنة معلومات وعصابات عابرة للحدود في تتبّع عدد من الضباط الليبيين الذين يملكون احداثيات للأماكن التي جرى إخفاء الأسلحة فيها.
سيمفونية من الحركة
قدّم المخرج أحمد علاء الديب في “العارف” سيمفونية من الإثارة والأكشن ولم يحل تعدّد مواقع التصوير وانتقالها من بلد إلى آخر دون نجاحه في ذلك، وقدّم مشاهد متنوعة وجذابة من مصر وبلغاريا وإيطاليا وماليزيا، أكّدت أن الشركة المنتجة “سينرجي” لم تبخل في الإنفاق بسخاء.
وتعاملت الشركة المنتجة مع العمل على أنه جزء مكمل لأعمالها السابقة الدرامية والسينمائية في مجال الدفاع عن الدولة المصرية والتركيز على الجهود الخفية التي يبذلها رجال الأمن المنتمون للجيش والشرطة.
ويعدّ عز من أبرز الوجوه التي شاركت في هذه النوعية من الأعمال التي تحظى باهتمام كبير، وتحوّلت إلى أداة من أدوات القوة الناعمة لتعزيز الرؤية السياسية الرسمية في بعض قضايا الإرهاب ومكافحة التجسّس وكشف ألاعيب الخصوم.
وبدأ عز يتقمّص أدوار جون رامبو الشهيرة على غرار سلسلة الأفلام التي قدّمها الممثل سلفستر ستالون وتظهر القوة الأميركية الخارقة وقدرة أجهزتها الأمنية على اختراق وتدمير الخصوم وتأكيد الهيبة اللامحدودة.
وهي مشكلة أخذت تطارد النجم المصري حاليا، لأن حصره في أدوار المنقذ والملهم والرمز الفني في التعبير عن جهود رجال الأمن زاد بطريقة تجبره على تغيير هذا النمط من الأعمال. وهو ما جعله ينفي في أحد تصريحاته الصحافية مؤخرا قيامه ببطولة الجزء الثاني من مسلسل “هجمة مرتدة” أو “الاختيار 3″، بما يعني أنه استشعر خطورة الاستمرار في هذا النهج الفني.
وأصبح ينظر إلى عز من قبل البعض على أنه “فنان الدولة”، وهي صفة إيجابية توحي بالثقة في قدراته كوجه مألوف، لكن خطورتها تأتي من النمطية التي يمكن أن تصيب المشاهدين مع كثافة وتوالي الأدوار المعلّبة في شخصيات متعددة تلقي الضوء على ما يقوم به الأمن المصري في مكافحة الجريمة بأنواعها.
ورغم الجانب الممتع في المشاهد المثيرة التي أجادها مدير التصوير أحمد المرسي، إلاّ أنها كانت تأتي في شكل مبالغ فيه أحيانا، ويمكن أن تكون مقبولة فنيا وتشويقيا لكن في هذا العمل زادت بما جعلها أقرب إلى الخيال، الأمر الذي يفقد القصة الحقيقية المستوحى منها العمل غير منطقية ويضع عليها علامات استفهام خاصة في المشاهد التي تحدث فيها قفزات مفاجئة، كأن يتم اختراق معلومات جهاز أمني حساس ثم يتم استردادها بعد لحظات، وتفجير قنابل موقوتة في مكان وينجو البطل منها.
كذلك الموت اغتيالا للضابط الكبير الذي أدّى دوره محمود حميدة في حادث سيارة لم يكن مفهوما في السياق الفني، ربما رغبة في اختصار الأحداث أو ضرورة رأى فيها المخرج أهمية لإنهاء دوره عند مستوى معين بعد أن أكمل مهمته في تدريب “يونس” أو “العارف” وهي الشخصية التي تقمّصها أحمد عز.
جودة الأداء
جاء العنوان الرئيسي للفيلم “العارف” ملحقا به “عودة يونس” كإشارة غامضة للوهلة الأولى لم تتكشّف دلالاتها إلاّ بعد وقت من بداية الفيلم، والذي لم يكشف عن هوية البطل، هل هو ضابط في مكافحة الإرهاب اعتزل أو تقاعد ثم عاد مرة ثانية، أم عميل لجهاز الأمن، وفي الحالتين هناك تداخل تعمّده القائمون على فيلم لترك مساحة لتخمينات الجمهور.
وتعدّ حرب المعلومات قماشة مطاطة وتستوعب الكثير من القصص والحكايات، وواعدة سينمائيا وتستحق المتابعة، غير أن الإسراف في القوة والتحكم والسيطرة من البطل في الفيلم يقلّل من فحوى الرسالة التي أراد العمل توصيلها للمشاهد، وهي أن مصر مستهدفة من قبل جهات عدة وتقاتل على أكثر من جبهة في الداخل والخارج.
وقدّم الفيلم الممثلة اللبنانية كارمن بصيبص في دور عميلة لجهاز مخابرات غير مصري، لكن مصلحتها واحدة مع يونس في مطاردة أحد البارعين في مجال “الهاكرز” وجسّده الفنان أحمد فهمي في دور “راضي” الذي يعمل لحساب تنظيم إرهابي ليبي يستهدف تخريب نظام المعلومات في أحد الأجهزة الأمنية بمصر التي تلاحق عناصره.
ورغم الأداء الفني الجيد لبصيبص وقدرتها على القيام بحركات صعبة لم تستعن فيها كثيرا بدوبلير، إلاّ أن طبيعة الدور كانت غامضة في الظهور والاختفاء بالموت غرقا والمهمة التي تقوم بها والمنطق الذي تعتمد عليه في العمالة والطريقة التي دفعتها للتلاقي مع يونس عند نقطة واحدة وهويتها وتبريرها للعمل في مجال القرصنة.
كل ذلك لا يقلّل من الجهد الذي قام به طاقم العمل، حيث استطاع أن يتفادى منغصات توقّف التصوير عقب انتشار فايروس كورونا ثم استئنافه، ونجح المخرج في تجاوز الفجوة الزمنية بين التصوير واستكماله وصولا إلى الوقت الذي عرض فيه الفيلم وما يحقّقه من ارتفاع في نسبة إقبال الجمهور داخل دور العرض.
ومثّل فهمي إضافة حقيقية للعمل وندا قويا لعز في مشاهد كثيرة، وساعدته تلقائيته وجاهزيته شكلا ومضمونا في توصيل صورة “الهاكر” المحترف المتمكّن من أدواته وحيله الذي لا يدين بولاء سوى لصنعته، فهو على استعداد للتحالف مع الشيطان، لذلك لم يتورّع عن التعاون مع تنظيم إرهابي يريد تدمير بلده (مصر).
ولعب الفيلم على مساحة معهودة من الغموض السياسي في بعض المشاهد، فلم يكشف عن هوية بعض الأجهزة العربية المعنية بالحصول على المعلومات الخاصة بالأسلحة التي تركها القذافي، وحصرها في تنظيم متطرف من دون توضيح كاف لقدرتها الفائقة في تتبّع بعض الضباط الليبيين.
مع أن التنظيم الإرهابي نجح في الوصول للمعلومات المطلوبة قبل جهاز الأمن المصري، غير أن النتيجة كانت في صالح الثاني الذي تمكّن من تدمير طابور من السيارات كانت تحمل أسلحة من ليبيا في طريقها لمصر عبر الحدود الطويلة، وهو مشهد حدث أكثر من مرة في الواقع عندما كانت القوافل تتدفّق على الحدود لتوصيلها إلى إرهابيين في مصر، ما يوحي بالتشابك على الجانبين.
وقد يفطن المشاهد بسهولة إلى الهدف وهو أن أيدي الأمن المصري قوية ونافذة وتعمل في أكثر من اتجاه وبلد وقادرة على مطاردة الإرهابيين في كل مكان مهما بلغ ذكاؤهم الملعوماتي، كإشارة جلية للتعبير عن مرحلة قاسية مرت بها البلاد عقب سقوط حكم الإخوان في 3 يوليو 2013، وتفويت الفرصة على متطرفين أرادوا تفتيت الدولة.
يبقى أن الفيلم يستكمل مسيرة الأعمال الفنية الجادة التي يؤدّي استمرارها إلى الحد من سينما المقاولات والمخدرات والراقصات التي راجت مع اختفاء الأفلام ذات الثيمة الهادفة، فالأفلام الثلاثة الرئيسية المعروضة حاليا في دور العرض “مش أنا” و”البعض يذهب للمأذون مرتين” و”العارف” تبشّر بعودة عصر القيمة الفنية وتشجّع المنتجين على إحداث قطيعة مع الأعمال السطحية.