بداية انحياز تركي للنهضة في الأزمة التونسية

تونس - كشفت تصريحات فؤاد أوقطاي نائب الرئيس التركي الذي اعرب عن "القلق" بشأن قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد تجميد اختصاصات البرلمان، وإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي من مهامه، بداية انحياز تركي لطرف دون آخر في الأزمة فضلا عن تدخل في الشأن التونسي العام.
وتأتي تصريحات أوقطاي استجابة لإشارات غير مباشرة أرسلها الغنوشي لطلب دعم تركي، في ظل ارتفاع منسوب الرفض الشعبي الداخلي لحركة النهضة وزعيمها.
وتعد تركيا من الداعمين الأساسيين لحركة النهضة الإسلامية، حيث تجمع صداقة شخصية كلاّ من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وراشد الغنوشي، فضلا عن التسهيلات التي قدمتها الحركة الإخوانية لأنقرة لترسيخ موطئ قدم لها في شمال أفريقيا، سواء عبر تقديم مساعدات، أو إنشاء مشاريع مشتركة تضمن لها الحضور الدائم على أراضيها.
وقال أوقطاي في تغريدة عبر حسابه على تويتر، إن تعليق عمل البرلمان وعزل الحكومة في تونس، أمر يبعث على القلق.
وأضاف "إننا في تركيا لطالما كنا داعمين للمكتسبات الديمقراطية لتونس الصديقة والشقيقة، وبعد الآن أيضا سيكون دعمنا من أجل تونس ديمقراطية".
وتأتي تصريحات أوقطاي استجابة لطلب الغنوشي الدعم التركي، في ظل ارتفاع منسوب الرفض الشعبي الداخلي لحركة النهضة وزعيمها.
وقال الغنوشي في تصريحات لقناة "تي.آر.تي" التركية "الدرس التركي يفيد بأنه إذا وقع انقلاب يجب الخروج إلى الشارع"، في إشارة إلى تحريضه لأنصار الحركة على البقاء في الشارع.
وأضاف الغنوشي "تم استغلال المشكلات الاقتصادية والاجتماعية لتحريض الشباب على الحكومة، ما مهّد لهذه القرارات الانقلابية، ونحمل (الرئيس) قيس سعيّد كل ما ينجم عن قراراته التي لم نُستشر فيها".
وشبه الغنوشي قرارات الرئيس سعيّد بمحاولة الانقلاب في تركيا عام 2016.
ولا تستقيم مقارنة الغنوشي هنا بين محاولة الانقلاب في تركيا وبين قرارات الرئيس سعيد، الذي استند فيها إلى نصوص الدستور وتحديدا الفصل 80 منه، الذي كانت حركة النهضة صادقت عليه في 2014.
ويبرز الخلل في التشبيه بين ما حدث في تونس وما جرى في تركيا أن الجيش التونسي المعروف منذ تأسيسه في الـ24 من يونيو 1956 بحياده لم يقم بأي محاولة أو عملية انقلاب، فيما عرفت تركيا منذ ستينات القرن الماضي بسلسلة من الانقلابات العسكرية.
وغادر الغنوشي محيط البرلمان التونسي، بعد منعه من الدخول، ومكث في سيارته لعدة ساعات.
ودخل الغنوشي في اعتصام أمام البرلمان، داعيا أنصاره إلى الالتحاق به للاحتجاج على قرارات الرئيس.
وفي غضون ذلك، أصدر الرئيس سعيّد أمرا رئاسيا بإعفاء المشيشي كوزير للداخلية بالنيابة ووزير الدفاع إبراهيم البرتاجي ووزيرة العدل بالنيابة حسناء بن سليمان من مناصبهم.
وجاء في الأمر الرئاسي وفق بيان رسمي صادر عن الرئاسة التونسية، أنه تقرّر أيضا أن يتولى الكتاب العامون أو المكلفون بالشؤون الإدارية والمالية، برئاسة الحكومة والوزارات المذكورة وتصريف أمورها الإدارية والمالية إلى حين تسمية رئيس حكومة جديد وأعضاء جدد فيها.
وكان سعيّد أصدر بيانا في ساعة متأخرة من مساء الأحد يحوي قرارا بإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي وتجميد عمل البرلمان لمدة 30 يوما، قائلا إنه سيحكم إلى جانب رئيس وزراء جديد.
وجاءت هذه الخطوة بعد يوم من احتجاجات واسعة ضد الحكومة وحزب النهضة الإسلامي ومطالبات شعبية بحل البرلمان، عقب زيادة في الإصابات بفايروس كورونا وتزايد الغضب من الخلل السياسي المزمن والمشكلات الاقتصادية.
ويقوم الأمن التونسي بالتدقيق في جوازات سفر جميع القادمين للبلاد، وينفذ قرارات الرئاسة بمنع سفر رؤساء الأحزاب وشخصيات سياسية ونواب.
وأكدت مصادر إعلامية محلية أن رئيس الحكومة المعزول موجود في منزله، وليس رهن الاعتقال كما أفادت أنباء في وقت سابق.
ووصل الغنوشي إلى مبنى البرلمان في الساعات الأولى من صباح الاثنين، حيث قال إنه سيدعو إلى جلسة تحدّ لسعيّد، لكن قوات الجيش المتمركزة خارج المبنى منعته من الدخول.
وندد الغنوشي الذي يرأس حزب النهضة بقرارات الرئيس التونسي ووصفها بأنها "انقلاب على الدستور"، لكن سعيد، المنتخب مباشرة من الشعب، أكد على أن خطوته تستند إلى الدستور.
وقال زعيم الحركة الإسلامية من خارج مبنى البرلمان إنه يعترض على جمع كل السلطات في يد شخص واحد.
ومنذ ساعات الصباح الأولى، تجمهر أنصار حركة النهضة وأنصار قيس سعيد أمام البرلمان، فيما لوحظ انتشار كثيف لقوات الأمن تحسبا لعمليات عنف.
وأظهرت صور بثها التلفزيون مواجهة العشرات من أنصار النهضة مع أنصار سعيّد بالقرب من مبنى البرلمان، حيث تبادلوا الشتائم في الوقت الذي كانت الشرطة تفصل بينهم.
وفيما تعارض حركة النهضة والأحزاب الداعملة لها الإجراءات التي اتخذها الرئيس التونسي، تجمعت حشود ضخمة في الساعات التي أعقبت إعلان سعيّد لدعمه في تونس ومدن أخرى، وتعالت الهتافات والزغاريد في الوقت الذي طوق فيه الجيش مبنى البرلمان والتلفزيون الحكومي.
وتسيطر حالة من الترقب الاثنين بشأن الخطوة التالية للرئيس التونسي، الذي أعلن أيضا رفع الحصانة عن النواب وتوليه رئاسة النيابة العامة لتحريك دعاوى ضد عدد منهم متورطين في قضايا فساد.
ورفض سعيّد، السياسي المستقل الذي تولى السلطة في 2019، الاتهامات بأنه قام بانقلاب.
وقال إنه استند في إجراءاته إلى المادة 80 من الدستور، ووصفها بأنها ردّ شعبي على الشلل الاقتصادي والسياسي الذي تعاني منه تونس منذ سنوات.
وانضم حزبان رئيسيان في البرلمان وهما قلب تونس وائتلاف الكرامة إلى حليفهما حزب النهضة في اتهام سعيد بالانقلاب.
وأثارت قرارات سعيد حفيظة الرئيس السابق منصف المرزوقي الذي يعد حليفا سابقا لحركة النهضة، والذي اعتبر التغيرات المفاجئة على النظام السياسي تمثل بداية منحدر "إلى وضع أسوأ".
ومساء الأحد، قال سعيد في بيانه الذي أعلن فيه إقالة المشيشي وتجميد البرلمان، إنه علق أيضا الحصانة القانونية لأعضاء البرلمان، وأنه وسيتولى رئاسة مكتب النائب العام.
وحذر من أي رد مسلح على إجراءاته، وقال "أنبه الكثير الذين يفكرون في اللجوء إلى السلاح… ومن يطلق رصاصة ستجابهه القوات المسلحة بالرصاص". ويحظى سعيد بدعم مجموعة كبيرة من التونسيين.
وظلت حشود يصل عددها إلى عشرات الآلاف في شوارع تونس ومدن أخرى، حيث أطلق البعض ألعابا نارية لساعات بعد إعلان سعيّد في الوقت الذي كانت طائرات هليكوبتر تحلق في سماء المنطقة.
وبعد صدور القرار بفترة وجيزة وصل سعيّد نفسه للقاء أنصاره المبتهجين في شارع الحبيب بورقيبة، الذي شهد أكبر الاحتجاجات في 2011.
وتم انتخاب الرئيس وأعضاء البرلمان في انتخابات شعبية منفصلة في 2019، في حين تولى رئيس الوزراء هشام المشيشي منصبه في الصيف الماضي ليحل محل حكومة أخرى لم تستمر سوى فترة وجيزة.
وفي الوقت نفسه أسفرت الانتخابات البرلمانية عن برلمان مقسم لم يشغل فيه أي حزب أكثر من ربع المقاعد.
وتدور خلافات سياسية بين سعيّد والمشيشي منذ عام مع مكافحة البلاد لأزمة اقتصادية وأزمة مالية تلوح في الأفق وتصدّ غير ناجح لجائحة كورونا.
وبموجب الدستور فإن الرئيس مسؤول بشكل مباشر عن الشؤون الخارجية والجيش، ولكن بعد ما شهدته مراكز التطعيم من فوضى الأسبوع الماضي طلب الرئيس من الجيش تولي مسؤولية التصدي للجائحة.
ومنذ أشهر، تسود حالة سخط البلاد التي تعاني من أزمة اقتصادية خانقة وانكماش وصل إلى نسبة 8 في المئة في 2020 لأول مرة منذ منتصف القرن الماضي، بجانب أزمة وبائية خطيرة تسببت في أعداد قياسية من الوفيات والمرضى في مستشفيات مكتظة ومتداعية.