واشنطن تُقر بنجاحات طالبان وتمهد للتخلي عن حكومة غني

بعثت الولايات المتحدة مساء الأربعاء برسائل تعترف فيها بنجاحات حركة طالبان الميدانية لكن تلك الرسائل تضمنت إشارات بشأن تمهيدها للتخلي عن الحكومة الأفغانية التي عليها التركيز على “الإرادة والقيادة” في مواجهة متمردي طالبان حسب واشنطن وذلك في وقت باتت فيه الحركة تسيطر على نصف مناطق أفغانستان.
واشنطن - اعترفت الولايات المتحدة بنجاحات ميدانية حققتها حركة طالبان مساء الأربعاء، فيما بعثت واشنطن برسائل مفادها أنها تمهد للتخلي عن الحكومة الأفغانية التي فقدت السيطرة على نصف مناطق أفغانستان.
وأكّد رئيس الأركان الأميركي الجنرال مارك ميلي أن طالبان اكتسبت زخما استراتيجيا في هجماتها في كافة أنحاء أفغانستان مستدركا أن ذلك لا يعني أن انتصارها غير مضمون إطلاقاً.
ونجحت الحركة المتمردة في بسط سيطرتها على نصف المناطق الأفغانية البالغ عددها 400 تقريبا لكن دون أن تسيطر على أيّ من مدن البلاد الرئيسية فيما تعزز أجهزة الأمن الأفغانية قواتها لحماية سكان المدن الرئيسية بحسب ما أفاد ميلي خلال مؤتمر صحافي.
وشدّد المسؤول الأميركي على أن “سيطرة طالبان العسكرية تلقائياً ليست أمراً مفروغاً منه” موضحا أن “القوات الأفغانية تلقت تدريباً وتجهيزات من الولايات المتحدة، ورغم أن عديدها يفوق بأشواط مقاتلي طالبان، وفق التقديرات، لكنّ العدد ليس المعيار المرجّح لحسم الحرب”.
وبدا ميلي وكأنه يمهد للتخلي عن الحكومة الأفغانية في مواجهة طالبان حيث قال إن “العامليْن الأكثر أهمية في القتال حالياً هما الإرادة والقيادة، وهذا سيكون بمثابة اختبار الآن لإرادة وقيادة الشعب الأفغاني وقوات الأمن الأفغانية وحكومة أفغانستان”.

مارك ميلي: طالبان اكتسبت زخما استراتيجيا في هجماتها في أفغانستان
وتشنّ طالبان عمليات عسكرية واسعة في أنحاء أفغانستان سيطرت خلالها على أراض ومعابر حدودية وطوقت مدنا، مع قرب اكتمال انسحاب القوات الأجنبية. وانعكس ذلك سلباً على معنويات القوات الأفغانية المستنزفة بفعل سنوات الحرب وبقرار انسحاب القوات الأجنبية.
وأكّدت حركة طالبان الأربعاء أنها لن تقاتل في عطلة عيد الأضحى إلا للدفاع عن النفس لكنها لم تعلن عن وقف رسمي لإطلاق النار، على غرار ما جرى في أعياد إسلامية سابقة.
وتواجه الحركة انتقادات لاذعة بشأن استخدامها إعلانات الهدنة لتعزيز مواقعها وتزويد المقاتلين بالإمدادات، ما يسمح لهم بمهاجمة قوات الأمن مع انتهاء الهدنة مع استمرار الجمود في المفاوضات.
وتأتي تعليقات طالبان غداة إعلان الرئيس الأفغاني أشرف غني في خطاب أن مقاتلي طالبان أثبتوا أن “لا إرادة ولا نية لديهم في إحلال السلام”، فيما المفاوضات بين الجانبين المتحاربين لا تحرز تقدماً يذكر.
وقبل دقائق من إلقائه خطابه، سقطت ثلاثة صواريخ قرب القصر الرئاسي حيث أدى غني صلاة العيد مع كبار المسؤولين، في هجوم تبناه تنظيم الدولة الإسلامية.
من جهته أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أنّ الولايات المتّحدة سلّمت الجيش الأفغاني الجمعة ثلاث مروحيات من طراز “بلاك هوك” وأنّها ستسلّمه مزيداً من العتاد العسكري في الأيام المقبلة.
وقال “سنظلّ ملتزمين بمساعدة الجيش الأفغاني والحكومة الأفغانية في المستقبل”.
وفي إشارة إلى أنّ هدف الولايات المتّحدة لا يزال منع عودة ظهور تنظيم القاعدة في أفغانستان، قال أوستن إنّ هناك وحدات أميركية متمركزة في قطر لمواصلة القتال ضد الجهاديين في أفغانستان بعد انسحاب القوات الأجنبية من هذا البلد.
وأكد الجنرال ميلي أن الانسحاب الأميركي من أفغانستان اكتمل بنسبة 95 في المئة، لافتا أنّ الولايات المتّحدة سحبت تسعة آلاف عسكري ومدني أميركي وعتاداً بحجم يعادل شحنات 984 طائرة من طراز سي – 17.
وكان البنتاغون قد أعلن في منتصف يناير الماضي أنّ عدد الأفراد العسكريين الأميركيين في أفغانستان انخفض إلى 2500 عسكري، لكنّ الجيش الأميركي يوظّف أيضاً عدداً كبيراً من المساعدين المدنيين، ولاسيما في المقاولات.
وأوضح رئيس الأركان الأميركي أنّ “مجموعة صغيرة من العسكريين بشكل رئيسي، ولكن أيضاً من المدنيين والمقاولين من الباطن، فضلا عن دبلوماسيين، لا تزال في أفغانستان لضمان الأمن وتعزيز وجودنا الدبلوماسي في كابول”.
وتأتي هذه المستجدات في وقت يتم فيه أيضا التركيز على أفغان تعاونوا مع الولايات المتحدة ويخشون انتقام طالبان منهم.
لكن وزارة الخارجية الأميركية أعلنت أنّ دفعة أولى من الأفغان الذين تعاونوا مع الجيش الأميركي ويسعون لمغادرة بلدهم ستصل إلى الولايات المتحدة مطلع الأسبوع المقبل.
وقالت المسؤولة في الوزارة عن هذا الملف تريسي جاكوبسون للصحافيين إنّ هذه الدفعة الأولى تضمّ حوالي 700 مترجم ومساعد أفغاني بالإضافة إلى أسرهم المباشرة، أي ما مجموعه حوالي 2500 أفغاني.
وكانت الولايات المتّحدة أعلنت الاثنين أنّ هذه الدفعة الأولى ستقيم لبضعة أيام في قاعدة فورت لي العسكرية في ولاية فرجينيا (200 كلم جنوب العاصمة واشنطن) ريثما تنتهي وزارة الأمن الداخلي من التدقيق في طلبات الهجرة التي تقدّموا بها.
ولفتت جاكوبسون إلى أنّ دفعة ثانية من أربعة آلاف مترجم ومتعاون وأفراد أسرهم المباشرة، أي حوالي 20 ألف شخص، تلقت الضوء الأخضر من السفارة الأميركية في كابول للحصول على تأشيرة الهجرة الخاصة بهم.
وأضافت أنّه يتعيّن عليهم الآن الخضوع إلى عملية تدقيق أمني مكثف، وهو إجراء قد يستغرق أشهراً عدّة، مشيرة إلى أنّه حرصاً من واشنطن على سلامة هؤلاء بعد انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان فهي ستسعى لإرسالهم إلى دول أخرى ريثما تنتهي عملية التدقيق هذه.
ولم تسمّ المسؤولة الأميركية الدول الأخرى التي قد تستضيف مؤقتاً هؤلاء الأفغان، لكنّ الولايات المتّحدة تتفاوض لهذه الغاية مع عدد من دول الشرق الأوسط، مثل الكويت وقطر.
وهؤلاء المترجمون والمتعاونون الذين يخشون على حياتهم مع تحقيق طالبان مكاسب سريعة على الأرض هم من بين 20 ألف أفغاني تقدّموا بطلبات لجوء إلى الولايات المتحدة بموجب ما يسمّى “تأشيرات الهجرة الخاصة”، ما يعني أنّ العدد الإجمالي لهؤلاء مع أفراد أسرهم يمكن أن يصل إلى مئة ألف شخص.
وسينضم هؤلاء إلى ما يقرب من 70 ألف مترجم ومتعاون هاجروا بالفعل إلى الولايات المتحدة منذ 2008.