"اللي مالوش كبير".. رهان فاشل على دراما الحركة

معالجة مصرية ساذجة لظاهرة العنف تسقط في عنف مضاعف.
الجمعة 2021/07/23
خليط من الحركة والعنف بلا مبررات موضوعية

يمثل المسلسل المصري “اللي مالوش كبير” تجربة درامية حاولت التعبير عن انتقاص حقوق المرأة بجميع أشكالها وصورها بداية من الاعتداء البدني وصولا إلى أشدّ أنواع الألم النفسي والمعنوي، لكنها ضلت طريقها بسبب انغماسها في عالم البلطجة والدم وإثارة التعاطف مع الخارجين على القانون.

القاهرة - لا يظهر المسلسل المصري “اللي مالوش كبير” الذي قام بتأليفه عمرو محمود ياسين وأخرجه مصطفى فكري حبكة مكتملة لتصبح أقرب إلى خلطة تجمع سلسلة من أعمال العنف والاختطاف والقتل المقترنة بقصة حب بين بطلته وأحد البلطجية، والذي أحبته وفضلته على زوجها الثري كبير السن.

والعمل هو التعاون الأول بين الفنانة ياسمين عبدالعزيز والفنان أحمد العوضي بعد زواجهما أخيرا، وانتظره الجمهور المتعلق بعالم الثنائيات الفنية وقصص الحب الرومانسية ليأتي المسلسل أقل كثيرا من توقعات المشاهدين والنقاد. وصنّف وقت عرضه الأول في رمضان الماضي، قبل إعادة عرضه حاليا على فضائية “سي.بي.سي دراما”، ضمن فئة المسلسلات الأقل جودة.

ويظهر من حلقته الأولى التوجّه الذي يحمله بقدر كبير من الشخصنة واستثمار أزمة الفنانة ياسمين عبدالعزيز مع زوجها رجل الأعمال الثري قبل طلاقها، وبناء مسلسل على فرضية أن المرأة تريد رجلا يشعرها بالأمان والوقوف إلى جانبها في المحن والعطف عليها، وقبل ذلك كله إشعارها بأنها أنثى.

وتدور قصة المسلسل حول الفتاة “غزل” (ياسمين عبدالعزيز) التي تتعرض لحادث اصطدام بين سيارتها وسيارة بلطجي عتيد في الإجرام يدعى “الخديوي” (أحمد العوضي)، وتقدّم ضده بلاغا للجهات الشرطية قبل أن يتصالحا بعد إعجابه بشخصيتها الجريئة والقوية، وتنشأ بينهما قصة حب من أول نظرة.

المسلسل يتطرّق إلى مخاطر فارق السن بين الأزواج وغياب لغة الحوار بينهم، ما يولّد عنفا لا خلاص منه إلاّ بالطلاق
المسلسل يتطرّق إلى مخاطر فارق السن بين الأزواج وغياب لغة الحوار بينهم، ما يولّد عنفا لا خلاص منه إلاّ بالطلاق

توظيف ملحوظ

ما يزيد من تأويلات الشخصنة مجيء المسلسل بعد عام على ظهور عمل درامي آخر حمل عنوان “ونحب تاني ليه” للبطلة ذاتها عن فنانة تشكيلية تتعرّض لمشاكل مع زوجها المخرج المشهور، فينفصلا عن بعضهما البعض ثم تلتقي صدفة بشاب في إحدى الحفلات ويعُجب بها، فيحاول التقرّب منها، لكنها تخاف من خوض تجربة عاطفية فاشلة مجدّدا.

ولا يقدمّ مسلسل “اللي مالوش كبير” سياقا منطقيا يبرّر أسباب تعلق زوجة رجل ثري -تربطه بأسرتها مصالح- ببلطجي سوى تعرّضها لعنف بدني من قبل الزوج بسبب سهرها لوقت متأخر خارج المنزل أثناء سفره إلى الخارج، والأدهى أنها تتعرّض للإيذاء ذاته من قبل الحبيب الجديد وتصفح عنه حتى بعد تسبّبه في إجهاضها.

يتضمن العمل كمّا كبيرا من العنف حتى بعد إجبار الرقابةِ مخرجَه (مصطفى فكري) على حذف مشاهد مثل اشتباك الخديوي مع خصم له في الحلقة الأولى والذي تضمّن وضعَه زجاجةً في فمه ثم حشرها في حلقه لمنعه من التنفّس، وهو أمر تم اعتباره مقزّزا ولا يمكن عرضه على الشاشة الصغيرة.

ولا يخلو المسلسل من إعادة تدوير بعض الأفكار وتنميط الممثلين في أدوار أدّوها سابقا مثل الفنانة دينا فؤاد التي يعاد تقديمها في صورة السيدة المتعلقة بعالم السحر، وتحاول حماية زوجها من الارتباط بأخريات بزيارة الدجالين والمشعوذين في استثمار لنجاحها السابق في مسلسل “جمال الحريم” الذي تم عرضه قبل أشهر.

ويتطرّق العمل الجديد إلى مخاطر فرق السن الكبير بين الزوجين وغياب لغة الحوار بينهما، وقد تمثل ذلك في شخصية “عابد” (الفنان خالد الصاوي) الذي يرى في العنف الوسيلة الوحيدة للتفاهم، ويتعامل مع زوجته كملكية خاصة، ولا يريد التخلي عنها بالطلاق بعدما طلبت منه ذلك إلاّ عندما يشعر بالرغبة في التفريط فيها.

صفقة مالية

يشير المسلسل إلى تعامل بعض الأسر مع الزواج كصفقة مالية يجب أن تستمر طالما يوجد نفع مالي منها، فأعضاء أسرة البطلة يعنفونها بسبب طلبها الطلاق من زوج لا تشعر معه بالسعادة، باعتبار أنه وليّ نعمتهم وانفصالهما يعني مصادرة امتيازاتهم المالية والزجّ بهم في المجهول.

وطرح تلك النقطة يعيد إلى الأذهان مجدّدا شخصنة مشكلات الممثلين الحياتية، تحديدا شقيق ياسمين عبدالعزيز الذي رفض زواجها من أحمد العوضي وانتقدها على مواقع التواصل الاجتماعي وقابله هجوم مضاد اتهمه بالانتفاع المالي، وامتدت التأويلات إلى درجة اعتبار عنوان المسلسل “اللي مالوش كبير” موجّها إليه في المقام الأول.

وتحمل شخصية البطلة قدرا كبيرا من التنافر وغياب المنطق، فرغم تقديمها في صورة القوية المتمرّدة الشرسة التي لا تخشى البلطجية وتصف نفسها بأنها قادمة من جهنم تتعرّض للضرب من الجميع، بداية من زوجها وشقيقها وحبيبها وصولا إلى النسوة اللاتي تم استئجارهنّ من قبل طليقة البلطجي لإبعادها عن طريقه.

وجُعِل السلاح ومحاولات القتل والخطف الوسيلة الأيسر لحل المشكلات كما لو أن الجميع يعيشون في “دولة تحكمها شريعة الغاب”، فالخديوي يبذل كل ما في وسعه لتعليم شقيقه الصغير البلطجة كما لو كانت علما له أصول يجب أن يتشرّبها حتى يصبح مثله مُهابا بين الناس، وهي نقطة أثارت جدلا حول المزاج الأخلاقي للدراما والأفكار التي تقدّمها في الآونة الأخيرة، حيث اختار بعضها العنف طريقا في حبكاته.

ودخل مجلس النواب على خط المسلسل بعدما اعتبر النائب أحمد مهنى، وكيل لجنة القوى العاملة، أنه يمثل صورة سيئة للمرأة ويخالف توجه الدولة نحو تمكينها في شتى المجالات، كما يشجّع الرجال على استخدام الأساليب العنيفة في معاملة النساء، قاصدا ظهور البلطجي كفتى الأحلام بالنسبة إلى السيدات.

"اللي مالوش كبير" ينتقد تعامل بعض الأسر المصرية مع الزواج كصفقة مالية يجب أن تستمر طالما يوجد نفع مادي منها

وعلى المستوى التمثيلي خطف خالد الصاوي الأضواء من الجميع بتنقلاته النفسية بين إظهار السادية من جهة وإظهار الطيبة والشراسة التي تثير التعاطف معه من جهة ثانية، خاصة مشهد انتحاره الذي استمر لمدة خمس دقائق كاملة، وكان شبيها بالمونودراما على المسرح، حيث تم ذلك بنقد ذاتي أمام المرآة تضمن محاسبة له على جميع أخطائه في الحياة وتفسير سر كره زوجته له، قبل أن ينهي حياته وحيدا على طاولة الطعام.

وحافظت الفنانة ياسمين عبدالعزيز على طريقتها التمثيلية في الجمع بين خفة الظل والتعبير الهادئ في مواقف الحزن دون بحور من الدموع المصطنعة أو التكلف بتعبيرات الوجه في ظل الخبرة التي اكتسبتها من الجمع بين الكوميديا والتراجيديا، بينما لم يقدّم أحمد العوضي جديدا على طريقته المعتادة في التعبير التي لا تختلف سواء أكان إرهابيا أم ضابطا أو حتى بلطجيا.

ومثل العمل مغامرة فنية بكل المقاييس بتكرار غالبية من شاركوا مع ياسمين عبدالعزيز في مسلسلها السابق “ونحب تاني ليه”، باستثناء العوضي، وراهن طاقم المسلسل على الفكرة التجارية الشبيهة بما يقع في السينما التجارية حيث تكررت الاشتباكات والقتل والقنص لجذب شريحة من الجمهور متعلقة بعالم الحركة، وهو أمر جعل الطاقم في منافسة مع مسلسل “ملوك الجدعنة” لعمرو سعد ومصطفى شعبان والذي تضمّن قدرا أعلى بكثير من الحركة والاشتباكات المسلحة، وربما تخلّص كلاهما من هذه المقارنة في العرض الثاني.

وتحمل نهاية المسلسل قدرا من الصدمة، فالخديوي (العوضي) يقتل ثلاثة أشخاص قبل أن تقتله قوات الأمن في تبادل لإطلاق النار، وتبدأ البطلة حياتها من جديد بعد حصولها على ثروة زوجها السابق الذي تنازل عن جميع ممتلكاته لها لتنعم بالثراء دون منغصات، في إشارة إلى أن القدر عوّضها عن معاناتها مع رجل يكبرها بسنوات.

ونشب خلاف بين بطلة المسلسل التي أرادت نهاية سعيدة والمؤلف الذي رفض التدخل بسبب حقوقه الأدبية التي تمنحه أحقية رسم سيناريو دون تدخل المخرج أو أبطال العمل، معتبرا أن شخصية البلطجي يجب أن تكون نهايتها القتل، وانتهى الأمر بإلغاء متابعتها له على مواقع التواصل الاجتماعي.

16