واشنطن تحذر أنقرة من استجابة قوية بشأن فاروشا القبرصية

باريس - انضمت فرنسا الأربعاء إلى القوى الكبرى الرافضة لإعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي وصفته بـ"المستفز"، عن إعادة فتح مدينة فاروشا القبرصية المهجورة، خلال زيارة له للشطر الشمالي الذي تحتله تركيا من الجزيرة المتوسطية.
وقالت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان إن "فرنسا تأسف بشدة لهذه الخطوة الأحادية التي لم يتم التنسيق لها وتمثل استفزازا"، مضيفة "إنها تقوض استعادة الثقة الضرورية للاستئناف العاجل للمفاوضات من أجل حل عادل ودائم للقضية القبرصية".
وفي وقت سابق من مساء الثلاثاء، لوحت الولايات المتحدة بإحالة الوضع المقلق في مدينة فاروشا، إلى مجلس الأمن الدولي، بعد إعلان الرئيس التركي والزعيم القبرصي التركي إرسين تتار، نقل السيطرة عليها إلى القبارصة الأتراك.
ودان أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأميركي، في بيان مساء الثلاثاء، الخطة التوسعية بنقل السيطرة على مدينة تشكل رمزا لتقسيم قبرص، إلى القبارصة الأتراك، مؤكدا أنها مخالفة لقرارات مجلس الأمن الدولي.
وأعلن أردوغان وتتار الثلاثاء السيطرة على أجزاء من فاروشا، المدينة التي تشكل رمزا لتقسيم قبرص، والتي غادرها سكانها الأصليون القبارصة اليونانيون منذ قرابة نصف قرن، ويريد القبارصة الأتراك اليوم بدعم من أنقرة إعادة فتحها تحت إدارتهم.
وشدد الرئيس التركي على أن "الحياة ستُستأنف في فاروشا"، مجددا دعوته للمالكين القبارصة اليونانيين إلى المطالبة، عبر لجنة قبرصية تركية، بتعويض عن خسارة ممتلكاتهم في 1974.
وقال بلينكن إنه "من الواضح أن هذه الخطوة تتعارض مع قراري مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقمي 550 و789، اللذين يطالبان صراحة بإدارة فاروشا من قبل الأمم المتحدة".
وفاروشا التي كثيرا ما كانت وجهة للسياح الذين كانوا يقصدونها للاستمتاع بمياهها الصافية وأمسياتها الصاخبة، باتت منذ عقود مدينة مقفرة محاصرة بالأسلاك الشائكة، وتستخدم ورقة للتفاوض.
وإعادة فتحها خط أحمر بالنسبة للسلطات القبرصية اليونانية، لكن الجيش التركي أعاد فتح أجزاء من شاطئها العام الماضي، قبل أسابيع على انتخاب تتار.
وكان أردوغان قد زار فاروشا في خطوة نددت بها جمهورية قبرص واعتبرتها "استفزازا غير مسبوق".
وقال بلينكن "منذ إعلان القبارصة الأتراك، بدعم من تركيا، في أكتوبر 2020، عن افتتاح شاطئ فاروشا وبدأوا في اتخاذ إجراءات لتنفيذ هذا القرار، تجاهل القبارصة الأتراك وتركيا دعوات من المجتمع الدولي ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى التراجع عن خطواتهم أحادية الجانب".
ووصف الوزير الأميركي "تصرفات القبارصة الأتراك في فاروشا، بدعم من تركيا"، بأنها "استفزازية وغير مقبولة ولا تتوافق مع التزاماتهم السابقة بالمشاركة بشكل بناء في محادثات التسوية".
وحثت الولايات المتحدة "القبارصة الأتراك وتركيا على التراجع عن قرارهم المعلن اليوم (الثلاثاء) وجميع الخطوات المتخذة منذ أكتوبر 2020".
ونبهت واشنطن إلى أنها "تعمل مع شركاء متشابهين في التفكير لإحالة هذا الوضع المقلق إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وستحث على استجابة قوية".
وأكدت الخارجية الأميركية "أهمية تجنب الأعمال الاستفزازية أحادية الجانب التي تزيد التوترات في الجزيرة، وتعيق الجهود المبذولة لاستئناف محادثات التسوية القبرصية وفقا لقرارات مجلس الأمن الدولي".
وقبرص مقسّمة منذ غزو الجيش التركي لثلثها الشمالي عام 1974. وانضمّت جمهورية قبرص عام 2004 إلى الاتحاد الأوروبي الذي تنحصر مكتسباته بالشطر الجنوبي من الجزيرة، حيث يقطن قبارصة يونانيون، وتحكمه سلطة هي الوحيدة المعترف بها في الأمم المتحدة، أمّا "جمهورية شمال قبرص التركية" فهي معلنة من طرف واحد منذ 1983 ولا تعترف بها سوى تركيا.
وشددت الولايات المتحدة على أنها لا تزال "تؤيد تسوية شاملة يقودها القبارصة لإعادة توحيد الجزيرة كاتحاد ثنائي المنطقتين والطائفتين لإفادة جميع القبارصة والمنطقة الأوسع".
ويأتي هذا بعد ساعات على إعلان أردوغان تمسّكه بحلّ يقوم على دولتين في قبرص، في كلمة شديدة اللهجة ألقاها خلال زيارة للشطر الشمالي من قبرص في الذكرى الـ47 للاجتياح التركي الذي أدى إلى تقسيم الجزيرة المتوسطية.
وقال أمام حشد خلال عرض عسكري في الشطر الشمالي من العاصمة "ليس لدينا خمسون عاما لنضيعها"، في إشارة إلى عقود من جولات التفاوض برعاية الأمم المتحدة باءت بالفشل في توحيد الشطرين اليوناني والتركي القبرصي من الجزيرة.
ويشير مراقبون إلى أن حل الدولتين في قبرص يخدم أطماع أردوغان في وضع يده على الغاز شرق المتوسط، حيث يخوض صراعا مع أثينا ونيقوسيا بشأن حقوق التنقيب.
ورفض أردوغان تحذيرا هذا الشهر من رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين من أن بروكسل "لن تقبل" بحلّ الدولتين في قبرص، العضو في الاتحاد الأوروبي.
ووصفت أنقرة مساء الثلاثاء الانتقادات التي وجّهها وزير خارجية الاتحاد الأوروبي إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن قبرص بأنها "بطالة ولاغية"، معتبرة أن بروكسل لا يمكنها الاضطلاع بأي دور لحل النزاع في الجزيرة المتوسطية.
وكان وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أعرب في وقت سابق الثلاثاء عن "قلقه" إزاء إعلان أردوغان عن مشروع لإعادة فتح مدينة فاروشا القبرصية، المنتجع السياحي السابق، واصفا الأمر بأنه "غير مقبول".
وقال بوريل في بيان "يشدد الاتحاد الأوروبي مجددا على ضرورة تفادي الخطوات الأحادية المنافية للقانون الدولي، والاستفزازات الجديدة التي يمكن أن تزيد التوترات في الجزيرة وتهدد استئناف المفاوضات، بهدف التوصل إلى تسوية شاملة للمسألة القبرصية".
ويرى متابعون أن أردوغان يرى في قضية قبرص العالقة متنفسا جديدا لمواصلة التوسع الخارجي، بعد أن فرض تدخله المباشر في كل من ناغورني قرة باغ وليبيا تغييرا في موازين القوى على الأرض.
ويشير هؤلاء إلى أن الرئيس التركي المحاصر بأزمات داخلية حادة، بحاجة إلى جبهة توتر جديدة للتغطية على أزمات الداخل المستفحلة.