واشنطن للقاهرة: ملف حقوق الإنسان لن يوضع على الرف

القاهرة – أعادت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تذكير الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بأن ملف حقوق الإنسان في بلاده لن يُوضع على الرف، وأن التطورات الإيجابية في مسيرة العلاقات بينهما التي ظهرت تجلياتها في الاتصالين الهاتفيين بين الرئيسين وفي الحرب على غزة ونتائجها السياسية لن تمنع متابعة هذا الملف بجدية.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس الأربعاء، إن الولايات المتحدة “قلقة إزاء استمرار اعتقال زعماء المجتمع المدني والأكاديميين والصحافيين بمصر وتوجيه الاتهامات والمضايقات لهم، وإنها عبرت للقاهرة عن هذا القلق”.
وكرر تعليق الخارجية الأميركية تحفظات سابقة حول ملف المعتقلين الذي يمثل منغصا للقاهرة، ورغم قيامها بالإفراج عن العديد من الشخصيات غير أن هناك آخرين لا زالوا في الحبس الاحتياطي ما يجعل قضيتهم قابلة للتفجير في أي لحظة.
وأضاف برايس للصحافيين أن واشنطن أبلغت الحكومة المصرية بأن أفرادا مثل حسام بهجت، الناشط في الدفاع عن حقوق الإنسان، ينبغي عدم استهدافهم.

أيمن نصري: الرسائل الصادرة من واشنطن لن تؤدي الغرض منها
ولم تصدر السلطات المصرية تعقيبا على الانتقاد الأميركي الجديد، لكنها تؤكد عادة احترامها لحقوق الإنسان واستقلالية ونزاهة القضاء ورفضها أي تدخل في شؤونه.
وأكد رئيس المنتدى العربي الأوروبي للحوار وحقوق الإنسان أيمن نصري أن التلويح بملف حقوق الإنسان لم يعد يأخذ الزخم الذي كان عليه قبل سنوات، لأن واشنطن لم تتخذ مواقف جدية تجاه العديد من الدول التي رأت أنها تنتهك الأوضاع الحقوقية وانسحبت من أهم منظمة دولية حقوقية (المجلس الدولي لحقوق الإنسان) وبدت كدولة لديها معايير مزدوجة.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن الرسائل الصادرة من الولايات المتحدة أخيرا لن تؤدي الغرض منها لأنها ارتبطت بالدفاع عن شخص بعينه، في حين أن هناك تطورات ملموسة في الملف الحقوقي على مستوى القوانين والإفراجات المتتالية عن المسجونين.
ولم يستبعد أيمن نصري أن تتصاعد اللهجة الأميركية خلال الفترة المقبلة في ظل مساعي الحزب الديمقراطي إلى إعادة توظيف الملف للضغط على عدد من الدول في ملفات سياسية، ويجري ذلك بالتعاون مع دوائر غربية أخرى لديها نفوذ في الاتحاد الأوروبي.
ويقول مراقبون إن المعونة العسكرية المقدمة للجيش المصري قد تأخذ حيزا واسعا من النقاشات داخل الكونغرس الأميركي وتوظيفها للضغط على القاهرة، لتفعيل قانون الجمعيات الأهلية وإدخال تعديلات كبيرة على قانون التظاهر.
وألمح برايس في إفادته إلى أن واشنطن ستأخذ مسألة حقوق الإنسان بعين الاعتبار في مفاوضات بيع الأسلحة بين البلدين الحليفين، التي قد يستخدمها الكونغرس كورقة لحث القاهرة على تسخين الملف الحقوقي، وذلك بعد إعلان بهجت المدير التنفيذي للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية الاثنين إحالته إلى المحاكمة في 7 سبتمبر المقبل.
ووجّهت النيابة العامة إلى بهجت تهما تتعلق بنشر شائعات كاذبة تفيد بتزوير نتيجة الاستحقاق الانتخابي، واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي في ارتكاب جرائم، وهي التهم التي توجه عادة للكثير من الناشطين، يضاف إليها أحيانا الانضمام لجماعة محظورة (الإخوان) أو خدمة أهدافها.
ويُعرف عن الرئيس جو بادين وأنتوني بلينكن وزير خارجيته الاهتمام بقضايا الحريات وحقوق الإنسان وانتقاد إجراءات التضييق على المعارضين بالعالم واحتلت أهمية في الخطاب الانتخابي.
ووعد بايدن في خضمّ حملته الانتخابية بعدم إعطاء “شيك على بياض” للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي كان حليفا وثيقا للرئيس السابق دونالد ترامب.
ويشير تركيز واشنطن على قضية الناشط المدني حسام بهجت إلى أن ملف حقوق الإنسان لا يقتصر على جماعة الإخوان والمنتمين إليها، كما تردد وسائل إعلام مصرية على سبيل التقليل من أهمية الانتقادات الغربية عموما.
وهذا أول رد فعل سلبي واضح من جانب الإدارة الأميركية بعد شهر العسل الذي ظهر مع حرب غزة بين بايدن والسيسي، بما يؤكد أن الأول سوف يضع الملفات الحقوقية والسياسية والعسكرية بالتوازي في علاقته مع الثاني، وأن معايير حقوق الإنسان ومنظومتها الأميركية لن يتم تجاهلها مهما تحسنت العلاقات مع القاهرة في المجالات الأخرى.

عمرو عبدالعاطي: توظيف ورقة حقوق الإنسان لن يأتي بأي مردود لواشنطن
وقال الباحث المتخصص في الشؤون الأميركية عمرو عبدالعاطي إن استعادة توظيف ورقة حقوق الإنسان لن يأتي بالمردود الذي تتوقعه واشنطن وسط التحولات الحالية في سياستها تجاه الشرق الأوسط ومساعيها للانسحاب بشكل تدريجي، ولم تعد المنطقة تحمل أهمية مفصلية بالنسبة لها، لكنها تخضع لرغبة الديمقراطيين وقطاع من الجمهوريين في الاعتماد على الملف الحقوقي لحماية المصالح الأميركية بالمنطقة.
ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن الخارجية الأميركية تتدخل لدى الكونغرس لتمرير المعونة كاملة لمصر وترى من مصلحتها إبرام الاتفاقيات العسكرية والالتزام بالمعونة لأسباب اقتصادية واستراتيجية مرتبطة بها ورغبتها في الحفاظ على علاقات قوية مع القاهرة.
ويعتقد بعض المتابعين أن الإدارة الأميركية تدافع عن مبادئ ومصالح وحينما يحدث تعارض بينهما تقدم المصالح، وهو ما يظهر في مفاوضات الملف النووي مع إيران وإقامة علاقات مع روسيا والصين، إضافة إلى أن إدارة جو بادين تراجعت عن كل ما تحدثت عنه بشأن علاقتها مع القاهرة عندما أدركت أن هناك تصعيدا خطيرا في قطاع غزة.
لم تنكر الولايات المتحدة في غالبية المحطات التي حدث فيها تواصل مباشر مع مصر من خلال الرئيس السيسي أو وزير خارجيته سامح شكري، اهتمامها بحقوق الإنسان الذي بات يمثل محورا في التوجهات الأميركية لكنها تجنبت تسليط الضوء عليه.
وتزامنت الانتقادات الأميركية الجديدة مع حملة توقيعات يقوم بها صحافيون مصريون للإفراج عن الصحافيين والناشطين هشام فؤاد وحسام مؤنس اللذين انتهت مدة الحبس الاحتياطي لهما ولم يتم الإفراج عنهما.
وأفرجت السلطات المصرية عن صحافيين ونشطاء وسياسيين في الأشهر الماضية في رسالة توحي بالتجاوب مع مطالب الإدارة الأميركية الجديدة واستعدادها للتفاهم في ملف حقوق الإنسان مع مراعاة الخصوصية المصرية، التي لا تحصره في الحريات والإصلاح السياسي وتضع له منظومة من القيم الاجتماعية والاقتصادية.
وقال المحامي والحقوقي خالد مساء الأربعاء إن محكمة جنايات القاهرة دائرة الإرهاب قررت إخلاء سبيل 130 متهما على ذمة 20 قضية سياسية خلال هذا الأسبوع، بعد أن نظرت في أوامر تجديد الحبس الاحتياطي لألفي متهم ومتهمة خلال الأيام الثلاثة الماضية.