ضغوط تدفع أردوغان إلى إقالة رئيس جامعة بوغازيتشي

رضخ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد فترة من العناد إلى رفض المحتجين تعيين شخصية سياسية مقربة منه على رأس جامعة بوغازيتشي في إسطنبول وقرر إقالته، في خطوة نادرة في ما يتعلق بطريقة التعامل مع الاحتجاجات.
إسطنبول – تعكس إقالة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الخميس لرئيس جامعة موال له عيّنه حديثا واعترض عليه الطلاب والأساتذة المباشرون وحتى المعارضة السياسية، تحولا نادرا في مواجهة الاحتجاجات والضغوط الشعبية، يرى مراقبون أنها تؤشر على مساعي الرئيس التركي لتجنب أزمات داخلية قد تفسد عليه حملته الانتخابية المبكرة.
وأعلن مرسوم جمهوري نُشر في الصحيفة الرسمية قرار إقالة مليح بولو من رئاسة جامعة بوغازيتشي في إسطنبول وتعويضه بمحمد ناجي إنجي الرئيس السابق لقسم الفيزياء الذي تم تعيينه نائبا لرئيس الجامعة خلال رئاسة بولو لها، رئيسا بالإنابة.
ولم يكن القرار سببا للخطوة أو أي تفاصيل أخرى، إلا أن مراقبين يعتقدون أنه جاء بسبب الضغوط المتنامية التي قد تخلق أزمة داخلية للرئيس الذي انطلق في ترميم شعبيته وشعبية حزبه المتراجعة قبل انتخابات مصيرية في 2023.
وأثار تعيين بولو، الأكاديمي والمرشح السياسي السابق المقرب من أردوغان، رئيسا لجامعة بوغازيتشي انتقادات بوصفه خطوة غير ديمقراطية، وامتدت احتجاجات اندلعت بسبب القرار في أوائل يناير إلى مدن أخرى.
احتجاجات بوغازيتشي شكلت اختبارا لمدى قدرة أردوغان على كبح ثاني أكبر احتجاجات على سياساته بعد احتجاجات جيزي 2013
وتظاهر طلاب الجامعة وأساتذتها والخريجون الذين يريدون انتخاب رئيس الجامعة بدلا من تعيينه ضد تنصيب العضو السابق في حزب العدالة والتنمية الحاكم بولو منذ أوائل يناير. واعتقلت الشرطة العشرات وداهمت بعض منازل المحتجين.
وأتاح تعيين بولو للحكومة فرصة للتأثير على الموظفين في الجامعة الأميركية سابقا، والتي يرى أنصار أردوغان أنها موالية للغرب بشكل مفرط.
وفي فبراير وصف أردوغان المتظاهرين بـ“الإرهابيين الذين أرادوا مداهمة مكتب رئيس الجامعة” وتعهد بفعل “كل ما هو ضروري” لوقفهم.
وأمام فشل احتواء تلك الاحتجاجات ووسط مخاوف من اتساعها حركت الحكومة التركية الجهاز القضائي لمعاقبة بعض المعتقلين بذريعة مقاومة السلطات، وهي ذريعة تتناغم في مدلولها مع أخرى استخدمتها السلطات لاعتقال ومحاكمة ناشطين حقوقيين ومعارضين سياسيين وإعلاميين ومنها “دعم تنظيم إرهابي” أو “الدعاية للإرهاب” أو “إهانة الرئيس” وكلها أصبحت قوالب جاهزة لصناعة حكم قضائي.
ويؤكد مراقبون أن تهم الإرهاب الجاهزة التي تطلقها الحكومة التركية تجاه كل من يعارض سياساتها لم تعد مقنعة للدوائر الغربية.
وبالفعل طالت المتظاهرين حملة اعتقالات واسعة. ورغم أنه تم الإفراج عن معظم الطلاب الذين اعتقلوا، أدت عمليات التوقيف ووحشية القوات الأمنية إلى توجيه اتهامات جديدة لأردوغان بالميل إلى الاستبداد.
وشكلت احتجاجات جامعة بوغازيتشي اختبارا لمدى قدرة أردوغان على كبح ثاني أكبر احتجاجات على سياساته بعد احتجاجات متنزه جيزي 2013 وكان حينها رئيسا للوزراء وهي الاحتجاجات التي سقط فيها قتلى وجرحى.

ويأتي تراجع أردوغان الذي رفض في وقت سابق الاستجابة لمطالب المحتجين في وقت كشف فيه استطلاع للرأي أن الناخبين، لأول مرة في تركيا، يفضلون تحالف الأمة المعارض على التحالف الحاكم قبل انتخابات عام 2023.
ووفقا لمسح حديث أجرته وكالة الاستطلاعات الخاصة ميتروبول التي أوردتها بوابة الأخبار دوفار، قال 44.1 في المئة من المستطلعين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاما إنهم يشعرون بأنهم أقرب إلى تحالف الأمة منهم إلى التحالف الحاكم.
وفي المقابل، كان تحالف الشعب الذي يتألف من حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب الحركة القومية المتطرف قد وصل إلى 36.2 في المئة ضمن هذه الفئة العمرية.
ويتكون تحالف الأمة من حزب الشعب الجمهوري العلماني المعارض الرئيسي، والحزب الصالح من يمين الوسط، وحزب السعادة الإسلامي، والحزب الديمقراطي، ولا يعد حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد جزءا من هذه الكتلة المعارضة، لكنه أيضا حقق نتائج جيدة مع الناخبين الأتراك الأصغر سنا في الماضي.
وأمام تراجع التأييد لحزب العدالة والتنمية، تجد المعارضة نفسها أمام فرصة تاريخية لاستثمار هذا التراجع استعدادا للمحطات الانتخابية القادمة وهزيمة أردوغان.
ومؤخرا تشكلت أحزاب منافسة جديدة من قبل الشخصيات البارزة السابقة في حزب العدالة والتنمية، ما يساهم في تقليص الخزان الانتخابي للحزب الإسلامي المتراجع أصلا.
واستطاع الحزبان المنفصلان عن حزب العدالة والتنمية، حزب المستقبل الذي أسسه رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، وحزب الديمقراطية والتقدم (ديفا) الذي أسسه وزير الاقتصاد السابق علي باباجان، حصد المزيد من الأصوات التي كانت تذهب لمصلحة الحزب الحاكم، وذلك رغم حداثة تأسيس كل منهما.
وكل هذه الأحزاب ترفع شعارا واحدا تقريبا وهو العمل على عزل الرئيس الحالي الذي يعكف حزبه وحليفه الحركة القومية على إعداد دستور جديد على المقاس يؤبد حكم الفرد الواحد في تركيا.