فيلم يُعالج القضايا الجادة للمجتمع بسياقات مضحكة

الاقتباس ظاهرة تتكرّر في "البعض لا يذهب للمأذون مرتين".
الجمعة 2021/07/16
الجمع بين الهزل والجد وسيلة لنقد الأوضاع المجتمعية البائسة

أثبت الفيلم المصري “البعض لا يذهب للمأذون مرتين”، الذي انطلق عرضه مؤخرا في دور السينما المصرية، مرة أخرى أن ارتفاع الإيرادات ليس معيارا كافيا للحكم على الجودة الفنية التامة للفيلم؛ فقد حقّق الفيلم في اليوم الأول من عرضه 1.5 مليون جنيه مصري (نحو 150 ألف دولار)، وهو مبلغ مرتفع في زمن كورونا مقارنة بإيرادات غيره من الأفلام المعروضة في الوقت ذاته.

القاهرة – اعتمد الفيلم المصري الجديد “البعض لا يذهب للمأذون مرتين”، الذي قام ببطولته كريم عبدالعزيز ودينا الشربيني وماجد الكدواني وبيومي فؤاد، على ثيمة الاقتباس في العنوان والمضمون؛ إذ جاء محاكيا في بعض جوانبه لفيلمين سابقين، فقد تمت إضافة كلمة (لا) إلى العنوان للتفرقة بينه وبين فيلم “البعض يذهب للمأذون مرتين” الذي عرض عام 1978، وهو من بطولة عادل إمام وميرفت أمين ونور الشريف، وتطرّق إلى المشاكل الزوجية والخلافات التي تؤدّي إلى الطلاق.

الغريب أن كريم عبدالعزيز شارك في الفيلم الأول عندما كان طفلا، وهو من إخراج والده محمد عبدالعزيز، الأمر الذي جعل العزف على وتر الفيلم السابق يبدو كأنه مقصودا، وجعل الغاية من اللعب على الخداع البصري والفرق الطفيف في العنوانين هي إثارة الانتباه وتوصيل رسالة تفيد بأن كريم اليوم امتداد لكريم الأمس.

ظهر التباين بينهما واضحا، ففي فيلم كريم عبدالعزيز الطفل كانت الحبكة تنطلق من المشكلات الحياتية المعتادة في البيوت المصرية ومن بينها الطلاق، بينما فيلمه وهو رجل ناضج ركّز على قضية الطلاق بشكل رئيسي عبر مفارقات عديدة ووضع بجوارها مجموعة من المواقف التي حاولت استجلاب الضحك. ونجح البطل في ذلك إلى حد بعيد، وساعدته خفة ظله، حيث جاء الأداء سلسا في غالبية المشاهد دون أن يخلو من افتعال يمكن قبوله في إطار الدور الكوميدي الذي حرص على الظهور به.

معالجة مختلفة

يتقاطع فيلم “البعض لا يذهب للمأذون مرتين” مع فيلم آخر في الثيمة التي تطرّق إليها المحتوى، هو “النوم في العسل” -بطولة عادل إمام ودلال عبدالعزيز- الذي عرض عام 1996 لأول مرة، وعالج قضية إصابة جميع الرجال بالعجز الجنسي في مصر، وهو ما جعل الحكومة تتستّر على ذلك وترفض الإشارة إلى الأزمة المجتمعية.

عندما يلجأ بعض المؤلفين إلى المرض الجماعي المفاجئ أو الظواهر العامة يخطئون مرتين، مرة لأن هذا يبتعد عن المنطق، ومرة جراء ما يفضي إليه التعميم من إشكاليات تجعل الجمهور يدقّق ويقارن بين الواقع والحقيقة، حيث يجمع بينهما بصورة يمكن أن تفقده همزة الوصل التي تربط بينهما بمرونة وتبعد العمل عن فكرة الافتعال التي تسيطر على البعض ممّن ينشغلون بالمقارنات الفنية.

الفيلم نجح في تقديم قضية الطلاق الجادة وتزايد حالاته بصورة مخيفة في مصر بشكل مرح لا يُشْعِر الجمهور بالضجر

حاول فيلم كريم عبدالعزيز الجديد أن يأخذ منحى عكسيا في مسألة اهتمام الحكومة، إذ أبرز حرصها على حل أزمة طلاق جميع المتزوجين في مصر فجأة نتيجة خطأ في نظام التسجيل الرقمي الذي أضاع كل وثائق زواج المصريين.

وحاول موظف كبير في الحكومة (لعب دوره الفنان بيومي فؤاد بشكل ساخر) أن يظهر جدية في الأمر ومحاولة معالجته بالتعاون مع المذيع خالد مدكور (كريم عبدالعزيز) والأخصائية في العلاقات الزوجية ثريا الببلاوي (دينا الشربيني)، واستغرقت هذه الرحلة صعودا وهبوطا نصف مدة الفيلم تقريبا مصطحبة معها مواقف كوميدية عدة.

ولم يختلف أداء بيومي فؤاد في دور الموظف الحكومي رفيع المستوى عن الكثير من أدواره السابقة في مسألة الاستظراف وخفة الظل والحركة في المواقف التي أداها، وتوظيف البيروقراطية المتجذّرة والسلطة التي يملكها في خدمة واتقان دور المسؤول الكبير في الحكومة والحريص على حل المشكلات المجتمعية.

وجاء أداء كريم عبدالعزيز منسجما مع ما توقّعه منه الجمهور في باب الكوميديا، فهو فنان يجيد التنوّع

في أدواره، وعلى الرغم من جوانب التراجيديا في معظم هذه الأدوار إلا أنها تتضمن قدرا من الضحك عبر كوميديا الموقف، وهو ما جرى استثماره من خلال شخصية مقدم برنامج “من الآخر” (خالد مدكور) الذي يلجأ إلى التنكّر باستمرار لكشف الظواهر السلبية ونقلها إلى الجمهور مباشرة.

استثمر المؤلف أيمن وتار قدرات عبدالعزيز التمثيلية في تكثيف المواقف الكوميدية والتنقل بينها، وذلك بحجة أن الإعلامي يستطيع معالجة أي قضية في المجتمع ودخول أي مكان لممارسة عمله، مثل كشف تصنيع وترويج المخدرات وفضح تناقضات التسجيل الرقمي لوثائق الزواج، وصولا إلى ما قادته إليه شهرته حيث صار نموذجا يحتذى به بين الناس بزعم أنه قدوة في تجاوز المشكلات الزوجية.

وتفاوتت المفارقات الضاحكة في أداء عبدالعزيز من مشهد إلى آخر ومن قضية إلى أخرى، وهو ما لم يكن في صالح الفنانة دينا الشربيني؛ فرغم أنها حقّقت حضورا كبيرا في السنوات الأخيرة من خلال التلفزيون إلاّ أن خطواتها في السينما لا تزال أقل وبحاجة إلى المزيد من الرشاقة الفنية والاستفادة من موهبتها، ربما لأن أداء المخضرم عبدالعزيز كان لافتا، أو لأن طبيعة دور الزوجة والأخصائية الفاشلة استوجب هذا الارتباك الذي انتقل إلى الجمهور حتى بدا كأنه ارتباك في أداء البطلة.

ضيوف الشرف

Thumbnail

كرّر الفيلم الاستعانة بضيوف الشرف على غرار العديد من الأفلام المصرية، إلى درجة أن هذه الاستعانة بدأت تنتشر في غالبيتها كنوع من الإيحاء بأن الفيلم يضم نجوما كثيرين؛ ففي هذا الفيلم ظهر الفنان “شيكو” في مشهد يؤدّي فيه دور تاجر المخدرات، وظهر صديقه أحمد فهمي في دور تاجر الآثار، فضلا عن المطرب مصطفى قمر الذي ظهر في دور الزوج المطلوب منه التنازل عن نصف ثروته لمطلقته، وعمرو عبدالجليل الذي قدم التراجيديا في صورة كوميديا على طريقة الضحك للضحك.

وتجاوز دور الفنان محمد ثروت فكرة ضيف الشرف، وجرى إقحامه في عدد من المشاهد بلا مقدمات كنموذج لمدمني تعدّد الزوجات بلا سقف، حيث جمع في آن واحد بين 23 زوجة كدن يفتكن به، في رسالة يفيد فحواها بأن لا المتزوج من واحدة مرتاح ولا “المزواج” مرتاح، ومن قبلوا بالطلاق أو أقدموا عليه ليسوا في راحة.

ولا يزال ماجد الكدواني يواصل تألقه في الأعمال التي يظهر فيها وهي كثيرة، ففي هذا الفيلم استفاد من المساحة الكبيرة التي أتيحت له في دور المحامي الذي يسعد بكل حالة طلاق تحدث، ويُوجد المبرّرات التي  تقود إليه ويقنع بها الزوج والزوجة معا، ولا يفرّق بين غريب أو قريب أو صديق، فالمهم أن يحصل على مقابل مادي سخي.

ويمكن إدراج الفيلم ضمن الإطار الكوميدي بصرف النظر عن القضية الجادة التي يُعالجها، وهي المشكلة التي قادت إلى تذبذب مشاهده في بعض الأحيان، فقد سبق الاهتمام بالكوميديا الحرص على انسجام الحبكة الفنية.

وظهرت فجوات بين بعض المشاهد وبدت أحيانا غير مترابطة، فعدد القتلى في المشهد الطويل الذي أداه عمرو عبدالجليل لاسترداد زوجته غير قليل، ومع ذلك حفل بالظواهر الكوميدية الفجة، الأمر الذي تكرّر في جميع اللقطات التي ظهر فيها تقريبا، فالمشهد يتضمّن قتلا وانتقاما وتجارة محرمة وسط جملة من النكت.

كريم عبدالعزيز شارك في فيلم {البعض يذهب للمأذون مرتين} وهو طفل، ليُعيد التجربة بشكل مغاير بعد 43 عاما  وهو كهل
كريم عبدالعزيز شارك في فيلم "البعض يذهب للمأذون مرتين" وهو طفل، ليُعيد التجربة بشكل مغاير بعد 43 عاما وهو كهل

وحاول المخرج أحمد الجندي الاستفادة من إمكانيات النجوم الرجال، لأن العنصر النسائي كان شحيحا في الفيلم، باستثناء دينا الشربيني التي تصرّ على أن تبدو كوميديانة أيضا. واجتهد في أن يحصل من كريم والكدواني وشيكو وبيومي، ومعهم الفنان أحمد حلاوة، على أكبر قدر من الضحك.

ويعلم المخرج أن الجمهور لن يسعى في هذه الأجواء للحصول على وجبة فنية مليئة بالنكد والأكشن، فقام بحشر الكثير من المشاهد الضاحكة التي دبت مثل الوجبات سابقة التجهيز، وحتى في الإعلانات الترويجية للفيلم على بعض الفضائيات بدت الصورة الرئيسية تخدم فكرة الكوميديا، حيث يظهر كريم عبدالعزيز في شخصية تاجر مخدرات يُثير الضحك.

وأضافت إجادة المخرج في المشاهد التي جرى تصويرها في أماكن مفتوحة نوعا من الجاذبية وأسهمت في تخفيف ما تسبّبه الأماكن المغلقة من اختناق، فجرى ببراعة التقاط مشاهد في أحد معابد أسوان، ووسط نهر النيل وعلى ضفتيه.

قد يكون حشر الكثير من المشاهد التي جاءت على طريقة من كل بستان زهرة أضعف مضمون الفيلم والقضية التي يعالجها بشكل “فانتازي”، لكن يمكن أن يراها البعض ضرورية، فلكي تقدّم قضية جادة مثل الطلاق وتزايد حالاته بصورة مخيفة في مصر من الواجب تقديمها بطريقة لا تشعر الجمهور بالملل، وليقتنع بالمحتوى يجب ألاّ يشعر بأن طاقم الفيلم تعمد ذلك أو وفّر له وجبة صعبة الهضم.

واستفاد الفيلم من إجازة الصيف ودخوله في منافسة مع فيلم وحيد “مش أنا” لتامر حسني، لأن معظم الأفلام المعروضة من موسم عيد الفطر، وستظهر قدرته على الصمود في شباك الإيرادات مع بدء عرض فيلمي “العارف” و”موسى” قريبا.

16