اتفاق المياه يكسر جمود العلاقات بين إسرائيل والأردن

عمان – أحدث اتفاق إسرائيل والأردن على زيادة كمية المياه المصدرة نحو عمان، انفراجة في العلاقة بين البلدين التي شهدت جمودا في الآونة الأخيرة.
وشهدت العلاقة بين البلدين سنوات من “مناكفة سياسية” جراء غطرسة حكومة بنيامين نتنياهو، وتعديها الواضح على دور المملكة بالأراضي المقدسة.
وتعزز تلك الانفراجة، وفق مراقبين، الأنباء التي نقلها إعلام عبري عن الاجتماع السري “الإيجابي”، الذي جمع ملك الأردن عبدالله الثاني ورئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد نفتالي بينيت، قبل أيام، وهي أنباء التي لم تؤكدها جهات رسمية.
الانفراجة عززها أيضا، تلقي ملك الأردن، السبت، اتصالا هاتفيا من الرئيس الإسرائيلي إسحاق هيرتسوغ، أكد خلاله الأول “أهمية العمل من أجل تحقيق السلام العادل والشامل (بين الفلسطينيين والإسرائيليين) على أساس حل الدولتين”.
والخميس الماضي، أعلن الأردن وإسرائيل توصلهما إلى اتفاق تبيع الأخيرة بموجبه 50 مليون متر مكعب من المياه سنويا لعمّان، بعد لقاء جمع وزيري خارجية البلدين أيمن الصفدي، وإسرائيل يائير لابيد.
ويحصل الأردن على كميات من المياه الصالحة للشرب من إسرائيل، بمتوسط سنوي 35 مليون متر مكعب، حسب معاهدة السلام الموقعة بين الجانبين، تضاف إلى كمية أخرى متغيرة حسب الهطل المطري.
ويأتي الإعلان عن الاتفاقية، وسط مخاوف أردنية من تفاقم مشكلة ليست بجديدة تعاني منها المملكة؛ باعتبارها ثاني أفقر دولة عالميا في مصادر المياه؛ إذ يبلغ معدل استهلاك الأردن السنوي للمياه 110 ملايين متر مكعب، وفق بيانات رسمية.
وفي الثلث الأول من أبريل الماضي، كشف إعلام إسرائيلي عن موافقة حكومة تل أبيب على طلب أردني بالحصول على إمدادات إضافية من المياه، بموجب اتفاقية موقعة بين البلدين بهذا الشأن عام 2010، انبثقت عن اتفاقية “وادي عربة” للسلام عام 1994.
وآنذاك قالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” إن الإمدادات الإضافية المطلوبة تتجاوز ما تم الاتفاق عليه في اتفاقية “وادي عربة”، دون توضيح قدر هذه الزيادة.
ويقول محمد المومني، عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الأعيان الأردني (الغرفة الثانية للبرلمان)، “إن الإجراءات والاستفزازات الإسرائيلية في عهد نتنياهو ضربت اتفاقية السلام مع الأردن عرض الحائط، ولم تلتزم تل أبيب بخطوطها العريضة مع المملكة، ما أدى إلى تنافر واضح في أهم وأبرز القضايا، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية”.
وتابع المومني وهو وزير الإعلام سابقا “صانعو القرار في إسرائيل يدركون تماما، كما هو حال المجتمع الدولي بأسره، الدور المحوري للأردن في المنطقة، ومن هنا أعتقد أن الإعلان عن اتفاقية المياه مؤخرا، سيكون خطوة نحو تحسن نسبي في علاقات البلدين”.
وأضاف “أعتقد أن حكومة بينيت ستعيد النظر بشكل كلي في علاقاتها مع الأردن، انطلاقا من تجنبها المساس بالخطوط الحمراء، المتمثلة بدور المملكة تجاه القدس والمقدسات في فلسطين”.
وبين المومني أن “توسيع مستوى العلاقة الأردنية الإسرائيلية يتوقف على مدى التزام تل أبيب بالاتفاقيات والمواثيق الدولية، عبر وقف انتهاكاتها داخل الأراضي الفلسطينية، وصولا إلى حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة التي تلبي حقوق الشعب الفلسطيني، وتتيح لكليهما العيش بأمن وسلام”.
وتابع أن “ثوابت الأردن رسميا وشعبيا تجاه فلسطين راسخة لا تتغير، بل إنها تزداد صلابة يوما بعد يوم، فلا سلام ولا استقرار دون حل يحفظ للأقصى قدسيته، ويلبي طموح الشعب الفلسطيني الشقيق”.
ومن جهته، رأى بدر الماضي أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الألمانية الأردنية (حكومية)، أن “بينيت اختار البدء بهذه الاتفاقية مع الأردن كمدخل لإعادة تموضع العلاقات الإسرائيلية العربية عبر الأردن”.
وأضاف “أعتقد أن الحكومة الجديدة في إسرائيل تؤمن بأن العلاقات مع العالم العربي يجب أن تمر من خلال دول الطوق العربي ومن بينها الأردن، لما لها من مساس مباشر مع القضية الفلسطينية، وما يمثله الأردن من دور يمكنه من أن يكسب ثقة الشعب الفلسطيني وقيادته ممثلة بالسلطة الفلسطينية”.
ورأى أن “اتفاقية المياه قد تكون تعبيرا إيجابيا من إسرائيل للبدء بمرحلة جديدة، خاصة مع تعطيل تنفيذها من الحكومة السابقة، وبالتالي فإن إمكانية الجلوس على طاولة المفاوضات بتأثير أردني قد يكون متاحا في المستقبل القريب”.
واستطرد الماضي “على الرغم من اتفاقيات التطبيع لإسرائيل مع بعض الأطراف العربية، إلا أنها تدرك تماما أهمية الدور الأردني، وبأن الحلول الحقيقية لن تكون إلا من خلاله، بحكم العلاقات السياسية والجغرافية الديموغرافية”.
ويوافق وصفي الشرعة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك (حكومية)، هذا الرأي حيث يرى أن “خطوة إسرائيل في إتمام اتفاقية المياه مع الأردن في ظل أزمة شديدة تعاني منها المملكة، هو خطوة لحكومة بينيت نحو تبيان حسن النوايا تجاه عمان”.
واعتبر الأكاديمي الأردني أن “بينيت يسعى من خلال خطوته تلك إلى إثبات قدرة حكومته على ترميم العلاقات الأردنية الإسرائيلية، بعد التصدع الشديد الذي أحدثه نتنياهو”.
ونوه الشرعة أن “الصحف الإسرائيلية تحدثت عن أن لقاء الملك عبد الله مع بينيت تخلله وعود من الجانب الإسرائيلي في إعادة النظر بكافة الإجراءات السابقة، والتي مست الدور الأردني في فلسطين”.
وتطرق الشرعة إلى حديث بعض التقارير الإعلامية عن لقاء مرتقب بين عاهل الأردن الثاني وبينيت في واشنطن، خلال زيارة يؤدياها إلى الولايات المتحدة، وإمكانية البحث في رأب الصدع لعلاقات البلدين، والعلاقات الاستراتيجية الأخرى والقضية الفلسطينية.
وشدد على ما وصفه بـ”الدور المحوري للأردن، وقناعة إسرائيل بأهميته في تحقيق انفتاحها على الدول العربية، وتجاوز الفتور الذي أحدثه نتنياهو خلال فترة توليه رئاسة الوزراء، فحكومة بينيت تولي أهمية كبيرة لدور عمّان وتنسيقها الدائم والمستمر مع السلطة الفلسطينية وتأثيرها الكبير على قياداتها”.
وشهدت العلاقات بين الأردن وإسرائيل جفاءً واضحا في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بنيامين نتنياهو (2009-2021)، لدرجة دفعت عاهل الأردن، الملك عبدالله الثاني، إلى وصفها خلال جلسة حوارية في الولايات المتحدة بأنها “في أسوأ حالاتها”.
ودفعت انتهاكات تل أبيب المستمرة بحق المسجد الأقصى وفلسطين عامة نحو مزيد من التدهور في العلاقات بين البلدين، لما تمثله من تجاوز صريح لدور عمان ووصايتها على المقدسات الفلسطينية.
وتشرف على المسجد الأقصى حاليا دائرة أوقاف القدس التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية، بموجب القانون الدولي، حيث يعد الأردن آخر سلطة محلية مشرفة على مقدسات المدينة قبل الاحتلال الإسرائيلي.