العرض الرقمي يُعيد اكتشاف لوحات المكسيكية فريدا كاهلو

معرض “فريدا: التجربة الغامرة” يختصر عبر ست وعشرين لوحة حياة الفنانة المكسيكية التي اختصت في رسم نفسها ساردة أوجاعها الغائرة.
السبت 2021/07/10
النسق الرقمي يضفي على اللوحات حيوية متجددة

بمناسبة الذكرى الرابعة عشرة بعد المئة لميلاد فريدا كاهلو الأيقونة الفنية للمكسيك يُعيد معرض رقمي تفاعلي يُقام حاليا في العاصمة مكسيكو إلى الحياة أبرز لوحات الفنانة التشكيلية التي يعدّها النقاد رمزا حضاريا وثقافيا للمكسيك في العصر الحديث.

مكسيكو- على شاشات عملاقة وستائر، يُعرض ستة وعشرون لوحة من أعمال الرسامة المكسيكية الراحلة فريدا كاهلو، على نحو يوفّر للجمهور تجربة رقمية غامرة تندمج فيها مقاطع الفيديو والموسيقى والعناصر التفاعلية، بين جدران مبنى “فرونتون مكسيكو” القديم المشيّد على طراز الفن الزخرفي (آر ديكو) في العاصمة المكسيكية.

ويتوالى مرور لوحات مثل “الفْريدتان” و”العمود المكسور” ورسوم كاهلو الذاتية الشهيرة على الشاشات، بصيغة توليفات رقمية، على خلفية من ألحان الموسيقى التراثية.

تجربة ملهمة

يختصر معرض “فريدا: التجربة الغامرة” حياة الفنانة المكسيكية وأعمال هذه المرأة المميزة التي ولدت في 6 يوليو 1907 وتوفيت في 13 يوليو 1954، بعدما أدّى تعرّضها لحادث باص مروّع إلى تدهور صحتها.

العرض التفاعلي أزال بعض الغموض عن اللوحات المُربكة

فبعد هذا الحادث، خضعت فريدا لعدد من العمليات الجراحية واضطرت إلى ارتداء مشدّ. وخلال سنوات المعاناة والعلاج التي عاشتها، درّبت نفسها على الرسم.

وشرحت حفيدة أخت الفنانة مارا دي أندا أن الهدف من المعرض هو “التعريف بلوحات فريدا التي جابت العالم، وجَعْلها مألوفة وحميمية أكثر”.

وينغمس الزوار لمدة 35 دقيقة في روح كاهلو المعذّبة وقلبها الجريح فيما هم جالسون على مقاعد توزّعت على رمال بيضاء، يحملون هواتفهم لالتقاط الصور ومقاطع الفيديو.

ولاحظت الزائرة الكولومبية ديانا أولغوين (39 عاما) أن “هذه التجربة تسهّل للجميع الاقتراب من فريدا وفهمها، لأن للوحاتها طابعا خاصا، ويصعب فهمها أحيانا”.

وساهمت التطبيقات الرقمية والصالة التفاعلية بالإضافة إلى القصائد والموسيقى الأصلية لمغنين مكسيكيين في إثراء الصور ومنحها حيوية متجدّدة.

وقالت فريدا هينتشل روميو، وهي أيضا حفيدة إحدى شقيقات كاهلو، إن “الكثير من الناس لا يحبون الذهاب إلى معرض تكون فيه المعروضات جامدة.. هذا المعرض طريقة أخرى لاكتشاف هذه الفنانة. أعتقد أن الأجيال الجديدة ستحب ذلك”.

والتزاما بالتدابير الصحية المرتبطة بالجائحة، يتعين على جميع الزوار وضع الكمامات واستخدام مستحضرات التعقيم وقياس درجة الحرارة عند مدخل المعرض.

وقال الطالب إميليانو دياز (21 عاما) المعجب بهذا المعرض ذي النمط المختلف “لم تتح لنا الفرصة للإفادة من هذه التجارب منذ سنة ونصف سنة بسبب الوباء”.

والمعرض ليس أول نشاط يجمع بين أعمال كاهلو والتكنولوجيا، ففي العام 2018، أقامت “غوغل آرتس أند كالتشر” معرض “وجوه فريدا” الافتراضي الذي أتاح لمستخدمي الإنترنت الاطلاع على مجموعة من آراء النقاد والمشاركة في زيارات افتراضية ومعاينة أعمال عالية الدقة.

واعتبرت مارا دي أندا أن “فريدا كاهلو كانت رائدة جدا وعصرية جدا إلى درجة أن هذه الصيغة متوافقة تماما معها”، وأضافت “كانت امرأة سابقة لعصرها”.

مأساتها سرّ نجاحها

"الفْريدتان" إحدى أشهر لوحات كاهلو الموجعة

النسق الرقمي يضفي على اللوحات حيوية متجددة

الفنانة فريدا كاهلو اختصّت في رسم نفسها معبّرة عن أوجاعها وهواجسها

تُعتبر فريدا كاهلو أبرز فنانة مكسيكية معاصرة في بلدها، وكانت متزوّجة من الرسام دييغو ريفيرا، ومنتمية إلى الحزب الشيوعي المكسيكي، وتطغى على أعمالها عناصر هوية سكان المكسيك الأصليين، كما تسرد لوحاتها حياة الفنانة التي اختصّت في رسم نفسها معبّرة عن أوجاعها وهواجسها بشكل أقرب إلى المدرسة السريالية.

وحفلت حياة كاهلو بالعديد من الصدمات التي أثّرت على منجزها الفني، وهي التي انطلقت تجربتها مع الرسم إثر زواجها في العام 1929 بالرسام دييغو ريفيرا، الذي كان يكبرها بعشرين عاما، لكنه أحبها وشجّعها على عملها الفني كثيرا.

وكان دييغو كثير التنقل، ففي العام 1930 عاشا في سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا الأميركية، وهناك عرض زوجها لوحة لهما معا في المعرض السنوي السادس لجمعية سان فرانسيسكو للنساء الفنانات، ثم انتقلا إلى نيويورك لحضور معرض دييغو في متحف الفن الحديث ثم انتقلا إلى ديترويت لارتباط زوجها بعمل مع معهد ديترويت للفنون.

وفي العام 1933 عاد الزوجان إلى المكسيك، وعاشا في سان أنجل، لكن لم تكن حياتهما تقليدية حيث كانا شبه منفصلين يعيشان معا، فقد كانت فريدا حزينة بسبب خياناته المتعددة، لدرجة أنه خانها مرة مع أختها الصغرى كريستينا. تعرّضت فريدا للحمل والإجهاض مرة، لكنها كانت ترغب في الولادة بشدة فحملت مرة أخرى ممّا أتعبها بشدة وتعرّضت لصدمة أخرى بالإجهاض في 1934.

وفي العام 1939 انتقلت للعيش في باريس لفترة من الزمن، وعرضت هناك بعض لوحاتها وصادقت العديد من الرسامين ومن ضمنهم الرسام الشهير بابلو بيكاسو. تطلّقت من زوجها دييغو في العام نفسه، لكن لم يطل طلاقهما كثيرا حيث عادا لبعضهما في العام التالي ليعودا إلى الحياة الزوجية المنفصلة جسديا. ونبع الرسم من تجربتها الخاصة في المعاناة وكان المتنفّس الوحيد لآلامها وعذابها وطريق نقلها الألم للواقع وجعله محسوسا.

وفي العام 1932 أدرجت كاهلو عناصر أكثر وضوحا وسيريالية في رسوماتها، فمثلا في رسمتها الشهيرة “مستشفى هنري فورد” لخّصت قصتها في إجهاضها الثاني حيث رسمت نفسها عارية على سرير في المستشفى وعددا من الأشياء مثل جنين وحلزون ووردة وحوض بشري. كانت كل هذه الأشياء تطفو حولها ومتصلة بجسدها عن طريق خيوط حمراء رفيعة.

ولم تعتبر فريدا نفسها فنانة سريالية قط رغم اتسام رسوماتها بها، كما أن معظمها تتّسم بالطابع الحزين؛ على سبيل المثال: في 1939 طُلب منها أن ترسم لوحة لصديقتها التي انتحرت عن طريق القفز من مبنى مرتفع كتخليد لذكراها وكهدية لأمها الحزينة، لكنها لم تجعله رسمة شخصية عادية، بل رسمتها وهي تقفز من المبنى ثم جثتها وهي على الأرض مخضبة بالدماء.

وفي العام 1939 عندما كانت في باريس رسمت إحدى أشهر لوحاتها “الفْريدتان”، وهي عبارة عن صورتين مختلفتين لها تقفان بجانب بعضهما البعض وكلاهما يظهر قلبه فوق ملابسه. كانت فريدا التي على اليسار ترتدي فستانا أبيض وقلبها معرض لبعض الضرر وبعض بقع الدماء على ملابسها، بينما كانت الأخرى ترتدي ملابس ملوّنة ولها قلب سليم.

المعرض يقدم تجربة رقمية غامرة عن أعمال فريدا كاهلو تندمج فيها مقاطع الفيديو والموسيقى بالعناصر التفاعلية

وفي العام 1941 تلقت الفنانة تكليفا من الحكومة برسم خمس نساء مكسيكيات مشهورات، لكنها لم تستطع إكمال المشروع بسبب فقدانها لوالدها في العام ذاته وكانت تعاني من مشاكل صحية مزمنة، لكن، رغم كل تلك المعاناة والآلام، استمر فنها في النمو وفي الانتشار. وفي العام 1944 رسمت فريدا لوحتها الشهيرة “العمود المكسور” التي ظهرت فيها عارية الصدر ويقطعها من المنتصف، ليظهر عمودها الفقري كعمود مكسور.

وفي العام 1950 زادت مشاكلها الصحية كثيرا بعد أن أصيبت بالغرغرينا في قدمها اليمنى وقضت تسعة أشهر في المستشفى وخضعت لعدة عمليات، لكنها رغم كل هذا استمرت في متابعة قضاياها السياسية رغم محدودية حركتها. وفي العام 1953 أقيم أول معرض فني لكاهلو وحدها في المكسيك وكانت طريحة الفراش ذلك الوقت، لكنها لم تقدر على أن تفوّت هذه المناسبة الهامة حيث ذهبت في سيارة إسعاف وكان لها سرير بأربعة أعمدة في المعرض.

ولم تكتمل فرحة فريدا كثيرا، حيث بُتر جزءٌ من ساقها اليمنى بعد بضعة أشهر إثر انتشار المرض في ساقها، وفي أبريل 1954 دخلت في نوبة اكتئاب بسبب مرضها وحاولت الانتحار، كما عادت إلى المستشفى بعد شهرين بعد أن أصيبت بالالتهاب الرئوي قبل أن تتوفى في 13 يوليو 1954، بعد أسبوع واحد من الاحتفال بعيد ميلادها الـ47، في منزل نشأتها بسبب انسداد رئوي، وقيل كذلك إن السبب الرئيسي ربما يكون محاولة انتحار.

وزادت شهرة فريدا كاهلو وانتشر فنها أكثر بعد وفاتها، وتحوّل منزلها إلى متحف في 1958، وفي 2002 أنتج فيلم هوليوودي باسمها “فريدا” من بطولة الفنانة سلمى حايك، وفاز الفيلم بجائزة أفضل مكياج.

15