صحافة السلام تتصدى لخطاب الكراهية لإصلاح المشهد الإعلامي في اليمن

أطلق عدد من الصحافيين اليمنيين مبادرات ضمن صحافة السلام ترتكز على تناول القواسم المشتركة التي تجمع وجهات نظر الأطراف المختلفة وكل ما من شأنه أن يساهم في التقارب ومواجهة خطاب الكراهية والتحريض في وسائل الإعلام اليمنية.
صنعاء - زادت حدة لغة التحريض والكراهية في وسائل الإعلام اليمنية، وساهمت في تغذية الصراع الدائر منذ سنوات، ما دفع عددًا من الصحافيين اليمنيين إلى مواجهة هذه الظاهرة وتأسيس مبادرات لتعزيز صحافة السلام والتواصل مع وسائل إعلام في عدن وصنعاء للانخراط في هذه المبادرات وتخفيف حدة التوتر.
وأدى ما تنشره الصحف والقنوات التلفزيونية والمنصات الإلكترونية اليمنية إلى زيادة الانقسام السياسي والاستقطاب الحاد من خلال تداول المقالات والأخبار بزوايا متحيزة و”حقائق” لا أساس لها والتغاضي عن المعايير الأخلاقية في تناول المواضيع.
كما أدى الاستحواذ السياسي المتزايد على وسائل الإعلام اليمنية منذ عام 2014 إلى تعزيز الخطابات السياسية المتباينة، وشرعنة العنف بدلا من الدور التنويري الذي يجب عليها أن تقوم به في ظل الحرب، لذلك بدأ صحافيون التوجه إلى بناء صحافة السلام لإصلاح المشهد الإعلامي اليمني.
ويرى رئيس مؤسسة الصحافة الإنسانية بسام القاضي أنّ “صحافة السلام تلعب دوراً كبيراً في تقريب وجهات النظر بين أطراف النزاع، وترتكز على تناول القواسم المشتركة التي تجمع وجهات نظر الأطراف وكل ما من شأنه أن يساهم في التقارب، لا التنافر”.

عادل عبدالمغني: الوظيفة الحقيقية للإعلام في اليمن تلاشت في ظل النزاع
ولفت القاضي في حديث لشبكة الصحافيين الدوليين إلى أنّ هذا النوع من الصحافة يُحارب ويُناهض خطاب الكراهية والشائعات والأخبار المضللة، وكل ما من شأنه أن يزيد من حدة وتوتر الأوضاع بين المتنازعين.
واعتبر أنها صحافة إيجابية بناءة يمكن توظيفها واستخدامها كي تساهم في تسريع حلحلة الأوضاع الراهنة المتأزمة نحو إيقاف الحرب التي يشهدها اليمن.
وتعنى صحافة السلام في اليمن بإرساء مفاهيم عن كيفية قيام الصحافي أو الإعلامي بنقل وتحويل حياة ضحايا الحرب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى قصص إنسانية حية بدلا من كتابتها على شكل أرقام.
وأطلق عدد من الصحافيين مشروع مواجهة خطاب الكراهية والتحريض في وسائل الإعلام اليمنية، وعملوا على إعداد مسودات مشاريع لمواجهة هذا الخطاب، واستطاعوا مع منظمة “اليونسكو” تنفيذ مشروع المواجهة خلال عام.
وأشار الصحافي اليمني أشرف ريفي في تقرير على موقع شبكة الصحافيين الدوليين إلى أن البداية كانت بالتواصل مع قيادات من مختلف وسائل الإعلام اليمنية ومناقشة القضية معهم وصولًا إلى الالتقاء بعدد منهم في عدن وصنعاء والمناقشة مع خبراء ومستشارين، وصاحب ذلك عمليات رصد وتحليل لخطاب وسائل الإعلام المستهدفة.
وأنجزوا دليلًا لمصطلحات خطاب الكراهية التي تنتشر في وسائل الإعلام اليمنية بهدف تجنبها في التغطيات الإعلامية وأصدروا إعلان مواجهة خطاب الكراهية.
وقال الصحافي عادل عبدالمغني المدير التنفيذي لمؤسسة منصة للإعلام والدراسات التنموية “بعد ثلاثة أشهر من العمل لوحظ تراجع نسبة خطاب الكراهية والتحريض في وسائل الإعلام، وفي نهاية العام تراجعت النسبة أيضًا”.
وأضاف عبدالمغني أنهم عازمون أيضا على إعلان القائمة البيضاء بشكل دوري لوسائل الإعلام الأكثر تميزًا في خطابها الخالي من التحريض والكراهية، وأكد أنّ الوظيفة الحقيقية للإعلام في اليمن تلاشت في ظل النزاع وباتت غالبية وسائل الإعلام منابر ناطقة باسم مموليها من أطراف الصراع لتأجيج العنف وإدارة المعركة.
ويعمل الإعلام المهني والصحافة الحساسة للنزاعات على تناول الصراع الراهن من زوايا أخرى تساهم في إخماد النيران المشتعلة، فالحاجة ماسة اليوم إلى تغيير هذا السلوك الإعلامي وإيجاد بيئة إعلامية مغايرة، تتعامل مع النزاع من زاوية الكلفة الإنسانية الباهظة وليس من زاوية الأطراف المنتصرة أو المنهزمة.
ويقع على عاتق الإعلام في هذه الظروف مهمة كبيرة في بناء السلام وإرساء أسسه، وهذا الأمر يبدأ من الإقلاع عن خطاب الكراهية والتحريض، وإحلال الصحافة الحساسة للنزاعات في التغطيات الإعلامية بدلًا من التخندق وراء أطراف الصراع. ويدرك عبدالمغني أنه من الصعوبة إحداث هذا التغيير في المدى القريب، إلا أنه يرى أن ذلك ليس مستحيلا خصوصًا في ظل وعي متنام إزاء خطورة خطاب الكراهية والتحريض على العنف وتداعياته الكارثية في اليمن.
عدد من الصحافيين أطلق مشروع مواجهة خطاب الكراهية والتحريض في وسائل الإعلام اليمنية، وعملوا على إعداد مسودات مشاريع لمواجهة هذا الخطاب، واستطاعوا مع منظمة “اليونسكو” تنفيذ مشروع المواجهة خلال عام
ولمس المشاركون في تنفيذ مشروع مواجهة خطاب الكراهية والتحريض على العنف استجابة من قبل وسائل الإعلام اليمنية، وقد نفّذ المشروع مؤسسة منصة للإعلام والدراسات التنموية بالشراكة مع منظمة اليونسكو ومركز الاتصال الدولي، وخلص إلى إطلاق إعلان مواجهة خطاب الكراهية.
وتضمن هذا الإعلان الذي صادقت عليه قيادات في وسائل الإعلام اليمني، عددًا من المبادئ الهادفة إلى الحد من خطاب الكراهية ونتائجه التدميرية، والالتزام بالمهنية وأخلاقيات العمل الصحافي وإشاعة قيم التعايش والتسامح وبث قيم الحوار والحرية والقبول بالآخر، ودعم قيم السلام والأمن الاجتماعي في اليمن والتعريف بالآثار الكارثية لاستمرار الحرب، والدعوة إلى الالتزام بالمهنية وأخلاقيات العمل الصحافي في كل التناولات الإعلامية وترسيخ قيم الحرية والتنوع والتعدد، واحترام الحقيقة وحق الجمهور في الحصول عليها دون تشويه أو تغيير، وعدم نشر الإساءة الجارحة بحق الآخرين.
ويضاف إليها ضرورة تعزيز حضور صحافة السلام لتتحول إلى مناهج دراسية لطلاب كليات ومعاهد الإعلام في الجامعات اليمنية، وعقد المزيد من اللقاءات التشاورية وورش العمل لقيادات وسائل الإعلام اليمنية وتبني مبادئ أخلاقية تجرّم خطاب الكراهية وتتبنى خطابات إيجابية تبحث عن الحلول الممكنة لإحلال السلام بدلًا من الاستمرار في إذكاء الصراع وتأجيج العنف.
ويرى مدرب السلامة المهنية للإعلاميين في نقابة الصحافيين اليمنيين عبود الصوفي أنّ جزءًا من المشكلة في الصحافة اليمنية هو أنّ معظم وسائل الإعلام لا تملك مدونات سلوك ولا مواثيق شرف، ناهيك عن أنّ وسائل الإعلام لا تحظى باستقلالية تامة، وفي وقت الحرب انقسمت هذه الوسائل بين أطراف النزاع.
وأشار إلى أنّ المتصارعين عاثوا في وسائل الإعلام من خلال فرض سياسات إعلامية غير مهنية تجاوزت الأعراف المهنية لكل مؤسسة ولقيم المهنة، وهذا أدى إلى خروج خطاب وسائل الإعلام عن الإطار المهني.
واعتبر أنّه يتعيّن على وسائل الإعلام إعادة النظر في السياسات الإعلامية وتقييم المرحلة الماضية، والوصول إلى اتفاق مهني يضمن الحد الأدنى من الالتزام المهني في التغطيات والنشر.