ما الذي تريده إيران في أفغانستان وما الذي تخشاه

مباحثات بين الحكومة الأفغانية وطالبان في طهران.
الخميس 2021/07/08
تغيّر مراكز القوى يقتضي تغيير الاستراتيجيات

يمثل تحقيق حركة طالبان مكاسب ميدانية في أفغانستان إثر مغادرة معظم القوات الأجنبية والأميركية تحديات أمنية واجتماعية واقتصادية للدول الحدودية خاصة إيران، ما يستوجب وضع سيناريوهات لمواجهة المتغيرات والتعامل معها.

طهران - يعكس دخول إيران على مسار التسويات في أفغانستان قلقا داخليا بدأت معالمه تتشكل بعد الإعلان عن انسحاب القوات الأجنبية بالكامل في سبتمبر القادم. ومع المكاسب الميدانية المتسارعة التي حققتها حركة طالبان على الأرض باتت المصالح الإيرانية في الدولة الجارة مهددة ما يستوجب استكشاف سبل ديمومتها والاستعداد للسيناريوهات الأسوأ.

وافتتح وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الأربعاء في طهران لقاء أفغانيا بين ممثلين عن حكومة كابول وحركة طالبان، في مسعى لتقريب وجهات النظر وتجاوز الأزمة الأفغانية التي يرجح أن تكون تداعياتها سلبية على دول الجوار ومصالحها لاسيما إيران وباكستان.

وقال ظريف أمام الوفدين إن “العودة إلى المفاوضات الأفغانية والتزام الحلول السياسية يشكلان الخيارات الفضلى لقادة أفغانستان وحركاتها السياسية”.

وأكد “استعداد إيران للمساهمة في عملية الحوار بين مختلف الأطراف لحل النزاعات والأزمات التي تشهدها البلاد”.

ولا تدلّ مسارعة إيران إلى جمع الطرفين الأفغانيين للحوار إثر إخلاء قاعدة باغرام الجوية من قبل الأميركيين على مساع لإيجاد حلول للأزمة وإنما تسعى لاستكشاف النوايا واستخلاص نتائج يمكن أن تساعد على ترتيب الأولويات من جديد في الداخل الأفغاني.

ويقول مراقبون للشأن الإيراني إن الجمهورية الإسلامية قد أعدت نفسها منذ فترة لأفغانستان ما بعد الولايات المتحدة.

محمد جواد ظريف: الالتزام بالحلول السياسية أفضل خيار لقادة أفغانستان
محمد جواد ظريف: الالتزام بالحلول السياسية أفضل خيار لقادة أفغانستان

وتقف إيران على طرفي نقيض من الأزمة الأفغانية؛ ففي الوقت الذي تدعم فيه علنا حركة طالبان وتشير تقارير إعلامية إلى علاقة وطيدة وتعاون مع الحركة السنية في الداخل الأفغاني، يروج الإيرانيون أنه تعاون استراتيجي ضد المصالح الأميركية، تتواصل أيضا مع الحكومة الشرعية في كابول وساندت الغزو الذي أطاح بطالبان في الفترة من 1996 و2001.

وفي خطوة تعكس التوجس الإيراني من التقدم الميداني الذي تحرزه طالبان وخطره على مصالحها حذر مدير عام مكتب الشؤون الخارجية لوكالة أنباء “تسنيم”، إحدى أذرع الحرس الثوري الإيراني الإعلامية، حسام رضوي الشيعة الهزارة في أفغانستان من التطوع للمشاركة في الحرب ضد طالبان.

وأضاف رضوي “في مثل هذه الحرب سيسقط قتلى من الجانبين، ولكن هذا لا يعني أن طالبان ترتكب المجازر بحق الشيعة في أفغانستان”.

وتأتي تصريحات رضوي عقب تقارير إعلامية تشير إلى أن طالبان باتت تركز هجماتها مؤخرا على الشمال الأفغاني لقطع تواصل الأقليات الأفغانية مع جمهوريات وسط آسيا التي شكلت في السابق حديقة لإيران.

وتنظر إيران إلى أفغانستان بالكثير من الاهتمام، ويدعم ذلك وجود مشتركات ثقافية وعرقية ولغوية وتاريخية ودينية تراهن عليها طهران في بناء علاقات تعزز نفوذها الإقليمي ومصالحها السياسية.

ويرى مراقبون في دعوة إيران للشيعة الهزارة إلى عدم القتال ضد طالبان اعترافا من قبل النظام الإيراني بالجماعة باعتبارها جهة فاعلة لا يمكن إنكارها. لكنه في الغالب اعتراف بدافع الضرورة.

ويشير هؤلاء إلى أن إيران تحتاج إلى بناء علاقات مع الحركة السنية المتشددة لحماية مصالحها وأمنها من التهديد المحتمل في البلد المجاور الذي ستسيطر عليه طالبان في المستقبل القريب.

ولطالما دعمت طهران أقلية الهزارة الشيعية في أفغانستان التي تعرضت إلى الاضطهاد من قبل طالبان خلال حكم الحركة في تسعينات القرن الماضي.

Thumbnail

وكادت إيران، التي يقودها رجال دين شيعة، تخوض حربا مع طالبان في 1998 بعد هجوم على قنصليتها في مدينة مزار الشريف الأفغانية أدى إلى مقتل تسعة دبلوماسيين إيرانيين وصحافي.

وتفتح الحدود الإيرانية – الأفغانية، التي تصل إلى 945 كلم، المجال واسعًا لتهديدات كثيرة مثل تهريب المخدرات والهجرة غير الشرعية وغياب الأمن عن المناطق الحدودية ومهاجمة النقاط الأمنية الحدودية. وتقول إيران إن الحدود تشكل “عبئًا ماليًا وأمنيًا”.

ومع قرب اكتمال انسحاب القوات الأميركية والأجنبية من أفغانستان وتحقيق طالبان مكاسب ميدانية، أحكمت على إثرها سيطرتها تقريبا على المناطق الحدودية مع إيران، بات النظام الإيراني يخشى انقلاب الحركة على تحالفاتها الخارجية وهو ما يضرب مصالح إيران الأمنية والاقتصادية كما السياسية.

ويرجح مراقبون أن توظف إيران الشيعة في مواجهة محتملة مع طالبان بعد الانسحاب الأميركي إذا استهدف المتمردون السنة مصالحها الاجتماعية والثقافية؛ إذ أن لواء فاطميون، المتكون من اللاجئين الأفغان الذين جندتهم طهران للقتال إلى جانب الرئيس السوري بشار الأسد، على أتم الاستعداد للتكفل بالمهمة.

واقترحت إيران في وقت سابق على حكومة أفغانستان الاستفادة من لواء فاطميون. وقال ظريف حينذاك عن لواء فاطميون “هذه هي أفضل القوات التي يمكن للحكومة الأفغانية استخدامها إذا أرادت ذلك”.

ومع انتهاء معظم فصول الحرب في سوريا بدأ عناصر لواء فاطميون الذين جرى تجنيدهم يعودون، ما يطرح جملة من التساؤلات بشأن مصيرهم وكيفية التعامل معهم.

ويؤكد متابعون للشأن الإيراني أن طهران عازمة على استخدام أعضاء هذه الميليشيات في فرض نفوذها وسياستها في دولهم.

ولفت عدد من الخبراء والأكاديميين إلى أن ميليشيات فاطميون تمثل خطرا على أفغانستان، لاسيما بعد اكتسابها خبرة ميدانية خلال السنوات القليلة الماضية في المدن السورية، ومتانة علاقتها بالنظام الحاكم في طهران بشكل عام وقوات الحرس الثوري بشكل خاص.

5