هل يدفع شح الدولار لبنان إلى تسييل احتياطاته من الذهب؟

أدت كثرة الأحاديث مؤخرا عن اقتراب لبنان من المس بالاحتياط الإلزامي في ظل الأزمة الاقتصادية القاسية التي تعيشها البلاد جراء شح الدولار إلى فتح المجال أمام الخبراء لطرح أسئلة حول التصرف في احتياطي الذهب الذي كان دائما بعيدا عن التداول.
بيروت - استبعد خبراء اقتصاد أن يقدم لبنان على خطوة تسييل جزء من مخزون الذهب الموزع بين موجودات في مصرف لبنان المركزي وأخرى في السوق الأميركية بسبب حواجز قانونية وسياسية وربما اجتماعية كذلك.
وفي ظل شح الدولار يعاني البلد من أكبر أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث، حتّى أن البنك الدولي صنّف أزمته ضمن أصعب ثلاث أزمات سجلت في التاريخ منذ منتصف القرن التاسع عشر.
ويختنق اللبنانيون بفعل الأزمة المالية لبلدهم بعد أن عملت الحكومات المتعاقبة على تراكم الديون في أعقاب الحرب الأهلية (1975 – 1990) دون أن يكون لديها ما تستند إليه مقابل انغماسها في الإنفاق، ما أفرز وضعا معقّدا لم يتمكن أحد من فك شفراته.
فمنذ أواخر 2019 أدى الانهيار القياسي في قيمة الليرة مقابل الدولار، فضلا عن شح الوقود والأدوية والغلاء القياسي في أسعار السلع الغذائية، إلى فقدان المواطنين قدرتهم الشرائية بشكل غير مسبوق.
وقدّر حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة في أغسطس الماضي احتياطي النقد الأجنبي بنحو 19.5 مليار دولار، والاحتياطيات الإلزامية بواقع 17.5 مليار دولار.
إلا أن وزير المال في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني كشف في فبراير الماضي أن تلك الاحتياطيات المتبقية للدعم ستنفد بنهاية مايو 2021، ما لم يتم تقليص الدعم، وهو ما دفع المحللين إلى مناقشة ما إذا كانت بيروت ستتجه إلى تسييل جزء من احتياطاتها من المعدن الأصفر.

غسان العياش: لدينا قانون منذ 1986 يمنع المركزي من التصرف في الذهب
وبحسب تصريح أدلى به سلامة في نهاية عام 2020 تبلغ قيمة احتياطي لبنان من الذهب حاليا 18 مليار دولار، لكنها بلغت قرابة 15 مليار دولار بنهاية النصف الأول من هذا العام.
ولا يعود التراجع في قيمة احتياطي الذهب إلى قيام الدولة بالسحب منها وتسييلها واستخدام النقد الأجنبي، بل هو مرتبط بتراجع أسعار الذهب عالميا من متوسط ألفي دولار إلى 1800 دولار للأونصة.
ووفق بيانات مجلس الذهب العالمي المحدثة الشهر الماضي تبلغ احتياطات لبنان من الذهب 286.8 طنا، مما يجعله يحتل المركز العشرين عالميا.
وكشف النائب السابق لحاكم المركزي غسان العياش لوكالة الأناضول وجود ثلثي الاحتياطي من الذهب في خزائن المركزي في العاصمة اللبنانية بيروت، أما الثلث المتبقي فموجود في الولايات المتحدة، وهو على ملك الدولة اللبنانية.
وأضاف عياش أن “التجارب أثبتت أن الولايات المتحدة لا تفرج عن الذهب العائد إلى الحكومات الأجنبية بشكل سريع، بل تأخذ وقتا وسنوات للتجاوب مع طلب استرداده”.
ولطالما كان المس باحتياطي النقد الأجنبي محظورا، لكن اليوم وبسبب الأزمات المتراكمة بات هذا الموضوع محط تداول بين الخبراء وخاصة إذا ما كان القانون اللبناني يسمح بذلك.
ويؤكد عياش أن التصرف في الاحتياطي يبدو صعبا واستدل على تشريع قديم صادق عليه البرلمان اللبناني برئاسة حسين الحسيني في عام 1986 يمنع المركزي من التصرف في الذهب.
وأوضح أنه خلال ذلك العام شعر الحسيني بوجود نية لدى حاكم المصرف الراحل إدمون نعيم للتصرف في الذهب “لكي يساهم في سد عجز الموازنة” ولهذا السبب جمع الحسيني النواب وأصدروا قانونا يمنع التصرف في الذهب إلا بموافقة مجلس النواب.
وجاء في القانون “بصورة استثنائية، وخلافًا لأي نص، يمنع منعا مطلقا التصرف في الموجودات الذهبية لدى مصرف لبنان أو لحسابه مهما كانت طبيعة هذا التصرف وماهيته، سواء أكان ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة، إلا بنص تشريعي يصدر عن مجلس النواب”.
كما أن التوافق على قانون اليوم للتصرف في الذهب ليس سهلًا، بحسب عياش، بسبب وجود معارضة داخل المجتمع اللبناني لهذا الأمر. وحتى الآن لم تطلب أية جهة سياسية التصرف في الذهب اللبناني.
20
على مستوى العالم، هو ترتيب لبنان في احتياطات الذهب وفق مجلس الذهب العالمي
وتوافق كلام عياش مع رئيس مؤسسة جوستيسيا الحقوقية بول مرقص الذي شدد على أن “حماية الذهب يجب أن تستمر في ظل غياب إدارة رشيدة في لبنان، وعدم وضع خطة حول كيفية التصرف فيه”.
وأكد مرقص أنه “لا يجب تضييع الذهب من خلال تسييله، وأن يكون مصيره مشابها لمصير الاحتياطيات النقدية الأجنبية”.
ويقول خبراء اقتصاد مهتمون بالشأن اللبناني إن التخوف من خسارة الذهب ليس ناتجا عن تكهنات، بل جاء من تجارب سابقة مع احتياطيات لبنان المالية.
وشرح عياش كيفية خسارة الاحتياطي الإلزامي في لبنان، قائلا إن “مصرف لبنان المركزي أخذ من القطاع المصرفي 80 مليار دولار، منها 15 مليار دولار كاحتياطي إلزامي”.
وأضاف “خسرنا منها 65 مليار دولار هدراً بسبب دعم الليرة اللبنانية، لذا بقي 15 مليار دولار فقط”.
وتعاني المصارف التي تعد محورية للاقتصاد القائم على الخدمات من حالة شلل وقد حالت بين أصحاب المدخرات وحساباتهم الدولارية أو أبلغتهم أن قيمة الأموال التي يمكنهم الحصول عليها انخفضت.
كما أن اللبنانيين يواجهون منذ ثلاثة عقود مشكلة متفاقمة في قطاع الكهرباء ذي المعامل المتداعية، ما يجبر معظمهم على دفع فاتورتين، واحدة للدولة وأخرى مرتفعة لأصحاب المولدات الخاصة التي تعوض نقص إمدادات الدولة.
وعلى وقع تدهور سعر صرف الليرة التي خسرت أكثر من تسعين في المئة من قيمتها أمام الدولار، ورفع السلطات لأسعار الوقود الأسبوع الماضي، لم يعد كثر قادرين على تحمّل تكلفة فاتورة المولّد الكهربائي، ما ينذر بتفاقم الوضع.
ويُعد قطاع الكهرباء الأسوأ بين مرافق البنى التحتية المهترئة أساساً. ويُشكل إصلاحه أحد مطالب المجتمع الدولي الرئيسية لدعم لبنان. وقد كبّد خزينة الدولة أكثر من 40 مليار دولار منذ انتهاء الحرب الأهلية.