عندما تتفوق البنات

احتفى أغلب التونسيين بتفوق الفتيات الواضح ونيلهن أعلى الدرجات في امتحانات الباكالوريا (الثانوية العامة)، ورد البعض ذلك إلى صحة خيارات الدولة الوطنية في مراهنتها على المرأة، لكن هذه الظاهرة ليست حكرا على تونس، وإنما تعمّ جميع الدول العربية دون استثناء، وهي فوق ذلك، ظاهرة عالمية يحاول الخبراء والإخصائيون تفسيرها من خلال النظريات العلمية المتعددة والمختلفة، ليصلوا دائما إلى ذات النتائج تقريبا.
فدراسة البرنامج الدولي لتقييم الطلبة «بيزا» الدولية التي تعتبر أكبر تقرير مدرسي في العالم، ترى أن الفتيات لهن السبق، وفي اختبار القراءة لمن هم في سن الـ15، على سبيل المثال، حققت الفتيات نتائج أعلى بكثير من نظرائهن الذكور في جميع البلدان المشاركة البالغ عددها حوالي 80 دولة.
وفي دراسة أجراها أستاذ علم النفس دانيال فوير وزوجته سوزان من جامعة نيو برونزويك الكندية، واستندا فيها إلى 369 دراسة شملت الدرجات الأكاديمية لأكثر من مليون فتى وفتاة من 30 دولة مختلفة، كانت النتائج في منتهى الوضوح: تحصلت الفتيات على درجات أعلى في كل المواد، بما في ذلك المجالات المتعلقة بالعلوم حيث يُعتقد أن الأولاد يتفوقون عليها.
من الولايات المتحدة إلى الصين، ومن السعودية والأردن والإمارات إلى أميركا اللاتينية، أثبتت النتائج تفوق البنات لأنهن أكثر استعدادًا للتخطيط المسبق وتحديد الأهداف الأكاديمية وبذل الجهد لتحقيق تلك الأهداف.
منذ الحضانة تبدو الطفلة أكثر انضباطا وتركيزا وانتباها، الدراسات أثبتت أنها تتقدم عاما كاملا عن الولد في كسب مهارات التنظيم الذاتي الجيد واتّباع التعليمات الصحيحة، ويستمر ذلك التميز لدى البنات إلى مراحل التعليم المتوسطة ما يساعدهن على نيل درجات أفضل من الذكور. ويرى الباحثون في جامعة بنسلفانيا الأميركية أن الفتيات أكثر مهارة في “قراءة تعليمات الاختبار قبل الشروع في الأسئلة”، و”الانتباه إلى المعلّم بدلاً من أحلام اليقظة”، و”اختيار الواجب المنزلي على التلفزيون”، و”الاستمرار في المهام طويلة الأجل على الرغم من الملل والإحباط”. كما أنهن متهيئات لبدء واجباتهن المدرسية في وقت مبكر من اليوم مقارنة بالفتيان ويقضين ضعف الوقت تقريبا في إكماله.
الانضباط الذاتي هو ما يسميه بعض الباحثين بالضمير، ويفسرونه بأنه ميزة شخصية فطرية لا يتساوى البشر في امتلاكها، ومن سماتها الاستعداد للتخطيط المسبق وتحديد الأهداف والاستمرار في مواجهة الإحباطات والنكسات، علينا أن ندرك كذلك أن الفتاة تسبق نظيرها الفتى في النضج البدني والفكري والوجداني وتميل إلى أن تكون أكثر وعيا منه، وهي أقدر على ملاحقة الجزئيات البسيطة وتدوين الملاحظات التفصيلية في الفصل الدراسي ونسخ ما يقوله الأساتذة بشكل أكثر دقة كما أن تركيزها يعطيها قدرة أكبر على الاستفادة من الذاكرة، ويساعدها ميلها للتنظيم على التخطيط المسبق وتحديد الأهداف والآليات التي تحتاجها لتحقيقها في ظل إتقانها عادات العمل المدرسي.
قد يكون الجانب الفطري للأنثى مهمّا كذلك في تفسير الظاهرة، فهي أكثر قدرة على التجاوب مع طبيعة البيئة التي تجد نفسها فيها، الفتاة يمكن أن تقضي ساعات في الفصل وأخرى في غرفة مغلقة للمذاكرة، دون أن تنزعج من ذلك بشدة عكس الفتى الذي يشعر أن قدراته تتراجع أمام شروط الانضباط داخل فضاء محدود.
تعددت خلال السنوات الماضية الأبحاث العلمية التي تؤكد أن مخ الرجل أكبر من مخ المرأة، بما يعطيه أسبقية عليها في درجات الذكاء، لكن ظهرت بالمقابل أبحاث أخرى نسفت تلك النتائج، وتبين أن حجم المخ ليس هو المحدد، وإنما الأهم هو ما تتميز به المرأة من وجود روابط أفضل بين خلايا المخ وهو ما يعطيها تنظيما أكثر وكفاءة أعلى وذاكرة أقوى وميلا لامتلاك مفردات لغوية أقوى، وجميع هذه المميزات يمكن أن تعطي للبنات قصب السبق في التفوق الدراسي.