هل تلهم تجربة الحزب الشيوعي الصيني الأحزاب المصرية

فتحت مشاركة عدد من الأحزاب السياسية المصرية في القمة السياسية للحزب الشيوعي الصيني، بمناسبة مرور مئة عام على تأسيسه، الباب أمام تساؤلات بشأن نوع التجربة التي يمكن أن تستفيد منها الساحة السياسية المصرية من حزب عقائدي له مبادئه المختلفة في مجال الديمقراطية.
القاهرة - شارك عدد من الأحزاب المصرية في القمة السياسية التي عقدها الحزب الشيوعي الصيني، الثلاثاء، افتراضياً عبر تقنية فيديو كونفرانس، ضمن احتفالاته بمرور مئة عام على تأسيسه. وحرصت قوى مصرية عديدة، على رأسها “تنسيقية شباب الأحزاب” التي تضم في عضويتها 26 حزبًا، على تهنئة الحزب الصيني، في خطوة لم تكن معروفة ومعلنة على مستوى العلاقات بين أحزاب البلدين.
وفتحت هذه الخطوة المجال أمام قوى سياسية مختلفة للحديث عن أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وجد هواه في نموذج الحزب الشيوعي العتيد للتوأمة أو الاقتداء به، ما يعني استكمال خطوات سابقة قام بها رؤساء مصريون سابقون جذبتهم نماذج سياسية واقتصادية تتواءم مع توجهاتهم؛ فقد اقتدى الرئيس جمال عبدالناصر بالتجربة السوفييتية في مجال تطبيق الاشتراكية.
وحاول خلفه الرئيس أنور السادات الانحياز إلى النموذج الليبرالي وإطلاق الحرية لتكوين الأحزاب والانفتاح الاقتصادي، وجمع الرئيس حسني مبارك بين التجربتين السابقتين.
وأخفقت كل التجارب في تحقيق الأهداف التي أعلنتها، وبقيت ذكرياتها التي لا تزال محل اختلاف بين القوى السياسية، لأنها صممت على استيراد نموذج من الخارج، والأدهى أن التطبيق كان خاطئا في أغلب الأحيان.
ووجه الرئيس السيسي قبل أيام خطابا تلفزيونيا احتفاء بمئوية الحزب الشيوعي، مؤكدا فيه أن الحزب الصيني “استطاع تحقيق معجزة اقتصادية دفعت البلاد إلى مصاف الدول الكبرى، وأن التجربة الصينية أصبحت قصة نجاح يسعى كثيرون لدراستها والاستفادة منها”.
ومع أن مصر منفتحة على الغرب والشرق ولديها علاقات وثيقة مع الجانبين، غير أنها في المنحى السياسي الراهن تميل نحو النماذج التي تتسم بطابع دكتاتوري يتناسب مع هذه المرحلة التي ترى الحكومة المصرية أنها لا تحتمل رفاهية حرية الأحزاب، والتي تحمل في ذاكرتها مضامين سلبية، باعتبار أن عددا كبيرا من القائمين عليها غير مهيئين سياسيا، علاوة على أن الشعب قد لا يحسن التصرف في هكذا مناخ.
رسائل متنوعة
يحمل الاهتمام المصري المتصاعد بتجربة الحزب الواحد في الصين مجموعة من الرسائل، مفادها أن هناك رغبة سياسية في الاقتراب من هذا النموذج الذي يعطي أولوية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية على حساب الحريات والإصلاحات السياسية ومبادئ الديمقراطية الغربية، الأمر الذي يتماشى مع توجهات النظام المصري الذي أبدى اهتماما شديدا بالأولويات الاقتصادية والأمنية التي يستهدف التعامل معها دون أن يهتمّ بفتح مجالات تدعم تطور التجربة الحزبية.
ويعتمد الدستور المصري في بناء الدولة على تعدد الأحزاب وليس الحزب الواحد كما هو الحال في الصين، ويشير الواقع على الأرض إلى أن هناك أحزابا هامشية جرى تجميعها تحت كيان أو مؤسسة واحدة وهي “تنسيقية شباب الأحزاب” التي تشبه الحزب الواحد، وتقوم الآن بأدوار فاعلة باتجاه جملة من القضايا الاقتصادية والاجتماعية ولا تولي الإصلاح السياسي اهتماماً مركزيا، ولعل ذلك تحديداً ما يجذب أحزاب الموالاة إلى التجربة ويحاول الموالون الاستفادة منها للإيحاء بأن التجربة المصرية ليست وحيدة.
ورغم أن الحزب الشيوعي حزب عقائدي له مبادئه، على عكس مصر التي تتبنى طريقا غامضا ولم تتضح معالمه حتى الآن في مجال الديمقراطية، إلا أن عددا من السياسيين المصريين يرون أن الاستفادة تكون من خبرات الحزب في تأسيس بنية قوية استطاعت أن تصمد سنوات طويلة والتعرف على قدرة الحزب الصيني على التواصل بشكل مباشر مع الشعب وجذب الملايين من المواطنين على أرضية مشتركة تقوم على دعم الدولة الوطنية وتشكيل ظهير سياسي لها يخدم توجهاتها الداخلية والخارجية.
وتضمنت الوثيقة التي أصدرها الحزب الشيوعي الصيني في 25 يونيو الماضي بعنوان “النظام الحزبي في الصين.. التعاون والتشاور”، التأكيد على أن النظام الحزبي الصيني “يسعى لتجنب عيوب النظم الحزبية التقليدية التي لا تمثل سوى فئة أو طبقة أو مجموعة واحدة تشترك في المصلحة، في حين يجسد النظام الصيني أكبر شريحة من الفئات الاجتماعية ولا يقتصر على فئة واحدة”.
وتتقارب هذه الرؤية نظريا مع المبادئ العامة للنظام المصري والتحركات التي تتبناها “تنسيقية شباب الأحزاب” التي تأسست قبل ثلاثة أعوام باعتبارها منصة لـ”التقاء أكبر عدد من التوجهات السياسية”، ربما تختلف في مسميات الكيانات المنتمية إليها، لكن الجميع يدورون في فلك النظام الحاكم، مع وجود اختلافات نسبية تتمثل في أن الكيان المصري الجديد يميل نحو النخبوية الشكلية وليس الشعبوية النابعة من الناس كما هو الحال بالنسبة إلى الحزب الشيوعي.
وتتعامل دوائر رسمية عديدة مع التنسيقية على أنها كتلة سياسية تضم أحزابا عدة متنافرة في الأدبيات، ويتم الترويج لها باعتبارها تمثل نموذجا مصغرا لتجربة الحزب الشيوعي الصيني الذي يمكن أن يكتسب أرضا في الخطاب المصري المقبل، فالمطلوب الاقتباس والاقتداء والتكرار وليس التماثل، لأن هناك خصوصية.
يأخذ البعض من المراقبين على الأنظمة المصرية أنها تسعى إلى تقليد نماذج مستوردة بطريقة مشوهة وتحاول تفصيلها على مقاسها السياسي، ما يجعلها تبدو في صورة غريبة، لأن تكييفها على مزاج النظام الحاكم أحد أوجه الخلل الذي أدى إلى فشل تجربتي عبدالناصر والسادات، ويقود إلى النتيجة نفسها مع السيسي.
وبدأ النظام المصري يشجع الأحزاب على المزيد من التقارب مع الحزب الشيوعي الصيني وتوسيع نطاق الاجتماعات الثنائية بين الجانبين الفترة الماضية -وعلى رأس هذه الأحزاب: المصريين الأحرار، والمؤتمر، وحزب الحركة الوطنية، وجميعها موالية للنظام الحاكم- بالتوازي مع حراك ثقافي وحكومي آخر بين البلدين يتبلور على مستويات مختلفة بفعل الاهتمام الصيني بالتواجد في الدول النامية وتوظيف هذا التقارب لدعم مصالح بكين الاستراتيجية.
وقال الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عمرو الشوبكي، إن التوجه المصري نحو الاستفادة من التجربة الصينية موجود في خيال البعض، لكن هناك مشكلات عديدة تعترض إمكانية استنساخ التجربة، لأن النجاح الحالي للحزب الصيني هو نتاج تجربة طويلة امتدت مئة عام تواجد فيها بالشارع وظل يناضل إلى أن نجح في إسقاط الحكومة الوطنية وقاد الثورة الصينية عام 1949.
من هنا تأتي المفارقة في إعادة إنتاج النموذج بطريقة فوقية وعدم تكبد تضحيات حقيقية، فالنظام المصري يحاول أن يكون قريبا من الشارع من خلال تلبية احتياجاته دون الإنصات إلى نبضه مباشرة، والمرجعية التي يستند إليها الخاصة بثورة يونيو 2013 التي أزاحت الإخوان عن الحكم يشوبها جدل حتى الآن، حيث لفظت أجهزة الدولة الكثير من القوى السياسية التي شاركت فيها وصارت التجربة فوقية.
وأضاف الشوبكي في تصريح لـ”العرب” أن الحزب الصيني لم يجر تأسيسه فوقياً من رأس السلطة ومر بطفرات ثقافية وتطورات اقتصادية وسياسية قبل أن يصل إلى تجربته الراهنة الناضجة، بالتالي ليس من الممكن أن تستفيد القاهرة من حصيلة ما تحقق وتنتزع التجربة من سياقها التاريخي الذي يمكن الاستفادة منه بصورة إيجابية.
الارتباط بالشعب والانفصال عنه

ترتكز رؤية الرئيس السيسي للأحزاب السياسية الضعيفة أصلا على أنه لا يمكن التعويل عليها في تحقيق إصلاحات، لأنها لا ترتبط بالشارع وليست لديها الجذور الكافية التي يمكن البناء عليها، لذلك تعددت عمليات دمج الأحزاب بطرق وأشكال مختلفة أملا في الوصول إلى وجود حزب أو تيار قوي يلعب دور حزب الرئيس والظهير السياسي له.
وتشكلت أسس قيام الحزب الشيوعي على مبادئ تدمج بين الاشتراكية ونظام السوق، وهي أحد العوامل التي دفعته للنجاح، إلى جانب أنه حزب ليس ليبراليا ديمقراطيا ولا يؤمن بالتعددية الحزبية، الأمر الذي أوجد مبررا ليرسل النظام المصري إشارات تفيد بأن هناك نماذج أخرى ناجحة بعيداً عن التعددية التقليدية التي تتبناها الدول الغربية.
ونبه مراقبون إلى ضرورة التعامل بحذر مع محاولات استنساخ التجربة الصينية لأن السياقات التي ظهر فيها الحزب الشيوعي والثورة الصينية التي قامت على تحرك الطبقات الفقيرة والفلاحين تختلف عن ثورة 23 يوليو 1952 في مصر وقادها تنظيم الضباط الأحرار ومازالت هي المرجعية الظاهرة لشكل الدولة المصرية حتى الآن، وما عداها من انتفاضات أو ثورات لم يتجاوز التأثير الكبير في ما خلفته الثورة الأم.
وإذا صمم النظام المصري على تعظيم النموذج الصيني ومحاولة تقليده فقد يصطدم بواقع يختلف عن البيئة التي ظهر ونضج وتبلور فيها الحزب العريق، وقد يجد نفسه في مأزق، لأن التجربة سوف تكون غير متسقة مع مزاج المصريين.
وأكد رئيس حزب الجيل ناجي الشهابي أن البحث عن مسكنات لإصلاح أوضاع الحياة الحزبية في مصر لن يأتي بنتائج مرجوة، والتجارب السابقة التي حاولت فيها الأنظمة المختلفة استنساخ تجارب أخرى فشلت وتحولت إلى تقليد صوري، وهو أمر من المتوقع أن يتكرر مع التجربة الصينية الجذابة للحكومة، طالما أنه جرى تجاهل القاعدة الشعبية التي تشكل الأساس في بنية أي حزب.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن الاستفادة من التجربة الصينية قد تكون واردة من منظور الإصلاح الاقتصادي وليس السياسي، وينبغي أن يكون ذلك على مستوى الحكومات وليس الأحزاب، ولا توجد مجالات كبيرة مفتوحة أمام العمل السياسي الناضج في مصر، وقد تتحول اللقاءات المتعددة إلى مجرد تعاون شكلي يصعب توظيفه بصورة إيجابية.
ويشير مراقبون إلى أن تكثيف الضوء المصري على تجربة الحزب الشيوعي سوف يثير قلقا لدى الدول الغربية التي لن تغفر للقاهرة انحيازها لبكين في هذه المرحلة، لأن هذه التجربة تتناسب مع التفكير العام لدول عربية وأفريقية كثيرة، وتجهض كل محاولات نشر الديمقراطية الغربية في المنطقة، ولذلك لا تتحدث مصر بشكل صريح بشأن هذا الملف خوفا من أن يفتح عليها أبوابا سياسية مجمدة الآن، تتعلق بمجال الحريات وحقوق الإنسان التي عندما تظهر تنذر بأن هناك أزمة بين القاهرة والغرب.
من المبكر الحكم على نجاح أو إخفاق الوصول إلى صيغة قريبة من نموذج الحزب الشيوعي، لكن يظل هذا الشبح يطل على مصر طالما أنها لم تشرع بعد في القيام بإصلاحات سياسية ولم تعمل على المزيد من الانفتاح في مجال الحريات.