جرائم الحرب الفرنسية تعود إلى الواجهة في الذكرى الـ59 لاستقلال الجزائر

رفض فرنسا تسليم خرائط تفجيراتها النووية بالصحراء الجزائرية ينذر بتفاقم التوتر بين البلدين.
الأحد 2021/07/04
ذكريات الحرب متوارثة عبر الأجيال

الجزائر - ما إن خفت الاهتمام الشعبي في الجزائر بملف الاستعمار الفرنسي وسط انشغال البلد بالانتخابات التشريعية وانتظار تشكيل حكومة جديدة، حتى عاد الملف ليطرح بقوة بمناسبة الذكرى الـ59 للاستقلال الذي حصلت عليه البلاد بفضل تضيحات نحو 5 ملايين شهيد.

وتحتفل الجزائر الاثنين بمرور 59 سنة على استقلالها (5 يوليو 1962)، ورغم التغيرات السياسية التي طرأت على البلد منذ بدء الحراك الشعبي في فبراير 2019، والإطاحة بنظام عبدالعزيز بوتفليقة، إلا أن جيل الثورة ما زال يتولى أغلب المناصب العليا ويسيّر شؤون البلاد منذ عقود من الزمن.

ويردد المسؤولون الفرنسيون في عدة مناسبات بضرورة طي الجزائر صفحة الماضي الاستعماري وفتح صفحة جديدة، لكن السلطات الجزائرية طالبت مرارا باعتراف رسمي من باريس بجرائم الاستعمار، وهذه القضية لطالما كانت محل توتر بين البلدين وسجال داخل أوساط المتابعين والباحثين والمؤرخين، فيما تلتزم باريس الصمت كلما تعالت الأصوات الجزائرية.

ويؤكد المؤرخ عمار محند عامر أن الصمت الذي تلتزم به فرنسا في ما يخص الجرائم التي ارتكبتها إبان استعمار الجزائر، تمليه أساسا رهانات "سياسية"، معتبرا أن هذا الملف لا يزال يستعمل للمتاجرة السياسية من قبل اليمين المتطرف في فرنسا.

وفي تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية بمناسبة عيد الاستقلال والشباب، اعتبر عامر وهو مدير قسم الأنثروبولوجيا الاجتماعية لتاريخ الذاكرة بالمركز الوطني للبحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية بوهران، أنه "من الواضح أن الأمر مرتبط أساسا برهانات سياسية وذاكراتية وسياسيوية على وجه الخصوص".

وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عمل على تحريك قضية الاستعمار من خلال تكليفه المؤرخ الفرنسي المعروف بنجامين ستورا بإعداد تقرير حول "قضايا الذاكرة المتعلقة بالاستعمار وحرب الجزائر"، التي ما زالت حلقة مؤلمة في ذاكرة الملايين من العائلات في كل من الجزائر وفرنسا.

لكن المفاجأة كانت أن تقرير ستورا تضمن خطوات رمزية فقط دون إبداء توصية تقتضي بتقديم اعتذار فرنسي عن استعمار الجزائر، والذي استمر بين عامي 1830 و1962، حيث تقول السلطات الجزائرية ومؤرخون إن هذه الفترة شهدت جرائم قتل بحق قرابة 5 ملايين شخص، إلى جانب حملات تهجير ونهب الثروات‎.

وحول جدوى تقرير المؤرخ الفرنسي، شدد المؤرخ الجزائري على أنه يتعيّن على الجزائريين العمل و"عدم انتظار ما يجب أن يحصل في الضفة الأخرى من المتوسط".

وأجرت فرنسا خلال فترة استعمارها الجزائر، ما مجموعه 17 تجربة نووية في الصحراء الجزائرية بين 1960 و1966، منها 11 تجربة أجريت تحت الأرض بعد توقيع اتفاقيات إيفيان في العام 1962، والتي حصلت بموجبها الجزائر على الاستقلال.

ويعدّ هذا الملف موضوع مطالب جزائرية رسمية وأخرى من منظمات أهلية، من أجل الكشف عن أماكن النفايات النووية، وتعويض ضحاياها والمتضررين منها جراء الإشعاعات.

وفي تصريحات له الأحد، قال وزير المجاهدين الجزائري الطيب زيتوني، إن فرنسا ترفض تسليم بلاده خرائط التفجيرات النووية التي أجرتها في صحرائها.

وأفاد زيتوني بأن "الطرف الفرنسي يرفض تسليم الخرائط الطبوغرافية التي قد تسمح بتحديد مناطق دفن النفايات الملوثة، المشعة أو الكيمياوية غير المكتشفة إلى غاية اليوم".

وأوضح "أن فرنسا لم تقم بأي مبادرة لتطهير المواقع الملوثة من الناحية التقنية أو بأدنى عمل إنساني لتعويض المتضررين".

وشدّد على أن "التفجيرات النووية الاستعمارية تعد من الأدلة الدامغة على الجرائم المقترفة، التي لا تزال إشعاعاتها تؤثر على الإنسان والبيئة والمحيط".

وبينما تقول الجزائر إن ما جرى هو "تفجيرات نووية"، تعتبر فرنسا أنها "مجرد تجارب نووية"، فيما قال الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في مقابلة مع صحيفة "لوبوان" الفرنسية مطلع يونيو الماضي، "نطلب من فرنسا تنظيف مواقع التجارب النووية، ونأمل منها معالجة ملف ضحاياها".

ومنذ انتخاب عبدالمجيد تبون رئيسا للجزائر في ديسمبر الماضي، عرفت العلاقات الثنائية فتورا ملحوظا، حيث تعامل الإليزيه في البداية مع انتخابه ببرودة، ووصفه وزير الخارجية جان إيف لودريان بـ"الأمر الواقع الذي يتوجب التعامل معه"، وهو ما قابلته السلطة الجزائرية بتكثيف الانفتاح على قوى أخرى أشد منافسة للفرنسيين، كروسيا والصين.

وتعرضت العلاقات بين البلدين لتوترات متعاقبة، في مقدمتها إلغاء الجزائر الزيارة التي كانت مقررة في أبريل لرئيس الوزراء الفرنسي جون كاستكس، في آخر لحظة، وسحل السلطات الجزائرية اعتماد قناة فرانس 24 بسبب ما أسمته "التحامل المتكرر" للقناة الإخبارية "على الجزائر ومؤسساتها"، بالإضافة إلى تنديدها من حين إلى آخر بوكالة الأنباء الفرنسية.