"المعاشات الحرام" تسلب المسلمين في المهجر راحة البال

 فتاوى متشددة تثير مخاوف المسلمين من توظيف مدخراتهم في صناديق التقاعد.
الأربعاء 2021/06/30
كل امرئ برزقه مشغول

تجد نسبة كبيرة من المسلمين صعوبة في اتخاذ قرارات بشأن إيداع مدخّراتهم في صناديق التقاعد من دون الاستعانة بآراء الفقهاء ورجال الدين لتجنب الربا والأرباح المحرمة في الدين الإسلامي. لكنّ المشكلة الأكبر تكمن أيضا في أن الآراء الفقهية والفتاوى الدينية تبدو أحيانا متناقضة إلى حدّ كبيـر وتثير الحيـرة والارتباك بين المسلمين الذين لا يرغبون في مخالفـة تعاليم دينهم.

أثارت فتاوى بعض الفقهاء المتشددين الجدل في أوساط الكثير من المسلمين الذين يرغبون في الانخراط في صناديق التقاعد والحيطة الاجتماعية، للحصول على دخل تقاعدي عندما يكبرون في السن، ولكنهم يشعرون بالقلق من أن يكون ذلك مخالفا لعقيدتهم التي تحرم الأموال الربوية والأرباح غير الشرعية.

ولا يبدو أن الجدل على المعاشات التقاعدية ومدى توافقها مع الشريعة الإسلامية جديد، إذ أن بعض الأصوات المتشددة ما زالت ترى في الرواتب الشهرية التي يحصل عليها المسلمون من حكومات لا تطبق الشريعة الإسلامية محرمة أصلا في مغالاة مثيرة للاستغراب، مع ذلك يوجد من يروج لها.

وتزايدت المخاوف لدى البعض ممن يتسمون بدرجة عالية من التدين ويولون أهمية للمعاشات التقاعدية الحلال، من الخيارات المحدودة لأنظمة المعاشات التي تعمل طبقا للمبادئ الإسلامية في الوقت الحالي، وخاصة في ظل غياب قواعد شفافة تؤكد أن المعاشات التي سيحصلون عليها عند تقاعدهم لا تتعارض مع عقيدتهم، كما يسيطر على البعض الآخر القلق لعدم قدرتهم على التأكد من أن مؤسسات الضمان الاجتماعي لا تستثمر أموالهم في الصناعات التي تتنافى مع أحكام الشريعة.

ويجد نسبة من المسلمين صعوبة في اتخاذ قرارات بشأن إيداع مدخراتهم في صناديق التقاعد، من دون الاستعانة بآراء الفقهاء ورجال الدين لتجنب الربا والأرباح المحرمة في الدين الإسلامي.

الأصوات المتشددة ما زالت ترى في الرواتب الشهرية التي يحصل عليها المسلمون من حكومات لا تطبق الشريعة الإسلامية محرمة

وتكمن المشكلة في أن آراء الفقهاء تبدو أحيانا، متناقضة إلى حدّ كبير وتثير الحيرة لدى المسلمين، الذين لا يرغبون في مخالفة تعاليم دينهم.

وقال الداعية السوري المقيم في السعودية محمد صالح المنجد على موقعه في الإنترنت “إذا كانت مؤسسات التقاعد تستثمر المال المستقطع في أمور محرمة كصناعة الخمور أو الإقراض الربوي، كان هذا سببا آخر للتحريم لما في ذلك من إعانتهم على الإثم والعدوان”.

وأضاف المنجد في إجابة على سؤال بشأن الحكم الشرعي للراتب التقاعدي للمسلم في بريطانيا “إذا كان الاشتراك في هذا النظام اختياريّا، فلا تجوز المشاركة فيه، ومن ترك شيئا لله عوَّضه الله خيرا منه، وأما إذا كان الاشتراك إجباريّا، فلا إثم عليك، ولا يحل لك أن تأخذ أنت أو ورثتك أكثر مما أُخُذ منك، ولك أن تترك الباقي أو تأخذه وتوزعه في وجوه الخير”.

وذكر أن “المشاركة في نظام التقاعد مع الجهات الحكومية لا تأخذ الحكم السابق من جهة أن الحكومة أو بيت المال مسؤول عن الإنفاق مع الرعية إذا احتاجوا”.

وتحاول هيئة المعاشات الحكومية البريطانية إقناع الموظفين المسلمين باتخاذ قرارات مالية أكثر حكمة من مجرد الإبقاء على أموالهم في خزينة المنزل.

وألزمت الحكومة البريطانية في عام 2012، جميع الموظفين بالتسجيل تلقائيا في خطط التقاعد في مكان العمل التي تتوافق مع صناديق التقاعد الخاصة بهم، ومع ذلك فإن ما يصل إلى واحد من كل ثلاثة مسلمين ما زالوا غير مسجلين في نظام معاشات تقاعدية، وقد ينتهي هذا الأمر بتكبّد المجتمع ما يقرب من 13 مليار جنيه إسترليني (18 مليار دولار). وفقا لخبراء في المركز الإسلامي للاستثمار الحلال.

وعزت دراسة أصدرها المركز الإسلامي الأسباب الرئيسية لرفض عدد من المسلمين التسجيل في أنظمة المعاشات، لعدم تقديم أرباب العمل صندوقا تقاعديا متوافقا مع الشريعة الإسلامية كجزء من خطة المعاشات، أو بسبب عدم توفر المعلومات الكافية للموظفين المسلمين عن أنظمة المعاشات الحلال.

استثمارات الشريعة

 لا وجود لاقتصاد دون فائدة
 لا وجود لاقتصاد دون فائدة

غير أن القرارات التي يتخذها المسلمون تكون في معظمها محاطة بمعايير تشريعية تبدو معقّدة في بعض الأحيان، وقد يصعب عليهم ذلك الحسم في مسألة ما إذا كانت عمليات تلك الصناديق التقاعدية والاستثمارية متوافقة مع عقيدتهم أم لا.

ويساهم المسلمون بحوالي ثلاثين مليار جنيه إسترليني سنويا في اقتصاد المملكة المتحدة كل عام، لكن عددا كبيرا منهم يختار الانسحاب من خطة التقاعد الحكومية لأنهم يعتبرونها مدعومة باستثمارات لا تتماشى مع الشريعة الإسلامية.

وغالبا ما يختار البعض منهم الاستثمار في صناديق تقاعد خاصة تم إنشاؤها في 2012 لتكون مطابقة للشريعة الإسلامية، لكن عددا كبيرا من أرباب العمل لا يقترحون صندوقا للمعاشات متوافقا مع المبادئ الإسلامية كما أن نسبة كبيرة من الموظفين المسلمين لا يعلمون بوجودها.

إبراهيم خان: افتقار بريطانيا لصناديق التقاعد الحلال خطر مالي ووجودي

وتواجه صناديق الادخار التقاعدي المتوافق مع المبادئ الإسلامية أو التي يطلق عليها “الصناديق الأخلاقية” تحديات مالية عديدة، قد لا تواجهها الصناديق التي لا تلتزم بالشريعة، ومنافسة محتدمة على اجتذاب المشتركين في أنظمتها، إضافة إلى خيارات الاستثمار المحدودة.

واعتبر إبراهيم خان الخبير في التمويل الإسلامي في بريطانيا أن الافتقار إلى الاختيار في سوق معاشات التقاعد الحلال في بريطانيا يشكل خطرا ماليا وجوديا على مئات الآلاف من المسلمين في جميع أنحاء المملكة المتحدة.

وشدد خان المؤسس المشارك في “معلم التمويل الإسلامي” وهي خدمة استشارية مكرسة لمساعدة المسلمين على اتخاذ قرارات مالية ذكية، على أن هذه المشكلة تحدّ من حصول المسلمين في جميع أنحاء المملكة المتحدة على تقاعد مريح.

وأشار إلى عدم توفر سوى صندوق أو صندوقين للمعاشات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية يعود إليهما جميع المسلمين في بريطانيا، وهما عبارة عن صناديق مساهمة بنسبة 100 في المئة، وهذا يعني أنه لا يوجد تنوع في تلك المحفظة.

وقال بول نيومان الخبير في النزاعات المالية والمعاشات التقاعدية “الغالبية العظمى من صناديق الاستثمار المستخدمة من قبل أنظمة معاشات المساهمات المحددة لن تكون متوافقة مع الشريعة،

لأنها تستثمر في الأصول التي تولد الفائدة أو تشمل الصناعات التي تعتبر محرمة لدى المسلمين”.

وأضاف نيومان “لذلك من غير الممكن أن يصبح الموظفون المسلمون أعضاء في مخطط أصحاب العمل إذا لم يقدم خيار صناديق الاستثمار الحلال”.

وتقوم معظم أنظمة التقاعد في العالم على التمويل الحكومي، لكنّ عددا كبيرا من البلدان سعت إلى تطوير سوق لصناديق التقاعد تركز بالكامل على الاستثمارات الإسلامية.

صناديق التقاعد الأخلاقية

Thumbnail

تعمل صناديق التقاعد الإسلامية أو الحلال بنفس الطريقة التي تعمل بها الصناديق التقليدية باستثناء أن صناديق التقاعد الإسلامية تستثمر الأموال في قطاعات متوافقة مع الشريعة الإسلامية، وتشمل استبعاد العلامات التجارية للمشروبات الكحولية، ومنتجات لحم الخنزير، والمواد الإباحية، ونوادي القمار، والمعدات العسكرية أو الأسلحة. كما أن الاستثمارات المتوافقة مع الشريعة خالية من الربا والمضاربة.

ويبدو أن الطريق لا يزال طويلا أمام صناديق التقاعد “الأخلاقية” لمواكبة نظيراتها التي لا تعمل طبقا للشريعة الإسلامية، في ظل عدم توفر قاعدة قوية من المستثمرين المسلمين.

ولا تمثل صناديق التقاعد الإسلامية سوى 0.001 في المئة من صناديق التقاعد العالمية، بالرغم من أن المسلمين يمثلون أكثر من ربع سكان العالم.

شوقي علام: الذهاب إلى البنك بنية حفظ المال خروج من دائرة الربا

وسبق وكشفت المجموعة العالمية للتمويل والاستثمار الإسلامي أن 72 في المئة من المسلمين لا يتعاملون مع المصارف ويمتنعون عن استثمار أموالهم؛ بسب المعتقدات السائدة بحرمة الفائدة البنكية، وحالة الارتباك وعدم الوضوح في ما يتعلق بتحليل أو تحريم معاشات التقاعد، والأمر الذي لا يجعل الكثيرين يشعرون بالراحة فتاوى تناقض بعضها بعضا وغياب مرجعية موحدة في تحديد الرأي الديني، ما يجعل المسلمين يعتقدون أن الحفاظ على المدخرات نقدا هو بديل أكثر شرعية من الاستثمار.

وأجاب مفتى مصر شوقى علام، عن سؤال عما إذا كانت فوائد البنوك حلالا أم حراما، بقوله “الجواب يتوقف على الواقع وتوصيف الواقعة المترتبة على الإيداع والحساب الجاري أو الاقتراض من البنك”.

وأوضح “إن الشخص الذي يذهب إلى البنك بنية حفظ المال وليس أن يُقرض البنك هذا المال يكون خرج من دائرة الربا ويكون خرج مع القاعدة التي تقول ‘كل قرض جر نفعا فهو ربا’ لأنه لم يقرض البنك المال وإنما يضعه للحفظ أو الوديعة”.

وأشار علام في ندوة جامعية حملت عنوان “الوعي وتأصيل الانتماء” أن الاقتراض من البنك لأجل الاستثمار أو تمويل مسموح به شرعا، مشددا على أن الضرورات تبيح المحظورات والحاجة تقوم مقام الضرورة للتيسير على الناس.

وأوضح أن النسبة الثابتة التي تعطى للشخص الذي يودع أمواله في البنك لا يوجد نص شرعي يمنعها وإنما هي خاضعة لواقع التعامل المصرفي وأحوال الناس والمجتمع وتكون ضمانا للحدود.

ومن جانبه اعتبر الدكتور خالد عمران، أمين لجة الفتوى بدار الإفتاء المصرية أن إيداع الأموال في البنوك بهدف الاستثمار جائز شرعيا.

وأضاف “شهادات الإيداع تعتبر عقدا جديدا مع المودع والبنك، وليست من باب الربا، كما يتوهم الكثيرون؛ إذ تعتبر البنوك صورة جديدة من العقود والمعاملات، لم تكن موجودة من قبل”.

وأكد عمران خلال مداخلة هاتفية في أحد البرامج التلفزيونية أن معاملات البنوك لا ينطبق عليها الكلام الموجود عن الربا بالفقه الإسلامي، مؤكدا أنها تعتبر استثمارا لا يخالف الشرع الشريف.

وشدد أمين لجنة الفتوى على أن البنك ليست به شبهة أو ربا كما يزعم الذين يروجون لهذه الأمور، ولكنه استثمار وتمويل، داعيا الناس إلى التعامل مع البنوك باطمئنان لتجنب عمليات النصب والاحتيال.

شبهة الربا لا تحلل الحرام

Thumbnail

إلا أن هذه الآراء واجهت معارضة شديدة من الداعية المصري سيد مبارك الذي رأى أن فتاوى بعض علماء الأزهر أباحت الربا المحرم.

وكتب مبارك على موقعه في الإنترنت إن “وضع الأموال في البنوك الربوية مقابل فائدة محددة سلفا من البنك مع ضمان رأس المال كما هو، من الربا الصريح الذي نزل القرآن بتحريمه”.

وأضاف “محاولة بعض أهل العلم تصوير ذلك بأنه استثمار وحلال محاولة باطلة تبطلها أدلة الكتاب والسنة والإجماع، والواقع المعروف لعمل البنوك ووظيفتها كما بيّنا ذلك”.

واعتبر أن “البنوك الربوية صناعة يهودية كما لا يخفى، ولذلك لا يتصور عقلا أن تراعى فيها الحدود الشرعية، ويجدر هنا ذكر قول ابن المنذر ‘أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القراض إذا شرط أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معدودة'”.

وقال مبارك إن “التراضي وعدم الإجبار أو الإلزام بين العميل والبنك التي يتحدثون عنها لنفي شبهة الربا لا تحلل الحرام ومثال على ذلك لو اشتريت أنا باختياري زجاجة خمر من محل خمور برضا مني ومن صاحب المحل بعد إعطائه الثمن المتفق عليه لا يجعل هذا الخمر حلالا لرضا التاجر والمشتري وقس على ذلك الكثير من المحرمات التي تتم برضا من الطرفين”.

13