قمة بغداد بلا أوهام: ماذا يمكن أن تقدم مصر والأردن للعراق

"الشام الجديد" مصطلح يطفو على السطح للتعبير عن صيغة التعاون بين الأردن ومصر والعراق.
الاثنين 2021/06/28
أنا خلف الفكرة

بغداد - قدم قادة العراق ومصر والأردن الجانب الاقتصادي خلال قمة ثلاثية جمعتهم الأحد في العاصمة العراقية بغداد على الجانبين السياسي والأمني وهو ما يطرح تساؤلات بشأن ما يمكن أن تقدمه مصر والأردن للعراق.

وبدأت في بغداد الأحد قمّة ثلاثية تضمّ بالإضافة إلى رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي الرئيس العراقي برهم صالح والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني.

وناقشت القمة قضية الربط بين العراق ومصر والأردن في مجالات النقل البري والكهرباء والتعاون الزراعي وتأهيل المصانع العراقية من قبل الشركات المصرية.

وبينما تنظر مصر والأردن للعراق كفرصة، لاسيما أن عقد القمة تزامن مع إعلان عراقي عن تجاوز عجز الميزانية ومع ارتفاع أسعار النفط، لا يرى العراقيون أن تحالفا كهذا سيفيد العراق على المستوى الاقتصادي.

رحيم الكعبي: العراق يحتاج إلى شركاء قادرين على توفير الحلول الاقتصادية

وظلت مصر والأردن تراهنان على دعم مالي سعودي صار من الواضح أنه لن يأتي.

وقال برلماني عراقي فضّل عدم ذكر اسمه في تصريح لـ”العرب” إن “مصر والأردن لا يمكن أن تقدما شيئا للعراق أكثر من العبء على الاقتصاد العراقي”.

وبدوره يرى المحلل السياسي العراقي رحيم الكعبي أن “أحوال العراق الاقتصادية والمعيشية التي تزداد اختناقا، والتي تلقي بظلالها على مجمل المشهد المتوتر في هذا البلد، تحتاج إلى شركاء قادرين على توفير الحلول الاقتصادية لتنفيس الاحتقان المستمر في الشارع، لكن الحكومة اختارت على ما يبدو خياراً آخر”.

وتساءل الكعبي في تصريح لـ”العرب”، “ما الذي تغيّر إذاً ليصبح ‘مجلس التعاون العربي’ بصيغته ‘المحدثة’ هو الحل لعراق منزوع السيادة مثقل بالأزمات والتوترات والانقسامات؟”.

وأنشأ الرؤساء الراحلون العراقي صدام حسين والمصري حسني مبارك واليمني علي عبدالله صالح والعاهل الأردني الراحل الملك حسين مجلس التعاون العربي في فبراير 1989، لكن سرعان ما انفرط عقده بعد أزمة الكويت عام 1990 ودخول مصر في التحالف المضاد للعراق، ثم تآكل ما تبقى منه بعد سماح الأردن بدخول قوات غربية من أراضيه لغزو العراق عام 2003. 

وتابع الكعبي “منطقياً، حكومة بالمواصفات التي نشاهد كل يوم كيف تدير العراق هي أبعد ما تكون عن حكومة خطط استراتيجية، وهي نفسها التي تقول إنها جاءت لمواجهة ملفات داخلية مرحلية أهمها التحضير للانتخابات المقبلة”.

لكن الباحث السياسي العراقي حميد الكفائي اعتبر أن مصر والأردن بلدان عربيان مهمان بالنسبة إلى العراق ومهمان عالميا أيضا، والتقارب والتنسيق معهما مفيد للعراق ويعزز موقفه الإقليمي والدولي.

وقال الكفائي في تصريح لـ”العرب”، “نعم دول الخليج مهمة وهي دول شقيقة وأقرب إلى العراق ثقافيا وجغرافيا واجتماعيا من الدول العربية الأخرى، وتطوير العلاقات معها أمر في غاية الأهمية، ولكنّ التقارب مع أيّ دولة عربية أخرى لن يكون على حساب علاقاته الخليجية، وهو ينفع العراق ويعزّز موقفه خصوصا في ظل التهديدات الإيرانية لوجوده السيادي والثقافي والقومي”.

وأضاف “لا ننسى أنّ إيران بنظامها التوسّعي الحالي تشكل خطرا على الدول العربية جميعا، لذلك فإن تعزيز العلاقات مع مصر، وهي من أهم الدول العربية وأكثرها نفوذا في العالم العربي والعالم، أمر في غاية الأهمية للعراق حاليا، خصوصا في ظل التهديدات الإيرانية لأمنه ووجوده كدولة مستقلة ذات هوية قومية وثقافية مميزة”.

Thumbnail

وتمثل قمة بغداد فرصة للأردن لاستعادة علاقاته الطبيعية مع العراق في أعقاب فترة من الجفاء والارتياب بعد الغزو الأميركي الذي أطاح بالنظام السابق وهبط بالعلاقات العراقية الأردنية إلى أدنى مستوى.

ومن شأن التعاون مع العراق في مجال المشاريع المشتركة المساهمة في معالجة الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد الأردني الذي يوصف بأنه اقتصاد ريعي مع اعتماد المالية العامة بصورة شبه تامة على الضرائب والمساعدات الخارجية.

وسبق للأردن والعراق أن اتفقا على مشاريع يمكن أن تمثل أساسا جديدا للتعاون الاقتصادي بين البلدين الجارين، وعلى رأسها خط أنبوب البصرة – العقبة والمنطقة الاقتصادية المشتركة ومشروع الربط الكهربائي.

حميد الكفائي: التقارب والتنسيق مع مصر والأردن يعزز موقف العراق الإقليمي والدولي

وفي مجال التجارة التي بات ميزانها يميل لصالح الأردن في السنوات الأخيرة، تتوقع عمّان زيادة صادرات النفط من العراق الذي يستورد الأردن منه ما لا يزيد عن 10 في المئة من احتياجاته النفطية.

وظل الأردن لسنوات طويلة قبل 2003 يستورد معظم استهلاكه النفطي من العراق مجانا أو بأسعار تفضيلية.

ويرجع بعض الخبراء فكرة المشروع بين الدول الثلاث إلى الرغبة في استثمار الكتلة السكانية الكبيرة في مصر (110 ملايين نسمة) والاستفادة من الثروة النفطية الهائلة في العراق، والموقع الجغرافي للمملكة الأردنية الذي يربط بين البلدين الآخرين.

وقال رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات بالقاهرة محمد محسن أبوالنور إن للقمة “أهدافا معلنة تتمثل في تعظيم الشراكة الاقتصادية والمالية بين الدول الثلاث، والاستفادة من العناصر التفضيلية لكل دولة، وأخرى غير معلنة”.

وأضاف أبوالنور في تصريح لـ”العرب”، “هناك أهداف يمكن استخلاصها، على رأسها مواجهة التوسعات الإقليمية المعادية في العراق” ووضع خطط بين الدول الثلاث تواجه “توسع اللوبيات التركية والإيرانية في العراق لإفشال الكاظمي، وبناء حائط صد أمام مخططاتها عبر إجراءات اقتصادية وسياسية وأمنية تستهدف تقوية الدولة العراقية”.

وطفا على السطح في بعض الدوائر السياسية مصطلح “الشام الجديد” للتعبير عن صيغة التعاون بين الدول الثلاث، في إشارة توحي بتغيير في الجغرافيا السياسية التي ربطت الشام بسوريا، وطمأنة من اعتقدوا أن التكتل يرمي إلى تمهيد الطريق لاستيعاب سوريا داخله بعد تطورات حثيثة شهدتها وإعادة تأهيل نظام الرئيس بشار الأسد.

ويقلل توظيف المصطلح من التوقعات والتخمينات التي ربطته بتحالفات أمنية وسياسية والتركيز على أهدافه الاقتصادية في هذه المرحلة لتخفيف حدة الانتقادات المتوقعة من قبل بعض القوى الإقليمية التي قد ترى فيه نواة لتحالف ليس اقتصاديا فقط.

واستخدم الكاظمي تعبير “الشام الجديد” لأول مرة خلال زيارته إلى الولايات المتحدة في أغسطس الماضي، لافتا إلى أنه يعتزم الدخول في مشروع اقتصادي مع القاهرة وعمّان لتكوين تكتل إقليمي قادر على مواجهة التحديات.

وتردد المسمّى نفسه على لسان مسؤولين في الدول الثلاث وبدرجات مختلفة وفي أوقات متباينة، بما يعني أن مشروع “الشام الجديد” يجري التفكير فيه منذ فترة، وينتظر الأجواء المناسبة لإطلاقه، وقد تكون قمة بغداد مقدمة لتعميمه رسميا.

1