قمة عراقية - أردنية - مصرية في بغداد لتوسيع التعاون بين الدول الثلاث

بغداد – عقدت في بغداد الأحد قمّة ثلاثية ضمت بالإضافة إلى المسؤولين العراقيين، الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، وركّزت مناقشاتها على ملفات إقليمية وعلى التعاون الاقتصادي والأمني والتجاري بين الدول الثلاث.
وتأتي هذه القمة الثلاثية بينما يسعى العراق إلى أداء دور الوسيط على مستوى الشرق الأوسط وقد سبق أن استضاف محادثات إيرانية سعودية مباشرة، فيما يسعى الخصمان إلى التهدئة بعد سنوات من التوتر والقطيعة الدبلوماسية.
وزار الملك عبدالله الثاني العراق مطلع العام 2019 للمرة الأولى منذ عشر سنوات، فيما بات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أول رئيس مصري يزور العراق منذ غزو نظام صدام حسين للكويت في العام 1990 وقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، لكن العلاقات بينهما تحسنت بشكل كبير خلال السنوات الماضية.
وبحسب البيان الختامي للقمّة، شملت النقاشات بين السيسي والملك عبدالله الثاني ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، قضايا إقليمية، لاسيما سوريا وليبيا واليمن والصراع الفلسطيني - الاسرائيلي، فضلا عن التعاون بين الدول الثلاث في مجالات الاقتصاد والطاقة والأمن.
وتسعى بغداد إلى تحقيق تقارب بين حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، أي السعودية والأردن ومصر، وتدعم أيضا عودة سوريا إلى الجامعة العربية.
واعتبر الزعماء الثلاثة في البيان الختامي أنه من الضروري "التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية بناء على قرار مجلس الأمن 2245، على أن يحفظ أمن واستقرار سوريا وتماسكها ويتيح الظروف المناسبة للعودة الطوعية للاجئين".
وفي أبريل الماضي التقى وفدان إيراني وسعودي في بغداد، التي تسعى لتكون وسيطا إقليميا قويا لتفادي تحول العراق إلى ساحة صراع بين القوى الإقليمية.
وقطعت الرياض وطهران علاقاتهما الدبلوماسية قبل خمس سنوات، ما زاد من حدة التوتر في المنطقة. ومن شأن أي تهدئة بين طهران والرياض أن تعود بالفائدة على العراق الذي لا يزال يشهد هجمات بالصواريخ أو بعبوات ناسفة، تنفذها بوتيرة أسبوعية فصائل تعد ورقة بيد إيران، تستخدمها في كل مفاوضات مع بغداد، بحسب مسؤولين عراقيين.
ويرى المحلل السياسي إحسان الشمري أن العراق يحاول "تثبيت سياسته الخارجية في ما يرتبط بالمحيط والمنظومة العربية، وتعويض ما يمكن أن يكون ورقة ضغط من قبل دول إقليمية وبالتحديد إيران".
وتشكّل القمة "رسالة إلى الولايات المتحدة بأن العراق لن يكون أحادي العلاقة مع إيران على حساب الدول الأخرى"، وفق الشمري، فيما يتوقّع أن يجري رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي زيارة للولايات المتحدة لم يحدد موعدها بعد، أعلن عنها المتحدث باسمه قبل أيام.
وفي كلمة افتتاحية للقمة، قال رئيس الوزراء العراقي إن الدول الثلاث ستواصل "التنسيق في الملفات الإقليمية الرئيسية كالملف السوري والليبي واليمني وفلسطين، وبلورة تصور مشترك تجاه هذه القضايا بالتعاون والتنسيق".
وشدّد على أن عقد القمة العراقية - الأردنية - المصرية في بغداد يعدّ انعطافا تاريخيا في ظل التحديات الخطيرة التي يواجهها العالم، وفي مقدمتها وباء كورونا والأزمة الاقتصادية ومكافحة الإرهاب.
وذكر الكاظمي "ركزنا في الاجتماع السابق على الاستثمار والتعاون الاقتصادي، واتفقنا على رؤية مشتركة ونجحنا في الوصول إلى تصورات، الآن نحن في مرحلة الوصول إلى تنفيذ هذه المشاريع، في مجال الربط الكهربائي والزراعة والنقل، وكذلك الأمن الغذائي الذي طرحه الملك عبدالله في الاجتماع الماضي، وفي مجال العلاقات المالية والمصرفية وتطوير البنى التحتية لها".
وكشف أن "هناك العديد من مذكرات التفاهم جرى التوقيع عليها في السابق بين الدول الثلاث، وهناك مذكرات واتفاقيات سنوقع عليها في المستقبل القريب، ونعمل على إقامة سكرتارية دائمة لتنسيق العمل بين الدول الثلاث والعمل على تطوير ومتابعة ما نتفق عليه".
ورحّبت بغداد والقاهرة وعمان الأحد بـ"تشكيل الحكومة الليبية الجديدة المؤقتة وبالتقدم المحرز"، وفق البيان الختامي.
وأكد الزعماء الثلاثة "ضرورة خروج كافة القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا" المقدر عددهم بحسب الأمم بنحو 20 ألفا، من روس في مجموعة فاغنر الخاصة وتشاديين وسودانيين وسوريين وغيرهم، فيما ينتشر المئات من العسكريين الأتراك بموجب اتفاق ثنائي مبرم مع حكومة طرابلس السابقة.
وكانت مصر تعد لسنوات أحد أبرز الداعمين للمشير خليفة حفتر الرجل القوي في شرق ليبيا، في ظل حالة فوضى عاشتها البلاد بعد سقوط معمر القذافي في عام 2011.
وأفضى حوار ليبي رعته الأمم المتحدة في جنيف في الخامس من فبراير الماضي، إلى تشكيل مجلس رئاسي وحكومة موحدة صادق عليها البرلمان في مارس.
وعلى مدار يومين شهدت بغداد حضورا أمنيا مكثفا بنشر مركبات عسكرية في الشوارع العامة، ضمن ترتيبات عقد القمة.
وكتب الكاظمي في تغريدة على تويتر "بغداد السلام والعروبة تستقبل اليوم (الأحد) بكل ود وترحيب ضيفيها الكريمين، أخي الملك عبدالله الثاني وأخي الرئيس عبدالفتاح السيسي، لعقد القمة العراقية - الأردنية - المصرية. مرحبا بكم في عراقكم، ومعا نؤسس لمستقبل يليق بشعوبنا وفق منطق التعاون والتكامل، بين الجيران والأشقاء والأصدقاء".
وفي أول زيارة لرئيس مصري منذ 3 عقود، بحث رئيس الجمهورية العراقي برهم صالح، خلال جلسة محادثات مع السيسي تطورات الأوضاع في المنطقة، وتمت الإشارة إلى الدور المحوري لمصر، والتأكيد على أن العراق الآمن والمستقر ذا السيادة وإعادة دوره العربي والإقليمي عنصر مهم في ترسيخ الأمن والاستقرار والتنمية في كل المنطقة.
وشدد صالح على أهمية "رفع مستوى التنسيق" بين الدول الثلاث و"تنمية آفاق التعاون في الاقتصاد والتجارة والتنمية ومشاريع البنى التحتية ونقل الطاقة والنفط".
ويرى خبراء ومراقبون أن القمم التي دأب الثلاثي على عقدها لم تسفر عن أي نتائج ملموسة حتى الآن وأنه ليست هناك توقعات كبيرة بشأنها، حيث ظلت منحصرة في باب التشاور والتنسيق حول الملفات المشتركة، دون المرور إلى الجانب العملي.
وتأتي هذه القمة قبل أيام على زيارة مرتقبة للملك عبدالله الثاني إلى واشنطن، حيث من المفترض عقد لقاء قمة مع الرئيس الأميركي جو بايدن.
وكانت جامعة الدول العربية قالت إن "القمة الثلاثية التي ستعقد في بغداد تعبّر عن إرادة خالصة للدول الثلاث العراق ومصر والأردن".
وأشار الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي لوكالة الأنباء العراقية (واع)، إلى أنّ "جامعة الدول العربية تنظر بإيجابية إلى التعاون الثلاثي بين الدول الثلاث".
وقبيل انعقاد القمة الثلاثية الأحد، اجتمع وزراء خارجية الدول الثلاث في بغداد، وشددوا على أهمية مكافحة الإرهاب والتوصّل إلى حل سياسي للأزمة في سوريا، واتفقوا على تنسيق المواقف السياسية لحل أزمات المنطقة وفي مقدّمها القضية الفلسطينية.
وتعقد هذه القمة بعدما أرجئت مرتين، الأولى عندما وقع حادث تصادم القطارين الدامي في مارس والثانية إثر قضية "زعزعة الاستقرار" في الأردن في أبريل.
وتأتي هذه القمة الثالثة بعد قمتين في القاهرة في مارس عام 2019 وعمان في أغسطس عام 2020، في إطار مسار آلية التعاون الثلاثي بين الدول الثلاث والهادفة إلى البناء على ما تحقق خلال القمتين السابقتين وتقييم ومتابعة خطوات التطور في مختلف مجالات التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين مصر والأردن والعراق.
وعقد الأردن ومصر والعراق اجتماعات مماثلة خلال العامين الماضيين ركزت على البنى التحتية والتنسيق المشترك لمحاربة التنظيمات الإسلامية المتطرفة.
وفي قمة مماثلة في الأردن في أغسطس 2020، شدّدت الأطراف الثلاثة على "أهمية تعزيز التعاون… في المجالات الاقتصادية والحيوية كالربط الكهربائي ومشاريع الطاقة والمنطقة الاقتصادية المشتركة" بينها.