حفل تحجيب قاصرات في تونس "أمّ الإنجازات"

عمّت موجة من السخرية والجدل موقع فيسبوك في تونس بعد انتشار صور لحفل تحجيب فتيات قاصرات في مدرسة قرآنية، ما سلّط الضوء على انتهاك حق الفتيات في الاختيار وعلى تجاوزات المدارس القرآنية.
المنستير (تونس) - أثار تنظيم حفل في مدينة المنستير التونسية الساحلية بمناسبة ارتداء خمس فتيات للحجاب وذلك بحضور أوليائهم ومعلميهم جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأقيم الحفل في مدرسة قرآنية تحت عنوان ”حجابي تاجي” وظهر في الصور قالب حلوى كتب عليه ”مبارك عليك الحجاب”، تمّ ترتيبه وإقامته بكلّ تفنّن وكأنّها مسابقة ملكة جمال حتى أنّ الفتيات الخمسة تمّ إعطائهن شهادات بالمناسبة. وسخر معلق:
Thomas Sankara
في المنستير حفل تحجيب (لبس حجاب) لخمس فتيات وشهادات تثبت ذلك “متحجبة بكوارتها”.
وكتبت معلقة:
Najla Besbes
الناس تموت كل دقيقة بالكوفيد وهوما (هم) مشكلتهم شعرة بنية صغيرة عريانة تتغذى بالشمس.. عملت لهم حجاب ضد المرض والجهل والعنف موش خير..!
وفي وقت احتفت صفحات على فيسبوك محسوبة على حركة النهضة بـ”الإنجاز العظيم”، ثارت موجة سخرية وانتقاد، حيث اعتبر مستخدمون ذلك سلبا لحرية الفتيات الصغيرات اللاتي لم تتجاوز أعمارهن الثانية عشرة عاما.
وجاءت العديد من التعليقات مندّدة بهذا الاحتفال خاصة وأن ارتداء الحجاب لا يعتبر إنجازا للاحتفاء به، كما أنه من الممكن أن يكون جريمة في حق الفتيات الصغيرات اللاتي في أعمار لا تسمح لهن باتخاذ قرار بارتداء الحجاب .
كما اعتبر آخرون أن هذه الخطوة تندرج ضمن مظاهر النفاق الاجتماعي خاصة وأن العديد من المحجبات في تونس يرتدينه امتثالا للصورة النمطية الاجتماعية التي تصنف المحجبة بأنها أكثر “أخلاقا” من غيرها.
وعبّر المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة عن “استنكاره لمواصلة المدارس والجمعيات التي تبثّ ثقافة التطرف الديني والانغلاق العمل بكل حرية وتحت أنظار السلطات الحكومية، دون أي ردع أو مراقبة” .
ونشر رئيس الرصد منير الشرفي على حسابه على فيسبوك بيان المرصد وعلق:
متى ستهتم الدولة ببؤر تفريخ الإرهاب؟
ما زالت المدارس والجمعيات التي تبثّ ثقافة التطرف الديني والانغلاق تعمل في بلادنا بكل حرية، وتحت أنظار السلطات الحكومية، دون أي ردع وأي مراقبة. وتقوم هذه الجمعيات خلال هذه الفترة بالاحتفالات بنهاية السنة الدراسية في أجواء قروسطية رهيبة يتمّ فيها توزيع الحجاب على فتيات قاصرات، باعتباره لباس “العفّة والطهارة”، كما تمّ في “الجمعية القرآنية بالمنستير”.
واعتبر بيان المرصد أن هذا “الشكل من التعامل مع فتيات تونس هو من باب الضغط على إرادتهن نظرا لصغر سنّهن وإن كان مغلفا بالمظاهر الاحتفالية، ويُكرّس تقسيم التونسيات بين عفيفات ومُتبرّجات”.
وأضاف أن هذا “التعامل يُروّج لفكرة دونية المرأة باعتبارها عورة، وهو ما يتعارض مع مبدأ المواطنة، أساس الدولة المدنية، ويتضارب مع الدستور الذي يُؤكّد على مبدأ المساواة بين المرأة والرجل وعلى عدم التراجع عن مكاسب المرأة التونسية”.
كما أعرب المرصد عن “استغرابه من صمت وزارتي التربية والمرأة والطفولة على ما آلت إليه تربية أبنائنا من تخلّف وانغلاق”، معتبرا أنها “تربية تقطع دون شك مع ما قامت به أجيال عديدة في سبيل التعليم الحديث والتربية على إعمال العقل والفكر المستنير، في زمن ينتشر فيه الإرهاب في ربوعنا، بل تتمّ فيه مساعدة الإرهابيين على الإفلات من العقاب”.
وسخرت معلقة:
Jihen Mejri M’rad
شوفوني حفلة وقاوق (هالة) كأنهم أول مرة يدخلون إلى دين الإسلام.. شطر (نصف) الشعب محجّب ولم يقم أحد بصنع حفلة. هاي بش تولي (ستصبح) موضة توا (الآن) كل واحدة تتحجب تكري صالة وفرقة سلامية (فرقة إنشاد إسلامي) وأطباق حلويات توزّع وبعد أسبوعين تنحيه (تنزعه) وتقلك مكنتش (لم أكن) مقتنعة.
والحجاب ظاهرة اجتماعية تفشت في المجتمع التونسي منذ أربعة عقود، وتطورت شيئا فشيئا خاصة بعد الثورة. وتشكل هذه الظاهرة مصدر تخوف وارتباك ورفض يتزايد مع تطور الظاهرة نفسها، فبقدر ما يزداد عدد النساء اللواتي يضعن الحجاب بقدر ما تزيد نسبة التخوف والرفض في الشق المقابل.
ويتخوف التونسيون من أن يصبح الحجاب هو القاعدة وغيره استثناء. ويقول بعضهم إن الحجاب دخيل على المجتمع. لكنّ الإسلاميين في تونس يرون أنها قضية “استعادة الهوية الإسلامية والعربية” بعد سنوات من الكبت زمن نظامي بن علي وبورقيبة.
ومن المعروف أن تونس واحدة من أكثر الدول العربية انفتاحا خاصة على صعيد حقوق المرأة، نتيجة إرث طويل يقوم على قوانين أسست لحياة مدنية.
ويعتبر الحجاب واحدا من القضايا التي لها خصوصية في هذا البل.
وتأثرت قضية لبس الحجاب في تونس بالتغيرات السياسية، حيث كان النظام السياسي قبل ثورة يناير 2011 لا يشجّع ظاهرة لبس الحجاب.

وقبل الثورة كان يسري في تونس “المنشور عدد 108”. ووجه هذا المنشور الصادر عن وزارة التربية سنة 1981 تعليمات إلى جميع مديري المعاهد “إلى الحرص بما ينبغي من الجد والحزم ضدّ ظاهرة الحجاب”، التي اعتبرها المنشور، “انتساب إلى مظهر متطرف هدام”. لكن الأمر تغيّر كليا بعد الثورة حين دخلت حركة النهضة الإسلامية كشريك أساسي في الحكم، ما ساهم في انتشار الحجاب بالإضافة إلى انتشار المدارس القرآنية وزيادة ظاهرة تحجيب الصغيرات.
وإبان الاحتفال بعيد المرأة يوم 13 أغسطس 2015 أعلن الرئيس التونسي الراحل الباجي قائد السبسي منع ارتداء الحجاب للفتيات القاصرات واصفا ذلك بأنه “ضرب من ضروب التخلف والعودة بتونس إلى الوراء”، لكن القانون لا يطبق وواجه مقاومة شرسة من الإسلاميين.
وخلافا لما يروّج له الإسلاميون في تونس من كون ارتداء النساء للحجاب مؤشر تدين وانتماء لجماعاتهم أظهرت دراسة ميدانية أن ظاهرة الحجاب التي انتشرت خلال السنوات الأخيرة لا تعدو بالنسبة إلى غالبية التونسيات سوى نوع من أنواع اللباس بل وموضة بالنسبة إلى أكثرية الفتيات.
وجاء في نتائج عملية استطلاع للرأي أعدها قسم علم الاجتماع بالجامعة التونسية أن 57 في المئة من المتحجبات غير متدينات وغير مواظبات على أداء الفرائض الدينية ولا ينتمين لأي جماعة إسلامية بما في ذلك حركة النهضة.
يذكر أن المنقبات والمحجبات اللواتي يرتدين ما يسمى بـ“اللباس الشرعي” يواجهن رفضا متزايدا من قبل المجتمع وخصوصا في سوق العمل الذي يعتبر هذا النمط من اللباس دخيلا على المجتمع التونسي وغير ملائم للعمل.
ويقول مغردّ:
k3vinmitnick@
تونس سنة 1907.. فتيات في المدرسة بلا حجاب ولا نقاب.. بلباس تونسيّ صميم كيف يريدون إلغاء التاريخ والجغرافيا..
من جانب آخر، لا تخفي السلطات التونسية أن انتهاك حقوق الطفولة اتّخذ خلال السنوات الماضية أشكالا عدة، منها انتشار “مدارس قرآنية عشوائية” خارجة عن سيطرة الدولة، تسعى لتنشئة الأطفال على فكر متشدد، يتناقض مع أبسط الطرائق البيداغوجية الكفيلة بنحت ملامح الشخصية المتوازنة.
